" بانتهاء الموسم الجامعي الحالي (2024/2025)، الذي تفصلنا عنه أسابيع قليلة، تكون جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء قد أقفلت الموسم الثاني على البدء في اعتماد مواضعات جديدة للتسجيل بسلك الدكتوراه. وكانت الجامعة، من خلال قطب الدراسات في الدكتوراه، قد شرعت في اعتماد هذه المواضعات في بداية الموسم الجامعي 2023/2024، في إطار تنفيذ ضوابط علمية وبيداغوجية جديدة لسلك الدكتوراه كانت قد أعدتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار في عهد الوزير السابق.
سأتوقف، هنا، عند واحدة من تلك المواضعات؛ وهي التي تتعلق بإلزام الأساتذة الذين يحق لهم الإشراف على بحوث الدكتوراه بوضع عناوين المواضيع التي يقترحون تأطيرها والإشراف على إنجازها، وليس المحاور كما كان معمولا به من قبل. وهو ما تسبب في مجموعة من المشاكل العلمية والبيداغوجية والتدبيرية، سواء لهياكل البحث التي تساهم في تكوينات سلك الدكتوراه، أو للأساتذة المنتسبين لتلك الهياكل، أو للمترشحين لولوج سلك الدكتوراه.
وقبل ذلك، أريد أن أشير إلى أن جامعة الحسن الثاني شرعت في تنفيذ الضوابط المشار إليها قبل صدورها رسميا من طرف الوزارة، وقبل نشرها بالجريدة الرسمية. فقد سارعت إلى تنفيذها في بداية شتنبر 2023، بينما لم يصدر "قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار رقم 1886.23 بالمصادقة على دفتر الضوابط العلمية والبيداغوجية الوطنية لسلك الدكتوراه" إلا بعد حوالي عام على ذلك، وبالضبط بتاريخ فاتح أغسطس 2024، ونُشِر بالجريدة الرسمية بتاريخ 14 أكتوبر 2024. (انظر الجريدة الرسمية، عدد 7343- 10 ربيع الآخر 1446 (14 أكتوبر 2024)، ص. ص. 7079 - 7104).
وكان قبل ذلك قد جرى تعميم وثيقة تحمل "لوغو" الوزارة بعنوان (دفتر الضوابط العلمية والبيداغوجية الوطنية لسلك الدكتوراه)، تعلوه عبارة (المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار- PACTE ESRI 2030)، وتسفله عبارة (نسخة مصادق عليها من طرف اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي في انتظار صدورها بالجريدة الرسمية). لكن القرار الذي سيصدر بعد ذلك عن الوزير، والذي سيُنْشَر بالجريدة الرسمية، لم يكن متطابقا بشكل كامل مع هذه الوثيقة التي يبدو أنه جرى الاعتماد عليها في الدفع نحو "تسريع هذا التحول" من لدن جامعة الحسن الثاني.
سارعت، إذن، جامعة الحسن الثاني، عند انطلاق الموسم الجامعي 2023/2024، إلى إلزام الأساتذة بوضع العناوين وليس المحاور. فيما اختارت جامعات أخرى التريث وعدم التسرع، بحسب ما علمتُ في حينه، وأبقت على ما كان يتم العمل به، بعرض المحاور من المختبرات واقتراح المواضيع من المترشحين.
لقد كان الأساتذة يقترحون، في إطار مختبراتهم، محاور للبحث (وليس عناوين للمواضيع) تندرج في الحقول المعرفية والتخصصات العلمية لهياكل البحث التي ينتسبون إليها. وبعد نشر قائمة بالمحاور المقترحة، يتقدم المترشحون لولوج سلك الدكتوراه باقتراح مواضيع تنسجم مع تخصصاتهم، وتندرج ضمن تلك المحاور التي اقترحها الأساتذة.
فالمترشح الذي قضى خمس سنوات على الأقل في سلكي الإجازة والماستر (ثلاث سنوات في الإجازة وسنتان في الماستر)، واكتسب معارف خلال هذه السنوات، وراكم معرفة علمية من خلال الدروس والقراءة والبحث، وأراد أن يواصل تكوينه الجامعي في إطار سلك الدكتوراه، يُفترَض أن يكون قد فكر في مشروعه البحثي الذي يريد أن يُتَوِّجَ به مسار تكوينه الجامعي وينجزه في إطار أطروحة جامعية. وبالتالي، يكون بإمكانه أن يقترح موضوعا، لا أن يكتفي بالتأشير على عنوان وضعه أحد أساتذة المختبر على المنصة، ليتقدم أمام لجنة الانتقاء بعد أيام قليلة من وضع العناوين، إذا كان ضمن المنتقين المدعوين إلى المقابلة، حيث يُطلب منه أن يقدم تقريرا يدافع فيه عن موضوع، بل عن عنوان ليس هو من اختاره أو فكر فيه أو انشغل به أو تهيأ له بما يكفي.
