أمال بنبراهيم، باحثة في العلاقات الدّولية والدّيبلوماسية ـ كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسلا
تبنى برلمان الإتحاد الأوروبي في ستراسبورغ قرارا ضدّ المغرب، طالب فيه السلطات المغربية بـ ”احترام حرية التعبير وحرية الإعلام”، و”ضمان محاكمات عادلة للصّحافيين المعتقلين”. كيف تقيمون سياق هذا القرار وخلفياته وتوقيته؟
بغض النظر عن طبيعة القضية التي كانت موضوع تصويت في البرلمان الأوروبي، فإن الأكيد أن هذا القرار لا يمكن قراءته منفردا أو معزولا عن الإطار الحالي الذي تمر به العلاقات المغربية الأوروبية، فاستصدار هذا القرار من البرلمان الأوروبي في قضايا تم البت فيها من طرف القضاء سنة 2021 وبداية 2022، والتغاضي عن انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في دول أخرى منها دول في شمال إفريقيا، من قبيل القبض على نشطاء لهم صلة بحركة الاحتجاجات السلمية (الحراك)، ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين نتيجة لتعبيرهم عن آرائهم أو تغطية أنباء الاحتجاجات، وتقديمهم للمحاكمة واحتجازهم وإدانتهم.
يثبت أن هذا القرار وراءه دوافع متعددة أولها التّحولات الجيوسياسية والسّيادية التي عرفها المغرب، وسعيه في السنوات الأخيرة إلى تنويع شركائه خارج القارة العجوز، بالإضافة إلى إصراره على إقامة علاقات أكثر توازنا وندّية مع شركائه الأوروبيين، خاصة بعد الأزمتين الدّبلوماسيتين مع كل من إسبانيا وألمانيا والأزمة الباردة مع فرنسا، ومطالبة المغرب بعضا من الدول الأوروبية بالخروج من التباس الموقف الرمادي فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. طبعا دون أن نغفل حاجة البرلمان الأوروبي في ظل أزمته المؤسسية إلى ذريعة أو وسيلة إلهاء لتوجيه أنظار الرأي العام الأوروبي بعيدا عن أزماته الداخلية.
بغض النظر عن طبيعة القضية التي كانت موضوع تصويت في البرلمان الأوروبي، فإن الأكيد أن هذا القرار لا يمكن قراءته منفردا أو معزولا عن الإطار الحالي الذي تمر به العلاقات المغربية الأوروبية، فاستصدار هذا القرار من البرلمان الأوروبي في قضايا تم البت فيها من طرف القضاء سنة 2021 وبداية 2022، والتغاضي عن انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان في دول أخرى منها دول في شمال إفريقيا، من قبيل القبض على نشطاء لهم صلة بحركة الاحتجاجات السلمية (الحراك)، ومدافعين عن حقوق الإنسان وصحفيين نتيجة لتعبيرهم عن آرائهم أو تغطية أنباء الاحتجاجات، وتقديمهم للمحاكمة واحتجازهم وإدانتهم.
يثبت أن هذا القرار وراءه دوافع متعددة أولها التّحولات الجيوسياسية والسّيادية التي عرفها المغرب، وسعيه في السنوات الأخيرة إلى تنويع شركائه خارج القارة العجوز، بالإضافة إلى إصراره على إقامة علاقات أكثر توازنا وندّية مع شركائه الأوروبيين، خاصة بعد الأزمتين الدّبلوماسيتين مع كل من إسبانيا وألمانيا والأزمة الباردة مع فرنسا، ومطالبة المغرب بعضا من الدول الأوروبية بالخروج من التباس الموقف الرمادي فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. طبعا دون أن نغفل حاجة البرلمان الأوروبي في ظل أزمته المؤسسية إلى ذريعة أو وسيلة إلهاء لتوجيه أنظار الرأي العام الأوروبي بعيدا عن أزماته الداخلية.
من يحرّك هذا القرار؟
التّطور الذي بات يعرفه المغرب وسعيه المستمر إلى تعزيز ريادته وانفتاحه إقليميا ودوليا، والمكانة الإعتبارية التي أصبح يتمتع بها إفريقيا وعربيا وإسلاميا، وكذا انفتاحه على شركاء جدد كالولايات المتحدة وإسرائيل والصين في إطار استراتيجيته لتنويع شركائه، تدفع بالتّيارات الأوروبية المناهضة له إلى الاستمرار في محاولة الضغط عليه دبلوماسيا والتشويش على إنجازاته بغية محاصرته ووضعه في وضعية دفاع، عوض حالة الهجوم التي بادر بها منذ ثلاث سنوات.
