الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

على رأسها ألمانيا والتشيك وفرنسا.. كم تخسر دول الاتحاد الأوربي بسبب فساد مسؤوليها؟

على رأسها ألمانيا والتشيك وفرنسا.. كم تخسر دول الاتحاد الأوربي  بسبب فساد مسؤوليها؟ اندريه بابيس يتوسط بيير سلال (يمينا) وبيرنار كازانوف (يسارا)
كشفت فضيحة سجن نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي في بروكسيل في إطار تحقيق يجريه قاض بلجيكي بشأن مبالغ كبيرة قد تكون دفعتها قطر ، حسب مزاعم إعلامية، للتأثير في قرارات داخل هذه المؤسسة الأوروبية الرئيسية، إضافة الى ثلاثة أشخاص آخرين عن الجانب المظلم فيما يتعلق بفضائح الفساد والرشوة بالغرب، حيث تظل البلدان الأوروبية هي المنبت الأساسي بحسب عدد من المراقبين فيما يتعلق بفضائح إرشاء الأنظمة وارشاء المسؤولين والمنظمات والإعلاميين والشخصيات المؤثرة من أجل توجيه الرأي العام الدولي أو من أجل الضغط لانتزاع مكاسب سياسية أو اقتصادية حتى ولو اقتضى الأمر انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها الداخلية، حيث لا تعوزنا الكثير من الأدلة والبراهين وتقارير العديد من الهيئات الدولية المعنية بمكافحة الفساد والرشوة التي ظلت راسخة لدى عدد من المراقبين والتي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن حديث هؤلاء عن التصدي للفساد والرشوة مجرد شعار خلافا لما قد يعتقده الكثيرون. ويكفي أن نستحضر تقرير هيئة مكافحة الفساد التابعة لمجلس أوروبا والصادر في غشت 2019، وهو التقرير الذي صنف 12 دولة على أساس كونها غير ممتثلة فيما يتعلق بمكافحة الفساد وضمنها فرنسا وألمانيا.

كما تحيلنا فضيحة البرلمانية الأوروبية على تحقيق خطير كانت قد نشرته منظمة الشفافية الدولية المنشور في يناير 2017 وهو التحقيق الذي دعا السلطات المختصة في بعض البلدان الأوروبية إلى إلقاء الضوء الكامل واتخاذ التدابير المناسبة ضد صناع القرار العام والبنوك والشركات المتورطة في نطاق واسع فيما يتعلق بقضية استغلال النفوذ التي يُزعم أنها خدمت مصالح كبار المسؤولين في أذربيجان، حيث كشف التحقيق عن وجود نظام معقد وغامض لغسيل الأموال الأذربيجانية، ويتواجد في قلب هذه الشبكة المالية غير المشروعة الواسعة بنك دانماركي كبير وفرعه بإستونيا وأربع شركات وهمية في المملكة المتحدة ، وكذلك أفراد وشركات يُزعم أنهم استفادوا من مدفوعات مالية مصدرها دولة أذربيجان، ومن صفقات تفوق 16000 صفقة ، بقيمة إجمالية 2.9 مليار دولار واستخدمت للتأثير على أنشطة وتصويت كبار المسؤولين العموميين ، بما في ذلك أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا من أجل تزكية ديمقراطية الواجهة في أذربيجان وغض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في هذا البلد .

ووفق مصادر حقوقية بأوروبا، فإن الفساد تزايدت نسبته خلال فترة الجائحة ببلدان الإتحاد الأوروبي، حيث أشار الى أن  نسبة 6٪ من الأوروبيين قالوا إنهم دفعوا رشوة للحصول على الرعاية الطبية، والى كون  30٪ كانوا ينوون استخدام علاقاتهم الشخصية للحصول على امتياز الوصول الى الخدمات الصحية .

