السبت 20 إبريل 2024
سياسة

لماذا طأطأ ماكرون الرأس وهرول للمصالحة مع المغرب؟!

لماذا طأطأ ماكرون الرأس وهرول للمصالحة مع المغرب؟! الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي ماكرون إلى جانب العناصر الوطنية للمنتخب المغربي
في غمرة انتشاء المغاربة بالبهاء الذي اكتسبته صورة المغرب عالميا بفضل الأداء الرفيع لأسود الأطلس في مونديال قطر، وما رافق ذاك الإشعاع من التفاف إفريقي وعربي وإسلامي حول المغرب، حتى خرجت الدولة العميقة بفرنسا من الرماد، تخطب ود المغرب.
الروائي عبد الالاه حبيبي، والمختص في علم النفس والتربية، التقط الخبايا الخفية لهرولة الرئيس الفرنسي ماكرون لطي صفحة الخلاف مع المغرب. وهو الالتقاط الذي تنشره
"أنفاس بريس":
 ليس هناك أدني شك في حضور الهاجس التجاري والمالي في مباريات كرة القدم وخاصة تلك التي تستقطب ملايين المشاهدين والمتابعين وما يفرضه هذا الواقع من استثمارات ورهانات ومراهنات يشتغل عليها وينشغل بها كل أولئك الذين لهم يد دسمة في ملأ خزائن الفيفا مالا وذهبا... من هنا لاداعي للبحث عن الأخلاق أو الضمائر الأخلاقية في هكذا تجمعات، حتى القيم الإنسانية التي تزين بها الخطابات المؤطرة للمنافسات الرياضية هي مجرد واجهة للاستهلاك ليس إلا... في كرة القدم هناك أقدام كثير تهرول لجني الثمار وتخزينها لإعادة استثمارها في مناسبات قادمة.. 
واهِمُ أيضا من يرى في كرة القدم فرصا ثمينة لتسويات خلافات سياسية أو عقد صفقات لخلق وضع سياسي جديد من خلال لقاءات في الكواليس بين الرياضيين والسياسيين، هذا فعل مستبعد لأنه معرض للفضح عبر وسائل الإعلام وحتى المعنيين بالموضوع مباشرة من مسؤولين رياضيين ولاعبين وغيرهم. قد يفشون الأسرار السياسية لأنهم ليسوا محترفي سياسة..  لكن قد نجد في الكولسة الرياضية فرقا تتفاوض على أشياء لها علاقة بالكرة مباشرة كأن يطلب فريق من فريق منهزم ترك الفرصة للفريق الصاعد دون السعي لعرقلة صعوده، وهذا أمر عادي في منافسات الفرق والمفاوضات التي تصاحبها لحل بعض الخلافات قصد تخطي العراقيل والحصول على موقع أعلى من خلال ترتيب ذلك مع فرقة ليست لها حظوظ كبيرة في الفوز ومحكوم عليها بالخروج... لكن حل مشاكل الصراعات الكبرى  بين الدول يتطلب آليات أخري قد تكون الكرة وسيلة فقط لعقد لقاءات سرية  بين زعماء بدعوى حضور المنافسات ولكن لن تكون بدائل للحصول على مكاسب سياسية ...
ما حصل مع ماكرون ليس لها علاقة بالتأهيل أو الإقصاء حتى ولو كان هذا الهاجس حاضرا لدى الرئيس. هرولة فرنسا بتلك السرعة الفائقة نحو لقاء المسؤولين المغاربة كانت له دوافع أخرى، طبعا مرتبطة بالمونديال ولكن غير مرتبطة بالمنتخب من حيث صعوده أو إقصائه..الرهان الخطير الذي أزعج فرنسا وغيرها من دول الجوار شمالا أو جنوبا هو أن المونديال حشر المغرب في مربع ذهبي، واستطاع أن يعبئ بفريقه الوطني كل القارة الأفريقية، وكل شعوب العالم العربي المنكوبة، وحتى الكثير من الشعوب الإسلامية المبعثرة.. يعني أن المغرب أصبح مؤطرا ومؤثرا وقائدا لحراك عالمي خطير جدا...
في خضم هذا التحول الهائل في موقع المغرب عالميا، لا يمكن ان يتخلف المعنيون عن الاستفادة من هذا الوضع وذلك بالسعي لاسترجاع الدور والمكانة السياسية التي كان يحظى بها لدى البلد الذي أصبح  الآن نارا على جبل... لقد اخترق المغرب المنظومات الغربية الساهرة على تقييم ادأدوار الدول ووزنها السياسي في قلوب الشعوب والجماعات السياسية التي تؤطرها، وظهر في صورة قوة سياسية إقليمية وقارية ذات شأن لا يستهان به  بحكم أنها صنعت الاستثناء في الاقتصاد والرياضة وأشياء أخرى، بمعنى أن المغرب تغير فعلا... لهذا جاءت فرنسا مسرعة لتسترجع الدور وترسخ الحضور، وسرعان ما تبعتها موريتانيا ودول أخرى من الجوار... لقد تضامن العالم الإسلامي مع المغرب، وانتفضت فلسطين لصالح المغرب، وصدح العراقيون يطلبون حل مشكلة الفيزا لدخول المغرب، وهلل المصريون طوال المنافسات رافعين شعارات جد ملتهبة، كما دخل على الخط الخطاب الإسلامي المتجذر الذي أراد أن يحول اللقاء مع فرنسا إلى فرصة لتصفية الحساب مع ماكرون، ولقد وجد هذا الأخير نفسه وسط جمهور يردد ما كانت ترغب فيه هذه الجماعات التي باركت نجاح وتألق المنتخب المغربي وحاولت أن تجد موطئ قدم في هذا الفوز الذي ربطته بالغيب وأمور كثيرة...
فرنسا عادت مطأطئة الرأس لأنها التقطت بسرعة الحدث وأثارها الصعود المبهر للقيم السياسية المغربية في بورصة  الرهانات العالمية. والفضل الكبير طبعا  يعود لهذا المنتخب الوطني المجاهد التي خلق بالفعل الحدث غير المتوقع وصنع الملحمة ونسج اللحمة المفقودة بين الشعوب المستضعفة ووضع الغرب في مربع الاتهام... من هنا بدأت قصة السياسة الجديدة للمغرب وأصدقائه لقدامى ولن يجني من ذلك بلدنا سوى مكاسب سياسية واقتصادية الكبرى...