ظل ملف السكن، منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، في قلب السياسات العمومية، حيث شكل الخطاب الملكي لـ 20 غشت 2001 انتفاضة حاسمة نحو مراجعة الوضع العام لمشكل السكن بالمغرب، على مستوى تأهيل الدور الآيلة للسقوط والأحياء ناقصة التجهيز، فضلا عن محاربة أحياء الصفيح، ودعم السكن الاجتماعي. إذ دق الملك ناقوس الخطر ونبّه إلى خطورة انتشار السكن الصفيحي والعشوائي، لما له من أثر سلبي على كرامة المواطن، وما يشكله من تهديد لتماسك النسيج الاجتماعي، داعيا إلى اعتماد برنامج وطني تضامني مضبوط المسؤوليات. غير أنه عاد في خطاب العرش (30 يوليوز 2003) ليؤكد أن حصيلة المنجزات في مجال السكن، لم تكن في مستوى جسامة التحديات، محملا المسؤولية، آنذاك، لجميع الأطراف في تزايد البناء العشوائي، ما يعني أن هذه الملف، رغم المجهودات المتواصلة التي تقوم بها الدولة من أجل تحسين جودة العيش، مازال يشكل هاجسا مستمرا للسلطات الحكومية، كما يتسم بكثير من التعقيد والتشابك، بل تتداخل فيه الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والمالية، فضلا عن اضطراب طرق التدبير، وتحديد خارطة المشاريع (التوزيع الجغرافي) وتتبع مراحل الإنجاز وتيسير ولوج المقتنين وتطوير المكاسب المالية والضريبية.
والآن، بعد 20 سنة من "الغضبة الملكية"، ومن تضافر الجهود عبر تبني مجموعة من البرامج الوطنية للقضاء على الاختلالات الداخلية لقطاع السكنى، وخاصة على مستوى الاستثمار في الوعاء العقاري والدعم والتمويل، والإعفاء الضريبي «ضريبة الشركات وضريبة الدخل ورسوم التسجيل والطوابع ورسوم التسجيل على دفاتر الأراضي وضريبة الأعمال والضرائب على المناطق الحضرية»، ومنح المنعشين مجموعة من الامتيازات التحفيزية الإضافية الأخرى، لتشجيع انخراطهم في هذا الورش الوطني المقتوح، جاء البرنامج الجديد للدعم العمومي الذي قدمته فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة أمام الملك، أولا، ليعطي «حياة جديدة» لبرنامج الوطني للإسكان الاجتماعي، الذي أطلقته وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ودخل حيز التنفيذ سنة 2010، وانتهى في 31 دجنبر 2020. وثانيا، لفك الانسداد الذي يعيشه القطاع الذي تأثر بمجموعة من الإشكالات التي حكمت عليه بالجمود، وعلى رأسها ندرة الوعاء العقاري لاسيما في المدن الكبرى، والزيادة في أسعار مواد البناء، وضعف الطلب بسبب ارتفاع أسعار الشقق.
ويهدف البرنامج الجديد، على غرار البرنامج السابق، إلى «التقريب ما بين العرض والطلب لتحفيز المستثمرين وتشجيع المستفيدين في إطار احترام توصيات النموذج التنموي الجديد، ولجعل هذا البرنامج ناجحا»، حسب ما أعلنته الوزيرة. لكن هذه المرة من بوابة الدعم المباشر للمواطنين، على أساس تعزيز قدرتهم على الولوج إلى سكن لائق، وذلك برفع مبالغ المساعدة إلى 100 ألف درهم من أجل اقتناء مسكن يقل ثمن بيعه أو يعادل 300.000 درهم مع احتساب الرسوم، بعدما كانت قيمة المنحة محددة في 70 ألف درهم من أجل اقتناء سكن يقل ثمنه عن 300 ألف درهم أو يعادلها. كما يقترح البرنامج تمكين الأسر من مساعدة 70 ألف درهم لاقتناء مسكن يتراوح ثمنه ما بين 300.000 درهم و700.000 درهم مع احتساب الرسوم، بعدما كان المبلغ محددا في 50 ألف درهم من أجل اقتناء سكن يفوق ثمنه 300 ألف درهم ويقل عن 700 ألف درهم أو يعادلها.
وإذا كان إغلاق الفجوة السكنية يستكين إلى تشخيص اجتماعي يقر بهشاشة الوضعية الاقتصادية للعديد من الأسر التي تعاني من السكن غير اللائق، فإن الرد النهائي على هذه المعضلة يتطلب إدراج جميع الفاعلين في البرنامج، وعلى رأسهم المنعشون العقاريون الذين ينبغي أن يكونوا في مستوى اللحظة التاريخية، وفي «الرهان المواطناتي» لتوفير منتوج يتوفر على الحد الأدنى من الجودة، وعلى الحد الأدنى من الجشع المعبر عنه في التحفظات التي يبديها المنعشون على برامج الدعم السابقة، وفي المكاسب غير المشروعة التي يلقونها على كواهل المواطنين الراغبين في السكن، إذ السؤال الذي يطرحه العديد من المتتبعين هو: هل يستسلم المنعشون لاستبدال الإعفاءات الضريبية المعمول بها حاليا، بالدعم المباشر؟ ألن يعمدوا إلى طرق أخرى للحفاظ على هامش الربح وتوسيعه على حساب المواطنين؟ هل سيلتزمون بمعايير الجودة المطلوبة في هذا النوع من الوحدات السكنية، خاصة في ظل ارتفاع مواد البناء وندرة الوعاء العقاري المخصص للبناء؟
ما من شك أن هذا البرنامج الملكي سيعطي دفعة قوية لقطاع العقار والسكن، غير أن الرهان الأساسي يبقى، فضلا عن تعبئة المنعشين العقاريين وتوفير الوعاء العقاري المطلوب، هو تحفيز الأبناك ودفعها إلى توفير قروض عقارية بمعدل فائدة في متناول الأسر المغربية الراغبة في اقتناء سكن، خاصة وأن كلفة نسب الفائدة التي تقرها الأبناك المغربية مرتفعة جدا، بل تعتبر من بين الأشد ارتفاعا على المستوى العالمي.
تفاصيل أوفر تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"