فالقرار يندرج ضمن حملة المضايقات التي تتعرض لها المملكة بغية التشويش على علاقاتها المتميزة مع الدول الأوروبية، من خلال تشويه صورته وإقحام اسمه في قضايا فساد لا علاقة له بها خدمة لأجندة جيواستراتيجية لصالح جهات أوروبية تتمسك بالإبقاء على البنية التقليدية لعلاقتها بالمملكة، في وقت تعرف فيه الشراكة المغربية الأوروبية تطورا، وتشكل قاطرة للتنمية على مستوى الجوار الجنوبي لأوروبا.
والواقع، أن التصويت لفائدة هذا القرار بأغلبية بلغت 356 صوتا، يدلّ على أن هناك عملية تعبئة ممنهجة مارستها جهة ما لتحقيق شبه الإجماع. وأشير إلى أن الغالبية السّاحقة من النّواب الأوروبيين الفرنسيين صوتوا بنسبة كبيرة جدا لصالح القرار على اختلاف انتماءاتهم الحزبية بما فيها حزب الرئيس الفرنسي، وهو مؤشر على الدور الفرنسي المحوري في استصدار هذا القرار.
التّطور الذي بات يعرفه المغرب وسعيه المستمر إلى تعزيز ريادته وانفتاحه إقليميا ودوليا، والمكانة الإعتبارية التي أصبح يتمتع بها إفريقيا وعربيا وإسلاميا، وكذا انفتاحه على شركاء جدد كالولايات المتحدة وإسرائيل والصين في إطار استراتيجيته لتنويع شركائه، تدفع بالتّيارات الأوروبية المناهضة له إلى الاستمرار في محاولة الضغط عليه دبلوماسيا والتشويش على إنجازاته بغية محاصرته ووضعه في وضعية دفاع، عوض حالة الهجوم التي بادر بها منذ ثلاث سنوات.
فالقرار يندرج ضمن حملة المضايقات التي تتعرض لها المملكة بغية التشويش على علاقاتها المتميزة مع الدول الأوروبية، من خلال تشويه صورته وإقحام اسمه في قضايا فساد لا علاقة له بها خدمة لأجندة جيواستراتيجية لصالح جهات أوروبية تتمسك بالإبقاء على البنية التقليدية لعلاقتها بالمملكة، في وقت تعرف فيه الشراكة المغربية الأوروبية تطورا، وتشكل قاطرة للتنمية على مستوى الجوار الجنوبي لأوروبا.
والواقع، أن التصويت لفائدة هذا القرار بأغلبية بلغت 356 صوتا، يدلّ على أن هناك عملية تعبئة ممنهجة مارستها جهة ما لتحقيق شبه الإجماع. وأشير إلى أن الغالبية السّاحقة من النّواب الأوروبيين الفرنسيين صوتوا بنسبة كبيرة جدا لصالح القرار على اختلاف انتماءاتهم الحزبية بما فيها حزب الرئيس الفرنسي، وهو مؤشر على الدور الفرنسي المحوري في استصدار هذا القرار.
برأيكم، كيف سيؤثّر هذا القرار على العلاقات المغربية الأوروبية مستقبلا؟
للتذكير فقط، قرار البرلمان الأوروبي ليس ملزما وليست له قيمة قانونية ملموسة ولا يتعدى أن يكون تعبيرا عن رأي البرلمان الأوروبي، لكنه في نفس الوقت يضع مصداقية التعامل الأوروبي على المحكّ. فكيف يمكن أن تراهن على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في ظلّ ممارسته لضغوطات على شركائه الاستراتيجيين، ومسّه بمؤسساتهم وسمعتها. فالقرار كان بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، وهو ما يتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية.
من جانب آخر، يعدّ قرار البرلمان الأوروبي منعطفا في العلاقات بين الطّرفين لما قد يحمله من تداعيات تتعلّق بمدى تفاعل الحكومات الأوروبية مع هذا القرار، خاصة وأن كل الاتفاقيات التي يوقعها الإتحاد الأوروبي مع دول ثالثة، تخضع لتصويت البرلمان الأوروبي.