واذا استبعدنا فترة الوباء جانبا، فإن مسحا آخر للباروميتر الأوروبي صدر عام 2017، أشار الى أن 68 ٪ من الأوروبيين يعتبرون الفساد منتشرًا في بلادهم مع تنوع كبير في المواقف: وفقًا لمؤشر إدراك الفساد الذي أنشأته منظمة الشفافية الدولية في عام 2020 فإن بعض الفئات بكل من الدنمارك ، فنلندا ، السويد، المجر وبلغاريا ورومانيا وقبرص وإيطاليا واليونان ومالطا وسلوفاكيا توجد في وضع مقلق، لدرجة أن الصحفيين دفعوا ثمنا لتحقيقاتهم حول الفساد في البلدين الأخيرين .

وفيما يتعلق بآثار الفساد، فوفقا لتقرير سابق للبرلمان الأوروبي ( 2016 ) فيمثل الفساد ما قيمته 1000 مليار يورو ، أو 6.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي بأوربا، وعلى الأقل 180 مليار فيما يتعلق بالآثار المباشرة للفساد
وبالإضافة إلى هذه التكلفة المالية ، يؤدي الفساد إلى تشويه المنافسة داخل السوق الموحدة ويعزز تغلغل الجماعات الإجرامية في الدوائر الاقتصادية. سياسياً، يقوض الثقة في الأداء السليم للمؤسسات العامة ويشكل هجوماً على سيادة القانون وبالتالي يشكل تهديداً للديمقراطية، ولعل هذا ما يفسر العقوبات التي تتعرض لها الشركات الأوروبية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية .

وإذا تابعنا استنتاجات التقرير الذي نشر في نوفمبر 2020 من قبل نادي الحقوقيين ، وهو مختبر للأفكار يرأسه برنارد كاسينوف ، رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ، فإن عمل الاتحاد لا يرقى إلى مستوى المهمة، إنه يتعثر فيما يتعلق بتوحيد التشريعات في أوروبا ، ولا سيما منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية, كما أن متابعته لمكافحة الفساد محدودة، وهذا ما قاد بيير سلال ، الممثل الدائم السابق لفرنسا لدى الاتحاد الأوروبي ، إلى القول إن الاتحاد ، على الرغم من اختصاصه في هذا الشأن ، ليس لديه سياسة شاملة ومنسقة ومتماسكة لمكافحة الفساد.

نفس المعطى توقفت عنده مجموعة الخضر في تقريرها المنشور في دجنبر 2018، حيث أشار  أن نحو 904 مليار يورو تتلاشى كل عام في الاتحاد الأوروبي بسبب الفساد، وهو المبلغ الضخم الذي من شأن رصده القضاء على الجوع في العالم ، ومكافحة الملاريا ، وتوفير التعليم الأساسي وتغطية الرعاية الصحية في 46 دولة نامية ، وضمان الوصول إلى مياه الشرب والكهرباء، ومع هذا كله يمكن توفير مبلغ 360 مليار يورو !
في حالة جمهورية التشيك ، تقدر تكلفة الفساد بأكثر من 26.7 مليار يورو سنويًا، حيث تظل فضيحة فساد رئيس الوزراء أندريه بابيس الأشهر على الإطلاق في هذا البلد، حيث كانت موضوع نقاش عمومي ساخن.

ووفق تقرير مجموعة الخضر، فإنه إذا تم إعادة توزيع الأموال المتأتية من الفساد على المستوى الأوروبي على الأشخاص الذين يعيشون هناك ، فإن التقرير يقدر أن كل فرد سيحصل على ما معدله 1772 يورو سنويًا.

هذا الوضع المقلق جراء تفشي الفساد في بلدان الاتحاد الأوروبي، جعل العديد من الفعاليات السياسية والحقوقية تطالب بمراجعة تدابير مكافحة الفساد داخل الدول الأعضاء، وزيادة تمويل الأنشطة المخصصة لمكافحة الفساد، وتعزيز دور هيئة مكافحة الاحتيال في الاتحاد الأوروبي ودور مكتب المدعي العام الأوروبي الى جانب حماية المبلغين عن المخالفات والصحفيين والمنظمات غير الحكومية، واعتماد شفافية أكثر صرامة على الطريقة التي يتم بها تخصيص وإنفاق الأموال الأوروبية .