إن هذا الإجراء يضع المترشح للتسجيل في سلك الدكتوراه خارج المعادلة، ويفرض عليه أن يكون سلبيا، ويُجبره على أن يبحث في موضوع الأستاذ، وليس في موضوعه هو. إن المترشح، وفقا لهذه المواضعات، ملزم باختيار أحد العناوين المقترحة من الأساتذة إن هو أراد أن يلج سلك الدكتوراه. وبهذا المعنى، سيُفرَض عليه، حتى قبل إجراء المقابلة مع لجنة الانتقاء، عنوانٌ بشكل قبلي، بينما العناوين التي تُسَجَّل بها بحوث الدكتوراه تكون في غالب الأحيان نتيجة للنقاش الذي يُجريه المترشح مع لجنة الانتقاء خلال المقابلة.
إن بحث أطروحة الدكتوراه هو بحث الطالب، الذي قد يكون فكر فيه وانشغل به منذ تكوين الماستر أو قبله، وليس بحث الأستاذ الذي سيتولى الإشراف عليه. فإذا كان الأستاذ المشرف يقوم بمهمة تأطير الطالب والإشراف على بحثه، من خلال التوجيهات العلمية والمنهجية التي يقدمها إليه؛ يوجهه في تدقيق الموضوع، وفي تحديد الإطار النظري الملائم، وفي نجاعة هذا المنهج أو ذاك، ويرافقه في إنجاز البحث، فيتتبع خطواتِه ومراحلَه، ويفحص ما ينجزه لتقديم الملاحظات والتوجيهات التي من شأنها أن تحقق معايير الجودة المطلوبة في إنجاز بحث علمي، فإنه، رغم ذلك، لا يقوم مقام الطالب في إنجاز البحث، وإنما الطالب هو من يُنجز بحثه، بدءا من الخطوة الأولى المتمثلة في التفكير في الموضوع وتحديده.
ولذلك، كان الإجراء المعمول به هو أن يتقدم المترشح باقتراح موضوع يندرج ضمن أحد المحاور التي تقترحها هياكل البحث المحتضنة للطلبة (المختبرات)، ويُعِدُّ مشروعا بشأنه، ويدافع عنه وعن جدوى البحث في الموضوع الذي يقترحه خلال المقابلة مع لجنة الانتقاء. فالشرط المطلوب، في هذا الخصوص، بالإضافة إلى شروط ومعايير أخرى (مثل تلك المحددة في الضابطة 5 الخاصة بـ"كيفيات الولوج والتسجيل بسلك الدكتوراه")، هو أن يندرج موضوع البحث الذي يقترحه المترشح في المحاور التي تقترحها المختبرات، ويتوافق مع الحقل المعرفي الذي تنتسب إليه، ومع المشاريع العلمية التي تبحث فيها، ويندرج في إطار التخصص العلمي للأستاذ الذي سيشرف على البحث.
ولأن المترشح الذي يرغب في التسجيل في سلك الدكتوراه يكون على علم بخريطة المختبرات المُوَطَّنة في الكليات، وبالحقول المعرفية التي تنتسب إليها والتخصصات العلمية التي تعمل فيها والمواضيع التي تبحث فيها، فإنه سيتقدم باقتراح موضوع بحثه إلى المختبر الذي يتوافق تَخصُّصُه مع ما يريد أن يبحث فيه.
ولذلك، فإن الإجراء الأنجع، والذي لن يتعارض مع الأهداف العلمية والبيداغوجية من إحداث سلك الدكتوراه، هو أن تَعْرِض المختبرات محاور يُطلب من المترشحين اقتراحُ مواضيع للبحث تندرج فيها، لا أن تَعْرِض عناوين، كما ظل يصر على ذلك قطب الدراسات في الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني، منذ الموسم الجامعي 2023/2024، بدعوى تنفيذه الحرفي لما ينص عليه "دفتر الضوابط العلمية والبيداغوجية الوطنية لسلك الدكتوراه".
وحتى إذا عدنا إلى هذا الدفتر، الذي يستند إليه القطب في فرض اقتراح العناوين على الأساتذة، فإننا لا نجده يتحدث عن العناوين، وإنما عن المواضيع، كما هو واضح في الضابطة 4 من الدفتر المعنونة بـ"قائمة مواضيع البحث المقترحة للتسجيل"، التي جاء في فقرتها الأولى: "يعرض القطب [قطب الدراسات في الدكتوراه] قائمة مواضيع البحث التي سيتم التباري في شأنها من أجل تسجيل الطلبة، والمقترحة من مدير المركز ومسؤولي هياكل البحث التي تساهم في تكوينات سلك الدكتوراه". ومعلوم أن العنوان ليس هو الموضوع.
هذه فقط واحدة من المشكلات التي ترتبت عن هذا "الجديد" الخاص بالتسجيل في تكوين سلك الدكتوراه، والتي واجهها الأساتذة وهياكل البحث في الموسمين المنصرمين. وهناك مشكلات أخرى لها آثار على وظيفة المختبرات في التأطير وعلى مهام الأساتذة في الإشراف.