وعموما هناك فصل واضح للسلط بين البرلمان الأوروبي الذي له كامل الحرية في تبنّي المواقف التي تناسب مصالحه، وبين المفوضية المكوّنة من الدول الأوروبية التي لها مصالح مهمة تتجاوز هذه الفترة المرحلية ممّا يستبعد تأثير هذا القرار على الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والإتحاد الأوروبي، خاصّة في ظل الأزمة التي يعيشها الإتحاد جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وكذا تراجع الهيمنة الأوروبية على القارة الإفريقية.
وما دور مجموعات الصّداقة المغربية الأوربية التي تشكلت منذ مدة في هذا الملف؟
من المعروف أن هذه اللجان تعمل على تعميق التّشاور والتباحث بين الجانبين المغربي والأوروبي، وسبق لها أن عقدت العديد من اللّقاءات الرامية إلى تعزيز ودعم مسلسل البناء الأورو- مغربي من خلال مقاربة ترمي إلى إرساء روابط متينة لتحفيز التّنمية المشتركة في العديد من المجالات.
وفي ظل مستجد قرار البرلمان الأوروبي فإنه يتعيّن مأسسة هذه اللجان وتفعيل أدوراها بشكل أكبر، فهي مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تكثيف جهودها ولقاءاتها بهدف مواصلة تعزيز الحوار الأورو- مغربي، وإيجاد حلول تشاورية للتحديات والتهديدات التي يواجهها الطرفان، لإعطاء دفعة جديدة لهاته العلاقات ومن أجل النّهوض بسياسة الجوار الأوروبي، مع الحرص على توضيح الحقائق للبرلمانيين الأوروبيين وتقريب وجهات النظر وتبادل الخبرات. وهو ما من شأنه تعزيز الشراكة وإيجاد حلول معقولة للقضايا العالقة.
وللإشارة، فإن اللجنة البرلمانية المشتركة التي أصرّ المغرب على تفعيل دورها تعمل على معالجة كل المواضيع المتعلقة بالمغرب والتحاد الأوروبي في إطار من الشفافية والتعاون المثمر، عكس المجموعات التي تضم برلمانيين أوروبيين مؤيدين لجبهة البوليساريو وتعمل دون أدنى مراقبة من البرلمان الأوروبي.
للتذكير فقط، قرار البرلمان الأوروبي ليس ملزما وليست له قيمة قانونية ملموسة ولا يتعدى أن يكون تعبيرا عن رأي البرلمان الأوروبي، لكنه في نفس الوقت يضع مصداقية التعامل الأوروبي على المحكّ. فكيف يمكن أن تراهن على الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في ظلّ ممارسته لضغوطات على شركائه الاستراتيجيين، ومسّه بمؤسساتهم وسمعتها. فالقرار كان بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، وهو ما يتنافى مع المواثيق والأعراف الدولية.
من جانب آخر، يعدّ قرار البرلمان الأوروبي منعطفا في العلاقات بين الطّرفين لما قد يحمله من تداعيات تتعلّق بمدى تفاعل الحكومات الأوروبية مع هذا القرار، خاصة وأن كل الاتفاقيات التي يوقعها الإتحاد الأوروبي مع دول ثالثة، تخضع لتصويت البرلمان الأوروبي.
وعموما هناك فصل واضح للسلط بين البرلمان الأوروبي الذي له كامل الحرية في تبنّي المواقف التي تناسب مصالحه، وبين المفوضية المكوّنة من الدول الأوروبية التي لها مصالح مهمة تتجاوز هذه الفترة المرحلية ممّا يستبعد تأثير هذا القرار على الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والإتحاد الأوروبي، خاصّة في ظل الأزمة التي يعيشها الإتحاد جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وكذا تراجع الهيمنة الأوروبية على القارة الإفريقية.
وما دور مجموعات الصّداقة المغربية الأوربية التي تشكلت منذ مدة في هذا الملف؟
من المعروف أن هذه اللجان تعمل على تعميق التّشاور والتباحث بين الجانبين المغربي والأوروبي، وسبق لها أن عقدت العديد من اللّقاءات الرامية إلى تعزيز ودعم مسلسل البناء الأورو- مغربي من خلال مقاربة ترمي إلى إرساء روابط متينة لتحفيز التّنمية المشتركة في العديد من المجالات.
