Wednesday 5 November 2025

كتاب الرأي

بداد محمد سالم: التدبير الانتقالي نحو تنزيل الحكم الذاتي

بداد محمد سالم: التدبير الانتقالي نحو تنزيل الحكم الذاتي بداد محمد سالم
في الوقت الذي تتجه في الأنظار إلى إجراء مفاوضات بين طرفي النزاع، بمشاركة باقي الأطراف الإقليمية، على أساس الحكم الذاتي مع الانفتاح على مختلف الأراء الجادة، من أجل التسوية الأممية النهائية للنزاع.
يطرح تساؤل محوري حول الخطوات المستقبلية لإشراك الصحراويين على مستوى القواعد الشعبية، في إعداد تصوراتهم لمشروع الحل في صيغته النهائية؟
 
لن أتحدث هنا عن أهالينا في مخيمات تندوف فبإمكانهم طرح تصوراتهم للسلطة، التي يخضعون لها، من أجل فرض صوتهم لتقديم تصوراتهم للمفاوضات المستقبلية، لأي مرحلة انتقالية، لكن نتمنى أن تتوسع دائرة المشاركة في بلورة التصورات والتعبير عنها، قبل الذهاب لأي مفاوضات، بشكل يضمن مشاركة الجميع خاصة المعنيين المباشرين بالصراع، أولئك الذين لم يعرفوا قبل رحيلهم أرضا غير مضارب الساقية الحمراء وواد الذهب وطنا، إنهم الأكثر شرعية والأقل حضورا في صناعة مستقبلهم مع كامل الآسف، لكن أي استشارة شعبية حول الحكم الذاتي سيكون لهم صوت فيها.
 
لكن بالمقابل سأتحدث عن الآليات التي يمكن أن تحقق هذا الهدف، بالنسبة لنا نحن سكان إقليم الحكم الذاتي، الذين نمارس شكلا من أشكال التدبير الذاتي عن طريق آليات الحكم المحلي، كماهي مؤطرة بالدستور والقوانين التنظيمية المغربية.
فإن التمثيل السياسي يتم عن طريق المنتخبين والمجالس المنتخبة اضافة إلى التمثيل التقليدي لمؤسسة الشيوخ، مع اختلاف في الأدوار والموارد طبعا.

 
لكن إلى أي حدود تضمن هذه التمثيلية تمثيلا حقيقيا للتعبير عن تصورات وأراء حول شكل الحكم الذاتي وآلياته تنزيله؟ وهل بإمكانها في شكلها الحالي أن تكون عامل دعم ومساندة لتعزيز موقف الدولة المركزية، من أجل إضفاء النجاعة اللازمة على مبادرة الحكم الذاتي، التي لطالما نادى بها الملك محمد السادس.
 
لتحقيق ذلك يجب في المرحلة الأولى أن نعمل على بث روح المشاركة السياسية الفعلية، عبر توسيع دائرة النقاش السياسي وفتح مجال أكبر لمختلف الأصوات و الأراء من داخل المؤسسات المنتخبة، لأن التدبير المحلي في إقليم الحكم الذاتي يجب أن يكون تمرينا ديمقراطيا، لا مكان فيه للصوت الواحد، ولا يقبل أي شكل من أشكال الهيمنة، التي تسيء لصورة الممارسة الديمقراطية، تلك الممارسة التي مكنتها الدولة من جميع الإمكانات والموارد، من أجل أن تكون عامل جذب لا عامل تنفير وعزوف، عن المشاركة والفعل السياسي.
 
تعزير حضور أكبر لمؤسسة الشيوخ وإعادة الروح لهذه المؤسسة التقليدية، من خلال تمكينها من آليات وموارد، تمكنها من القيام بأدوارها المجتمعية، في الوساطة وحل المشاكل، وعندما نتحدث عن الموارد، فلا نقصد بها الموارد المادية فقط، بل حتى البشرية، من خلال ضمان تمثيلية جميع القبائل في مختلف مدن الإقليم، بحيث يكون تواجد لنواب للشيوخ معترف بهم في مختلف المدن، التي لا تعرف إقامة للشيخ الرسمي. تعمل إلى جانبها أطر وكفاءات منها، تجعل العمل الميداني أكثر فعالية ومردودية، كما يقول المثل الحساني " حمل اجماعة ريش"
 
اماً فيما يخص تمثيلية المنتخبين وبما أننا مقيدون بآجال دستورية، فإنه لا مناص من التعاطي بالموجود ودعم مشاركة جميع المنتخبين، بمختلف أطيافهم السياسية والقبلية، في نقاشات من خلال عقد مؤتمر لمنتخبي اقليم الحكم الذاتي، تتمخض عنه لجان عملية لتحديد التصورات حول طبيعة الإجراءات والقيام بحزمة من الأنشطة وتقديم توصيات عن أشغال المؤتمر،يتم اعتمادها لتسهيل إجراءات التنزيل الفعلي للحكم الذاتي.
 
لا يمكن أن ننسى في هذا الصدد تمثيلية إخواننا العائدين إلى أرض الوطن، لما تكتسيه من أهمية بالغة لفهم متطلبات واهتمامات ومطالب أبناء عمومتنا من سكان تندوف، وإن كنا سنجد تمثيلية لهم داخل المجالس المنتخبة وداخل مؤسسة الشيوخ وهي تعبير مهم عن اندماجهم الفعلي داخل نسيجهم المجتمعي و داخل الحياة السياسية، إلا أنه لابد من حضور كوادر وأطر أخرى من هذه الفئة تساهم في تقريب الصورة بشكل أكبر وتقديم الحلول الأكثر فعالية.
 
إن المرحلة لا تستدعي الكم بما قدر ما تحتاج إلى النوع، وإن كان لزاما علينا احترام قواعد الديمقراطية والتمثيل، فإننا في إطار البحث عن مردودية وإجراءات عملية فلابد لنا من ضمان تمثيلية الأطر والكفاءات الصحراوية سواء في الإدارة الترابية أو العمل السياسي أو الكفاءات العلمية والأكاديمية، من أجل الوصول إلى تشخيص حقيقي للواقع والمتطلبات ومردودية ونجاعة أفضل.
إن نموذج الجماعة الصحراوية هو النموذج الأمثل لجمع هذه الفسيفساء التمثيلية ولو بشكل انتقالي لضمان استشارة شعبية ديمقراطية حوّل شكل وطبيعة الحكم الذاتي، لذلك يمكن تسميته ب" مجلس الجماعة الصحراوية المؤقت".
بداد محمد سالم باحث العلوم السياسية والقانون الدستوري