ويبدو أن واضعي هذه المواضعات الجديدة أو المتحمسين لتنفيذها بالصيغة المذكورة لم يفكروا في الاحتمالات الممكنة التي قد تحرم عددا كبيرا من الراغبين في ولوج سلك الدكتوراه من الترشح إليه، بسبب العناوين المقترحة التي قد لا تندرج في ما يريدون البحث فيه، وقد تُعَطِّل عمل المختبرات في تأطير الدكتوراه في حالة ما إذا لم يختر أي مترشح العناوين المقترحة، وقد تمنع عددا من الأساتذة الذين يحق لهم الإشراف قانونا من الإشراف على بحوث الدكتوراه، وقد تعرض مجهودهم الفكري للسطو... إلخ.
وهذه بعض الأسئلة التي تشير إلى احتمالات يمكن توقع حدوثها، مع العلم أن بعضها انتقل من التوقع إلى التحقق:
أ. ماذا لو اختار كل (أو جل) المترشحين عناوين لنفس الأستاذ؟ هل سيكون هو الوحيد من بين زملائه في المختبر الذي سيشرف على بحوث الدكتوراه؟ وهل سنعطل باقي الأساتذة عن القيام بمهام التأطير العلمي؟!
ب. وماذا لو اختار كل (أو جل) المترشحين عنوانا واحدا من العناوين المقترحة؟ هل سيتنافسون جميعهم على عنوان واحد؟ وهل سنختار في النهاية مترشحا واحدا هو الذي سيُسَجَّل؟ ويكون نصيب تكوين المختبر بالتالي طالبا واحدا أم سنسجل جميع المترشحين المؤهلين في عنوان واحد؟!
ج. ثم ما مصير العناوين الأخرى المقترحة التي لم يخترها أي طالب؟ أليس في هذا تبخيس لجهد الأستاذ الذي فكر في عدد من المواضيع ووضع لها عناوين، وفي النهاية ستبقى معلقة؟!
د. وبما أن العناوين توضع على منصة مفتوحة في وجه العموم، ألا تكون بذلك عرضة للسطو عليها والتسجيل بها في مؤسسات أخرى؟ ألا يتعلق الأمر بـ"ملكية فكرية" خاصة بالأستاذ الذي يكون قد اشتغل كثيرا، وقضى وقتا غير يسير في البحث والتفكير في المواضيع واقتراح عناوين لها، وبعد ذلك قد يجد موضوعَه مسجلا في مكان آخر وباسم مشرف آخر؟!
إن تجربة موسمين جامعيين من تطبيق مواضعات جديدة للتسجيل بسلك الدكتوراه، كما جرت في جامعة الحسن الثاني، كانت كفيلة بالكشف عن عيوب الكيفية التي تم بها تنفيذ "الضابطة 4" الخاصة بـ"مواضيع البحث المقترحة للتسجيل". وهو التنفيذ التي قد يترتب عنه واقعيا محو تكوينات الدكتوراه في مؤسساتنا الجامعية (وأنا هنا أتحدث من داخل مؤسسات العلوم الإنسانية والاجتماعية) وفي التخصصات والحقول المعرفية التي تتولى تدريسها وتأطير الأبحاث فيها. وهو ما سيزيد من ضعف أعداد طلبة الدكتوراه، الذي يشكل أحد إكراهات وتحديات منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، كما جاء في عرض وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، يوم الأربعاء 7 ماي 2025.
ولذلك، نرى أنه يجب إعادة النظر في ذلك التنفيذ المعيب، وتصحيح ما يمكن تصحيحه من ضوابط، في إطار المراجعة المرتقبة لدفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية، التي أعلن عنها وزير التعليم العالي في عرضه المشار إليه، سواء ما تعلق بضوابط شروط ولوج سلك الدكتوراه، أو بضوابط أخرى تحتاج إلى مراجعة وإعادة ضبط، حتى تراعي بالفعل ضوابط البحث العلمي المتعارف عليها. ويتعين تدارك الأمر في الدخول الجامعي القادم، بالعودة إلى اقتراح المحاور وليس العناوين".
وفي الأخير، وما دام وزير التعليم العالي قد أعلن عن مراجعة دفاتر الضوابط البيداغوجية في عرضه المشار إليه، فلا بد من التذكير بأن أية مراجعة لا يمكن أن يُكتَب لها النجاح بعد اعتمادها، إلا إذا كانت مُقْنِعَة للمعنيين بتنزيلها على أرض الواقع. وفي مقدمتهم الأساتذة الباحثون الذين ينهضون بمهام علمية وبيداغوجية بمختلف الأسلاك الجامعية. وهذا لن يتحقق دون حوار فعلي وحقيقي يشارك فيه جميع الأساتذة، على صعيد المؤسسات الجامعية وعلى صعيد الجامعة.