انتظرنا أسبوعا كاملا من القتلى كي يتحدث رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عن الضحايا الذين سقطوا في عمارات بورگون.
ولم نسارع إلى مقارنة سلوكه، بين اغتيال الطالب الحسناوي بفاس، (رحمه الله)، على يد التطرف اليساري، وبين هدوئه المبالغ فيه في وفاة 23 مغربيا تحت الأنقاض.
الصمت الذي فتحه بنكيران، ملأه رجل يدعى عبد الله النهاري، لم ير في الوفاة سوى.. إخلاف موعد مع الله (سبحانه وتعالى) في المسجد بالدار البيضاء.
عبد الله النهاري، الذي تحول إلى شباك أوتوماتيكي لتفجير الفتاوى، القابلة بدورها للانفجار من مدة، اعتبر ما وقع للضحايا عقابا إلهيا، لأنهم لم يستيقظوا في الثانية فجرا، ويتوجهوا إلى.. المسجد.
عبد الله النهاري، الذي يصنف حياة المغاربة كلها شرا، يرى موتهم عقابا ربانيا، وسقوط العمارات، تحصيل حاصل بعد أن لم يستيقظوا للذهاب إلى المسجد: ماذا يقول المفتي في الذين توفوا في المساجد الذين انهارت عليهم؟
هل جاؤوا بعد الموعد الذي ضربوه مع الذات الإلهية، سبحانه وتعالى عم يصفون؟
ليس النهاري استثناء، في التوزيع الإلكتروني لصكوك العقاب، بل هو شخص من منظومة سمعناها، إذا نسي الناسون عندما ضرب تسونامي جزر الفقراء والمعدمين، وقيل لنا وقتها، في يومية الأصولية، وبقلم من أقلامها أن ذلك عقاب من الله، وخرج الذين خرجوا من قبة التكفير، يجدون المبرر للعقاب الإلهي على فقراء أندونيسيا!!
يمكن للمفسدين، الذين باعوا الإسمنت المغشوش، والمفسدين الذين قدموا التراخيص المغشوشة، والذين تلقوا الأموال الحرام، والذين لم يراعوا مصالح الناس ليدرؤوا عنها المفاسد، يمكنهم أن يدعوا «قرابة» معنوية مع القدر الرباني، يمكنهم أن يدعوا بأنهم يد الله التي تقبض أرواح الذين لم يذهبوا إلى المساجد.
للطفل الذي توفي بين أحضان والدته،
للجنين الذي مات في بطن أمه، خرج، كعيسى بن مريم من بين الرحم لكي يحبو إلى المنبر ويحفظ روحه..
للشيخ العجوز الذي رخص له الله (أن الله لا يجب أن ترد رخصه) بالبقاء في البيت، لكل هؤلاء.. جحيم الدنيا والآخرة.. وللفاسدين الذين سهلوا مأمورية الموت الرباني النعيم، لأنهم كانوا وراء عقاب الكافرين الساهين عن صلاة الفجر.
ليس النهاري، استثناء، إنه الصوت المرتفع في جوقة الذين يولولون، والذين يبحثون عن كل الأسباب لكي يسوقوا الناس إلى جهنم، ويلعنون البلاد التي احتضنتهم والناس الذين اقترفوا الخطيئة بأنهم يعيشون إسلامهم ببساطة وعفة وثقة في الله أكثر من أي شيء آخر: النهاري جزء من خطاب ومن ممارسات تقتل الناس يوميا وفي كل دقيقة، كلما أصابت الناس مصيبة أو لقوا قدرا مأساويا.
بعد أن جعل رئيس الحكومة الله سبحانه وتعالى فاعلا سياسيا رئيسا، جاء النهاري لكي يحوله سبحانه وتعالى عم يصفون إلى.. فاعل عقاري، يهدم المنازل فوق رؤوس الأطفال، بمساعدة من الغشاشين والمفسدين.
لا بد من أن نقول النتيجة التي لا بد من قولها، عندما يبدأ منطق مثل هذا، إنهم يقتلون الناس ويرفعون الحرج عن المفسدين، ويجعلون الله سبحانه عرضة لأوهامهم!
النهاري كفر من شاء، بدون عقاب، وسفه من شاء بدون عقاب،
ولعن من شاء بدون عقاب..
وتحدث في المحصنات وفي أعراض الناس، وفي عمقهم الديني بدون عقاب..
لماذا تريدون منه أن يسكت، و«الإخوة» جازاهم الله.. سبقوه إلى الصمت!
الفورة التي نعيشها في الأسبوع الحالي والذي قبله، ليست معزولة عن السياق العام: سقطت أخبار داعش، وانتبهت الأصوات التكفيرية إلى.. الجاهلية في البلاد.
وتعودت العقلية التكفيرية أن تشتغل بالفعل على حوادث ووقائع مغربية لإعداد الناس لما سيأتي: ولا أحد رأى أن من واجبه الوطني أن يستدعي الأفواه المحشوة بالرصاص، سواء كانت أبو النعيم أو أبو الجحيم أو أبو الحفص التكفيري.
لا أحد للأسف، يخرج فينا باسم الاعتدال وباسم القانون أو باسم الانتقال أو باسم.. درأ المفسدة، لكي يخرس الأصوات التي تمهد الطريق لقنابل داعش القادمة.
لم يعد السياسيون وحدهم الذين يستحقون التكفير، بل المواطنون الأبرياء والأطفال في سباتهم الملائكي والعجائز والذين بهم مرض.. والذين غفت أعينهم (وهو الله يعلم خائنة الأعين)، كلهم مجرمون ويستحقون ما استحقته عاد وثمود وإرم ذات العماد، التي لم يخلق مثلها في البلاد.
هذه البلاد هي سادوم، منذ تفضل علينا وزير العدل السيد الرميد، وحدد عاصمتها في مراكش، بلاد الخطايا والعصيان.. والموبقات.
وهذه البلاد هي بلاد الغضب الرباني، ينزل علينا كلما فتح فقيه في الظلام فمه وأذن في الناس بالقتل أو.. بالموت! نحن المسلمون من الدرجة الثانية، علينا أن ننتظر متى يفتي الـ «سوبر مسلمان» بقتلنا ونقبل ذلك شاكرين، ويفتون بموتنا خائنين وننتظر غفرانهم.. ونعطيهم أصواتنا حتى يقيموا في البلاد خلافة.. انتظروها طويلا.