الأربعاء 5 فبراير 2025
سياسة

زكاه الملك.. المفاتيح الحاسمة لإنجاح البرنامج الجديد لإسكان الفقراء

زكاه الملك.. المفاتيح الحاسمة لإنجاح البرنامج الجديد لإسكان الفقراء
ظل‭ ‬ملف‭ ‬السكن،‭ ‬منذ‭ ‬تولي‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬الحكم،‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬السياسات‭ ‬العمومية،‭ ‬حيث‭ ‬شكل‭  ‬الخطاب‭ ‬الملكي‭ ‬لـ‭ ‬20‭ ‬غشت‭ ‬2001‭ ‬انتفاضة‭ ‬حاسمة‭ ‬نحو‭ ‬مراجعة‭ ‬الوضع‭ ‬العام‭ ‬لمشكل‭ ‬السكن‭ ‬بالمغرب،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تأهيل‭ ‬الدور‭ ‬الآيلة‭ ‬للسقوط‭ ‬والأحياء‭ ‬ناقصة‭ ‬التجهيز،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬محاربة‭ ‬أحياء‭ ‬الصفيح،‭ ‬ودعم‭ ‬السكن‭ ‬الاجتماعي‭. ‬إذ‭ ‬دق‭ ‬الملك‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬ونبّه‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬انتشار‭ ‬السكن‭ ‬الصفيحي‭ ‬والعشوائي،‭ ‬لما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬سلبي‭ ‬على‭ ‬كرامة‭ ‬المواطن،‭ ‬وما‭ ‬يشكله‭ ‬من‭ ‬تهديد‭ ‬لتماسك‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬داعيا‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬برنامج‭ ‬وطني‭ ‬تضامني‭ ‬مضبوط‭ ‬المسؤوليات‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬عاد‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬العرش‭ ‬(30‭ ‬يوليوز‭ ‬2003)‭ ‬ليؤكد‭ ‬أن‭ ‬حصيلة‭ ‬المنجزات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السكن،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬جسامة‭ ‬التحديات،‭ ‬محملا‭ ‬المسؤولية،‭ ‬آنذاك،‭ ‬لجميع‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬تزايد‭ ‬البناء‭ ‬العشوائي،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الملف،‭ ‬رغم‭ ‬المجهودات‭ ‬المتواصلة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬العيش،‭ ‬مازال‭ ‬يشكل‭ ‬هاجسا‭ ‬مستمرا‭ ‬للسلطات‭ ‬الحكومية،‭ ‬كما‭ ‬يتسم‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭ ‬والتشابك،‭ ‬بل‭ ‬تتداخل‭ ‬فيه‭ ‬الجوانب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والعمرانية‭ ‬والمالية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬اضطراب‭ ‬طرق‭ ‬التدبير،‭ ‬وتحديد‭ ‬خارطة‭ ‬المشاريع‭ ‬(التوزيع‭ ‬الجغرافي)‭ ‬وتتبع‭ ‬مراحل‭ ‬الإنجاز‭ ‬وتيسير‭ ‬ولوج‭ ‬المقتنين‭ ‬وتطوير‭ ‬المكاسب‭ ‬المالية‭ ‬والضريبية‭.‬
 
والآن،‭ ‬بعد‭ ‬20‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬"الغضبة‭ ‬الملكية"،‭ ‬ومن‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬عبر‭ ‬تبني‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬الوطنية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭  ‬الاختلالات‭ ‬الداخلية‭ ‬لقطاع‭ ‬السكنى،‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الوعاء‭ ‬العقاري‭ ‬والدعم‭ ‬والتمويل،‭ ‬والإعفاء‭ ‬الضريبي‭ ‬«ضريبة‭ ‬الشركات‭ ‬وضريبة‭ ‬الدخل‭ ‬ورسوم‭ ‬التسجيل‭ ‬والطوابع‭ ‬ورسوم‭ ‬التسجيل‭ ‬على‭ ‬دفاتر‭ ‬الأراضي‭ ‬وضريبة‭ ‬الأعمال‭ ‬والضرائب‭ ‬على‭ ‬المناطق‭ ‬الحضرية»،‭ ‬ومنح‭ ‬المنعشين‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الامتيازات‭ ‬التحفيزية‭ ‬الإضافية‭ ‬الأخرى،‭ ‬لتشجيع‭ ‬انخراطهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الورش‭ ‬الوطني‭ ‬المقتوح،‭  ‬جاء‭ ‬البرنامج‭ ‬الجديد‭ ‬للدعم‭ ‬العمومي‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء‭ ‬المنصوري‭ ‬وزيرة‭ ‬إعداد‭ ‬التراب‭ ‬الوطني‭ ‬والتعمير‭ ‬والإسكان‭ ‬وسياسة‭ ‬المدينة‭  ‬أمام‭ ‬الملك،‭ ‬أولا،‭ ‬ليعطي‭ ‬«حياة‭ ‬جديدة»‭  ‬لبرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬للإسكان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬الذي‭ ‬أطلقته‭ ‬وزارة‭ ‬إعداد‭ ‬التراب‭ ‬الوطني‭ ‬والتعمير‭ ‬والإسكان‭ ‬وسياسة‭ ‬المدينة،‭ ‬ودخل‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬سنة‭ ‬2010،‭ ‬وانتهى‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬دجنبر‭ ‬2020‭. ‬وثانيا،‭ ‬لفك‭ ‬الانسداد‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬القطاع‭ ‬الذي‭ ‬تأثر‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬الإشكالات‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬عليه‭ ‬بالجمود،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭  ‬ندرة‭ ‬الوعاء‭ ‬العقاري‭ ‬لاسيما‭  ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى،‭ ‬والزيادة‭ ‬في‭ ‬أسعار‭ ‬مواد‭ ‬البناء،‭ ‬وضعف‭ ‬الطلب‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬الشقق‭.‬
 