وفي ظل مستجد قرار البرلمان الأوروبي فإنه يتعيّن مأسسة هذه اللجان وتفعيل أدوراها بشكل أكبر، فهي مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تكثيف جهودها ولقاءاتها بهدف مواصلة تعزيز الحوار الأورو- مغربي، وإيجاد حلول تشاورية للتحديات والتهديدات التي يواجهها الطرفان، لإعطاء دفعة جديدة لهاته العلاقات ومن أجل النّهوض بسياسة الجوار الأوروبي، مع الحرص على توضيح الحقائق للبرلمانيين الأوروبيين وتقريب وجهات النظر وتبادل الخبرات. وهو ما من شأنه تعزيز الشراكة وإيجاد حلول معقولة للقضايا العالقة.
وللإشارة، فإن اللجنة البرلمانية المشتركة التي أصرّ المغرب على تفعيل دورها تعمل على معالجة كل المواضيع المتعلقة بالمغرب والتحاد الأوروبي في إطار من الشفافية والتعاون المثمر، عكس المجموعات التي تضم برلمانيين أوروبيين مؤيدين لجبهة البوليساريو وتعمل دون أدنى مراقبة من البرلمان الأوروبي.
يتعرّض المغرب لابتزاز مستمر من قبل الإتحاد الأوروبي في عدد من المحطات، حيث النّفاق والازدواجية. فعلى مستوى الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي تصدر بلاغات الغزل، وعلى المستوى النيابي يصبّ الزيت على النار؟.
كما سلف الذكر، هناك فصل للسّلط بين البرلمان الأوروبي والمفوضية التي تعتبر بمثابة الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوروبي، إلا أنه يمكن اعتبار قرار البرلمان الأوروبي قرارا براغماتيا يهدف إلى خلق توازن في القرارات الصّادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي لإكسابه فرصا إضافية للتفاوض، وآلية من آليات الشدّ والجذب، خاصة بعد زيارة نائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل مؤخرا للمغرب والتي أكد فيها على الإرادة المشتركة للاتحاد الأوروبي وللمغرب لتعميق شراكتهما الإستراتيجية، والتزام الاتحاد بهذه الشراكة ورغبته في توسيعها وتعميقها والقيام بما هو ضروري للحفاظ على إطارها القانوني، نظرا للدور الهام الذي يضطلع به المغرب في الفضاء المتوسطي وفي تنفيذ الأجندة الجديدة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط.
وبغض النظر عما تضمنه قرار البرلمان الأوروبي، فمن المستبعد أن تتبنى المفوضية الأوروبية نفس الخطاب العدائي، خاصة وأن القرار يضع الاتحاد الأوروبي كله رهينة توجهات عدوانية تجاه شريك مهم واستراتيجي. والمغرب ينتظر رد فعل رئاسة الاتحاد الأوروبي، التي يطالبها القرار بالتّنفيذ وإحالة محتوياته على الطرف المغربي.
كما سلف الذكر، هناك فصل للسّلط بين البرلمان الأوروبي والمفوضية التي تعتبر بمثابة الجهاز التنفيذي للاتحاد الاوروبي، إلا أنه يمكن اعتبار قرار البرلمان الأوروبي قرارا براغماتيا يهدف إلى خلق توازن في القرارات الصّادرة عن مؤسسات الاتحاد الأوروبي لإكسابه فرصا إضافية للتفاوض، وآلية من آليات الشدّ والجذب، خاصة بعد زيارة نائب رئيس المفوضية الأوروبية جوزيب بوريل مؤخرا للمغرب والتي أكد فيها على الإرادة المشتركة للاتحاد الأوروبي وللمغرب لتعميق شراكتهما الإستراتيجية، والتزام الاتحاد بهذه الشراكة ورغبته في توسيعها وتعميقها والقيام بما هو ضروري للحفاظ على إطارها القانوني، نظرا للدور الهام الذي يضطلع به المغرب في الفضاء المتوسطي وفي تنفيذ الأجندة الجديدة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط.
وبغض النظر عما تضمنه قرار البرلمان الأوروبي، فمن المستبعد أن تتبنى المفوضية الأوروبية نفس الخطاب العدائي، خاصة وأن القرار يضع الاتحاد الأوروبي كله رهينة توجهات عدوانية تجاه شريك مهم واستراتيجي. والمغرب ينتظر رد فعل رئاسة الاتحاد الأوروبي، التي يطالبها القرار بالتّنفيذ وإحالة محتوياته على الطرف المغربي.