Wednesday 25 June 2025
كتاب الرأي

نادية واكرار: في انتظار غودو.. على أنقاض الجغرافيا السياسية

نادية واكرار: في انتظار غودو.. على أنقاض الجغرافيا السياسية نادية واكرار
أصبحنا نعيش في زمنٍ صار فيه الدخان ومخلفاته لغة ومشهدا، والصاروخ خطابا وبروتوكولا، والسلام إعلانا ممولا...
تحولت الحرب في الشرق الأوسط إلى عرض هوليوودي بنكهة المتوسط، بميزانية ضخمة ومؤثرات خاصة، لا تمس المخرجين ولا الأبطال، بل تحرق فقط وجوه الكومبارس.
عرض وسيناريو لا يشبه أفلام الحرب التي عهدناها في شاشات هوليوود أو بوليوود، ولا حتى مؤثرات Star Wars الرقمية...
نحن، يا سادة، أمام مزيج عبث بين مسرحيات صموئيل بيكيت وصيحات الويسترن الكلاسيكي...
تحديدا: فيلم "Le Bon, la Brute et le Truand... ( الطيب، والشرس، والقبيح ) لكن بنسخة محدثة، تلعب فيها البنادق والدراجات والقدائف دور الكوميديا، وتؤدي فيها القنابل رقصة السلام... 
في هذا العرض الجديد:
- "الطيب" لا يشبه كلينت إيستوود، بل يرتدي بذلة فاخرة، ويعتلي منصة القادة ليتحدث عن القيم الإنسانية... بينما يضغط عبثا على زر الشحن العسكري....
- "الشرس" ليس راعي بقر، بل جنرال برتبة دبلوماسي، يبتسم للكاميرا بينما يختبر صاروخا جديدا "دفاعا عن النفس"...
- أما "القبيح"، فهو ذلك الكيان الذي يظهر نفسه ضحية كل شيء، بينما يزرع الألغام تحت الطاولة، ويطالب الآخرين بالاعتذار له.

السيناريو يكتب بعناية،... لكن دون حبكة، ... فقط أحداث متكررة بإيقاع ممل:  
إسرائيل تقصف إيران،
إيران ترد،
أمريكا تتدخل لتقصف إيران، ثم تشكرها على "الهدوء النسبي"،
وقطر تتلقى الضربة، ثم تتحول إلى وسيط، ثم إلى حمامة سلام، ثم تشكر من الجميع... دون أن تفهم لماذا.
وفي خلفية هذا العرض، هناك موسيقى تصويرية حزينة لا تنقطع: أنين شعوب مسحوقة، ضحايا لا دور لهم و مواطنون فقدوا أسماءهم في زحمة الأخبار العاجلة... يصفقون في نهاية كل فصل لأن المخرج قال: "انتهى المشهد!"
لو كان صموئيل بيكيت حيا لربما اعتزل الكتابة بعد أن يشاهد هذا العبث:
مسرحية بلا بداية ولا نهاية، أبطالها يعرفون أنهم يمثلون، والجمهور يعرف أنهم يكذبون...
ومع ذلك، لا أحد يغادر القاعة.
العرض يستمر.
وينتهي كل جزء منه بعبارة واحدة:
"شكرًا لحسن تتبعكم... دمتم في رعاية الله!"
تنطفئ الأضواء، وتعلن نهاية الجزء الأول...
لكن دون شك، جمهورنا ذكي وواع بأن هناك جزءا ثانيا قادما بعنوان:
( الطيب يسلّح القبيح ليحارب الشرس... ثم يعقد معهم اتفاق سلام على أنغام الصواريخ الذكية، وسط الجرحى، ونواح اليتامى والمساكين... )
في انتظار "ݣودو"...!