الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عمر مروك: سياسة التحريرأثبتت غياب قواعد المنافسة الشريفة والتواطؤ بين شركات توزيع المحروقات

عمر مروك: سياسة التحريرأثبتت غياب قواعد المنافسة الشريفة والتواطؤ بين شركات توزيع المحروقات عمر مروك
قرار منح رخص لفاعلين اقتصاديين جدد في قطاع المحروقات على عهد وزير الطاقة و المعادن السابق عزيز رباح كانت الغاية منه إنعاش قطاع المحروقات و توسيع هامش المنافسة الحرة و النزيهة، هذا القرار تمخضت عنه نتائج عكسية و هو ما اعترف به رئيس الحكومة السابق عبد الالاه بنكيران ،بأن قراره بتحرير اسعار المحروقات كان قرارا خاطئا و ان حزبه ادى الثمن بسبب ذلك،الحكومة الحالية بدورها لم تتراجع عن سياسة التحرير و هو ما اكدته وزيرة الاقتصاد و المالية نادية فتاح العلوي باقتصار الدولة على متابعة تطورات هذا السوق دون تدخل مباشر في حرية الاسعار ، سياسة التحرير و واقع الحال أثبت غياب  قواعد المنافسة الشريفة  والتواطؤ في السوق الوطنية بين شركات توزيع المحروقات. مما سبب ارتفاع الأسعار و غضبا شعبيا بالإضافة لازدياد مؤشرات التضخم .

ساد جو مشحون من تبادل الإتهام بين الحكومة من جهة و بين مجلس المنافسة ، و تبينت معه إلحاحية استكمال الإطار القانوني بإخراج المراسيم التطبيقية قصد تمكين مجلس المنافسة من البث في الشكايات المتعلقة بشبهة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة في أسعار المحروقات المطبقة من طرف الموزعين، و كانت سياسة تحرير أسعار المحروقات المطبقة من طرف الموزعين منذ فاتح دجنبر 2015.
 
تعديل الإطار القانوني المتمثل في إصدار المراسيم التطبيقية للقانون رقم 40.21 المغير والمتمم للقانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والقانون رقم 41.21 المغير والمتمم للقانون رقم 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة الصادران بالجريدة الرسمية عدد 7152، بتاريخ 15 دجنبر 2022 يمكن اعتباره خطوة جد مهمة لإصلاح ما يمكن إصلاحه، لكن المتابعين للملف و الرأي العام يعتبرونها خطوة متأخرة خصوصا مع تغول الريع و زواج السلطة بالمال ،و ارتفاع مؤشرات التضخم ،في ظل وضع اقتصادي دولي جد حساس، الشيء الذي عقد كل محاولة لحلحلة ملف المحروقات، ولأن الزمن مهم في هذا الملف، و يتمحور حول مادة حيوية، اعتبرت الحكومة بأن فتح المجال لفاعلين جدد بالقطاع سيعزز المنافسة الحرة و بالتالي ستنخفض الأسعار، هذا التوجه لن يحقق النتيجة المرجوة منه إذا اتبعنا نفس النهج ونفس المعادلة في التعامل مع هذا الملف. فالتقارير المتعاقبة واللجان الاستطلاعية تفيد بالملموس بوجود تواطؤ بين موزعي المحروقات بخصوص الأسعار المرجعية للمحروقات، إلا ان مجلس المنافسة نهج معها مسطرة تصالحية وطبق نسبة 03% فقط  لتحديد المبلغ الأساسي للعقوبة المالية على هذه الشركات ، عوض النسبة الأقصى 10%، من رقم المعاملات ذو الصلة بالمخالفة خلال السنة المالية المختتمة ، ولم يأخذ بعين الإعتبار باقي العناصر التي حددتها المادة 39 من القانون رقم 40.21 بتغييروتتميم القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ولاسيما ما يتعلق منها بمدة ارتكاب المخالفة محسوبة بعدد السنوات؛ والإثراء والمبالغ المحصل عليها دون وجه حق من خلال المخالفة؛ ودرجة تورط هذه الشركات ومنظمتها المهنية في تنظيم ارتكاب المخالفة؛ ومراعاة تناسب مبلغ العقوبة المالية كذلك مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها، وأهمية الضرر الذي ألحقته بالإقتصاد الوطني. مبلغ غرامة جد هزيل بالمقارنة مع حجم الأرباح التي حققتها هذه الشركات، في وقت ان خزينة الدولة في أمس الحاجة لايرادات تغطي برامجها الإجتماعية.
 
حساسية ملف المحروقات يضع مؤسسات الدولة في معادلة صعبة، من جهة بسبب التأثير القوي للوبي المحروقات، ومن جهة ثانية بسبب المؤشرات الإقتصادية الداخلية التي جعلت من الدولة تعطي أولوية للحسابات الموازناتية لتدعيم مداخيل ميزانية الدولة ،عوض نهج المرونة في ما يخص الضريبة على المحروقات ، كل هذا على حساب جيوب فئات عريضة من الشعب ،الشئ الذي يضرب في العمق تلك الثقة المجتمعية بالمؤسسات الدستورية التي تعاني أزمة في الأصل، على اعتبار ان عموم المواطنين لا يفهمون لغة المؤشرات والعجز والظرفية الإقتصادية بقدر ما يهتمون بالقدرة الشرائية و الولوجية للخدمات الإجتماعية. معادلة صعبة تبين أن العبرة ليست بالزيادة في الشركات و الفاعلين في قطاع المحروقات ، وإنما بالجرأة في التعامل بحزم مع الشركات الموجودة وضبط السوق وزجر المخالفين للقانون و تحريك الملفات.
 
التذمر المجتمعي الحالي يسائل رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران الذي منح مصير المغاربة على طبق من ذهب لشركات المحروقات ، كما يسائل الحكومة الحالية ذات النهج الليبيرالي المتوحشي.كما نسائل سلبيات زواج السلطة بالمال و تغلغل الريع و الفساد .بشكل يوحي بتحول المؤسسات إلى مجرد أدوات في يد لوبيات لا تنشغل بالإستقرار والسلم المجتمعي، وإنما فقط بالربح والثروة، من طرف قلة محتكرة لقطاع جد حيوي من شأنه الزيادة في التضخم او تخفيف عبئه ، و بالتالي نحن أمام أزمة تخفي في ثناياها حالة عجز قد يتطور معها الرفض المجتمعي إلى ما هو أبعد من احتجاج صامت.
 
ومن هنا على كل الفاعلين البحث عن مداخل للإنقاذ و مصالحة الدولة بالمجتمع، وبصيغة أخرى استعادة الثقة المهدورة و لن يكون ذلك إلا بحماية القدرة الشرائية للمواطنين والحد من تغول لوبي المحروقات و الرد بحزم على كل الإختلالات التي من شأنها الإخلال بالتطور الطبيعي للسوق.

عمر مروك، باحث وعضو مركز شمال افريقيا للدراسات والبحوث و تحليل السياسات العمومية