ويهدف‭ ‬البرنامج‭ ‬الجديد،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬البرنامج‭ ‬السابق،‭ ‬إلى‭ ‬«التقريب‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬لتحفيز‭ ‬المستثمرين‭ ‬وتشجيع‭ ‬المستفيدين‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬احترام‭ ‬توصيات‭ ‬النموذج‭ ‬التنموي‭ ‬الجديد،‭ ‬ولجعل‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬ناجحا»،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬أعلنته‭ ‬الوزيرة‭. ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬للمواطنين،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬تعزيز‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬سكن‭ ‬لائق،‭ ‬وذلك‭ ‬برفع‭ ‬مبالغ‭ ‬المساعدة‭ ‬إلى‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اقتناء‭ ‬مسكن‭ ‬يقل‭ ‬ثمن‭ ‬بيعه‭ ‬أو‭ ‬يعادل‭ ‬300.000‭ ‬درهم‭ ‬مع‭ ‬احتساب‭ ‬الرسوم،‭ ‬بعدما‭ ‬كانت‭ ‬قيمة‭ ‬المنحة‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اقتناء‭ ‬سكن‭ ‬يقل‭ ‬ثمنه‭ ‬عن‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬أو‭ ‬يعادلها‭. ‬كما‭ ‬يقترح‭ ‬البرنامج‭ ‬تمكين‭ ‬الأسر‭ ‬من‭ ‬مساعدة‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬لاقتناء‭ ‬مسكن‭ ‬يتراوح‭ ‬ثمنه‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬300.000‭ ‬درهم‭ ‬و700.000‭ ‬درهم‭ ‬مع‭ ‬احتساب‭ ‬الرسوم،‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬المبلغ‭ ‬محددا‭ ‬في‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اقتناء‭ ‬سكن‭ ‬يفوق‭ ‬ثمنه‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬ويقل‭ ‬عن‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬درهم‭ ‬أو‭ ‬يعادلها‭.‬
 
وإذا‭ ‬كان‭ ‬إغلاق‭ ‬الفجوة‭ ‬السكنية‭ ‬يستكين‭ ‬إلى‭ ‬تشخيص‭ ‬اجتماعي‭ ‬يقر‭ ‬بهشاشة‭ ‬الوضعية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬السكن‭ ‬غير‭ ‬اللائق،‭ ‬فإن‭ ‬الرد‭ ‬النهائي‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬يتطلب‭ ‬إدراج‭ ‬جميع‭ ‬الفاعلين‭ ‬في‭ ‬البرنامج،‭  ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬المنعشون‭ ‬العقاريون‭ ‬الذين‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬اللحظة‭ ‬التاريخية،‭ ‬وفي‭ ‬«الرهان‭ ‬المواطناتي»‭ ‬لتوفير‭ ‬منتوج‭ ‬يتوفر‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الجودة،‭ ‬وعلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬الجشع‭ ‬المعبر‭ ‬عنه‭  ‬في‭ ‬التحفظات‭ ‬التي‭ ‬يبديها‭ ‬المنعشون‭ ‬على‭ ‬برامج‭ ‬الدعم‭ ‬السابقة،‭ ‬وفي‭ ‬المكاسب‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬التي‭ ‬يلقونها‭ ‬على‭ ‬كواهل‭ ‬المواطنين‭ ‬الراغبين‭ ‬في‭ ‬السكن،‭ ‬إذ‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يطرحه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتتبعين‭ ‬هو:‭ ‬هل‭ ‬يستسلم‭ ‬المنعشون‭ ‬لاستبدال‭ ‬الإعفاءات‭ ‬الضريبية‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬حاليا،‭ ‬بالدعم‭ ‬المباشر؟‭ ‬ألن‭ ‬يعمدوا‭ ‬إلى‭ ‬طرق‭ ‬أخرى‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬الربح‭ ‬وتوسيعه‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المواطنين؟‭ ‬هل‭ ‬سيلتزمون‭ ‬بمعايير‭ ‬الجودة‭ ‬المطلوبة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الوحدات‭ ‬السكنية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ارتفاع‭ ‬مواد‭ ‬البناء‭ ‬وندرة‭ ‬الوعاء‭ ‬العقاري‭ ‬المخصص‭ ‬للبناء؟
 
ما‭ ‬من‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬البرنامج‭ ‬الملكي‭ ‬سيعطي‭ ‬دفعة‭ ‬قوية‭ ‬لقطاع‭ ‬العقار‭ ‬والسكن،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الرهان‭ ‬الأساسي‭ ‬يبقى،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تعبئة‭ ‬المنعشين‭ ‬العقاريين‭ ‬وتوفير‭ ‬الوعاء‭ ‬العقاري‭ ‬المطلوب،‭ ‬هو‭ ‬تحفيز‭ ‬الأبناك‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬قروض‭ ‬عقارية‭ ‬بمعدل‭ ‬فائدة‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬الأسر‭ ‬المغربية‭ ‬الراغبة‭ ‬في‭ ‬اقتناء‭ ‬سكن،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬كلفة‭ ‬نسب‭ ‬الفائدة‭ ‬التي‭ ‬تقرها‭ ‬الأبناك‭ ‬المغربية‭ ‬مرتفعة‭ ‬جدا،‭ ‬بل‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الأشد‭ ‬ارتفاعا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭.‬
                                 
    تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن