السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

عبدالسلام بنعبد العالي مفكر شق دربا فريدا وفتح للفلسفة بابا على حياة الناس (2/2)

عبدالسلام بنعبد العالي مفكر شق دربا فريدا وفتح للفلسفة بابا على حياة الناس (2/2) المفكر المغربي الدكتور عبد السلام بنعبد العالي
بغير قليل من العمق والتفصيل، أتاحت الحلقة الاخيرة من البرنامج الثقافي"مدارات"،  للاعلامي عبد الاله التهاني بالاذاعة الوطنية من الرباط،  أتاحت الفرصة لاضاءة  مساحات واسعة من  المسار العلمي  للمفكر المغربي الدكتور عبد السلام بنعبد العالي، الذي جرى تكريمه مؤخرا في موسم أصيلة الثقافي الدولي.
 
 الدكتور محمد الحيرش وسمات التأويل الفلسفي عند عبدالسلام بنعبدالعالي : 
وبدوره تحدث الدكتور محمد الحيرش، الباحث الأكاديمي المتخصص في اللسانيات والتأويليات، عن سمات التأويل الفلسفي عند المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي، معتبرا أن " منجزه العلمي يتيح للمشتغلين به ، أن يقاربوه من زوايا متعددة ومن مداخل متعددة، الذي يشتغل باللسانيات يمكن أن يجد فيه قضايا إنسانية يهتم بها، أو قضايا سيميولوجية أوأدبية، وذلك بحسب موقع النظر الذي ينطلق منه قارئ هذا المنجز " .
وأوضح الدكتور محمد الحيرش أنه " بالإمكان أن نجد محاور الاهتمام التي اشتغل بها الأستاذ بنعبد العالي، وهي كثيرة وغنية. وأن من أبرزها اشتغاله بالتأويل، أي تأويل التراث، وتأويل العلامات السيميولوجية، وتأويل التعامل مع الترجمة ، بما هي تأويل، التصورات التأويلية الكبرى في الفلسفة المعاصرة، المتصلة إما بالفيلسوف نيتش
 أو بهاديجر، أو بجاك ديريدا أو بغيرهم".
وأضاف يقول "  بأن هناك نظاما تاويا في منجز الأستاذ بنعبد العالي، وهو ليس نظاما مغلقا
 أو نظاما مسكوكا، وإنما نظاما منفتحا " .
 
تأويلية فلسفية بملامح ومميزات خاصة : 
وأبرز ذات المتحدث" أن إعادة توزيع هذا الجانب من الاهتمام، يسمح له كمشتغل بالتأويليات بالقول،  بأن في منجز الأستاذ بنعبد العالي من المقومات ومن الإمكانات القرائية، ما يجعلنا وجها لوجه أمام تأويلية فلسفية،  بمميزات وملامح خاصة ، قد تختلف إلى حد ما عن هايديجر، وعن ديريدا ، على الرغم من أنه يتفاعل معهم ويستوحي الكثير من اقتراحاتهم ومن آليات تفكيرهم" .
وفي معرض حديثه، اعتبر الدكتور محمد الحيرش، بأن
 "هذه التأويلية تتميز بطابعها المراسي، فهناك وعي نظري في هذه التأويلية، ولكن الغالب فيها  أنها ذات طبيعة إجرائية مراسية" مبرزا أنه بالرجوع إلى كتابه نجد الأستاذ بنعبد العالي نجده يمارس تحليلا معينا على الظواهر والإشكالات ، التي يشتغل عليها.
وأضاف الباحث المغربي محمد الحيرش يقول ، بأن الاستاذ بنعبدالعالي،  "حين يشتغل بالحياة اليومية، فإنه ينفد إلى الظواهر التي يشتغل بها في هذه الحياة، ويعيد التفكير فيها ، بما يجعلنا نحن الذين نعيش هذه الظواهر، نندهش من القضايا والجوانب والأبعاد ،  التي يكتشفها في هذه الظواهر" . 
وخلص نفس المتحدث إلى أن
 "عمل بنعبد العالي هو عمل تحليلي ، يقوم على الممارسة أكثر مما يقوم على التنظير، ولهذا  لا نعثر في كتاباته على أطروحة تأويلية، لانه ليست له أطروحة تأويلية أو أطروحة فلسفية يدافع عنها، فهو يفسح أمامنا إمكانات لتأويل الظواهر والقضايا ، سواء في ارتباطها بتراثنا، وبموروثنا التأويلي والفلسفي القديم، أو في ارتباطها بالأدب وبالترجمة، وبالجوانب المتصلة بعلامات الحياة اليومية".
وشدد الباحث محمد الحيرش أنه ينبغي رد الاعتبار  إلى هذا البعد التأويلي،  الذي يحضر بقوة وبمساحة واسعة في كتابات الاستاذ بنعبدالعالي .
واستطرد مدافعا عن تأويلية بنعبد العالي ، التي يعتبرها منافسة للتأويليات الأخرى، مشيراة إلى أن هناك مشاريع في المشرق وفي المغرب العربي،  اقترحت بعض التصورات التأويلية، ولكن بالسنبة له فإننا  "إذا وضعنا مقترخ الأستاذ بنعبد العالي في هذه التأويلية إلى جانب المقترحات الأخرى، سنجد أن مقترحه  له من السمات ما يجعله يتسم بمميزات وبملامح،  تجعله منجزا تأويليا حقيقيا". 

■  الدكتور نبيل فازيو: بنعبد العالي جعل الفلسفة متداولة بين القراء كالخبز : 
ومن جهته ، وخلال نفس الحلقة من البرنامح الاذاعي " مدارات"، تدخلة  الدكتور نبيل فازيو ، المتخصص في الفلسفة السياسية والدراسات الإستشراقية، متحدثا عن مسألة تفكيك الفكر الفلسفي المعاصر ، عند الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي، مبرزا " أنه يعتبر 
رموز الفكر الفلسفي المغربي والعربي المعاصر، وأنه عرف أولا بدراسته العميقة والجادة في مجال الفلسفة المعاصرة،  وفي محاورة رموز ومتون الفلسفة الغربية المعاصرة".
 وشدد ذات المتحدث " أن بنعبد العالي ، استطاع أن يشق لنفسه دربا فريدا ، في الممارسة الفلسفية عندنا في المغرب، أولا على مستوى طريقته في التأليف، كونه مارس الكتابة بالطريقة الشذرية، وثانيا على مستوى التيمات التي اختار الكتابة فيها، مما جعله  متفردا في ذلك عن أترابه ، من الباحثين المغاربة في هذا المجال" .
وأوضح  الباحث نبيل فازيو ، بأن بنعبد العالي " انطلق من دراسة الفلسفة الإسلامية ، وتلقى تكوينه الرصين في مجال التراث الإسلامي الفلسفي ، وأنجز بحثه الجامعي الأول عن الفارابي ، حيث إنه لم يلتزم بالرؤيا التقليدية والتراثية للفلسفة الإسلامية،  وإنما حاول أن ينهل من المناهج التفكيكية الجديدة المعاصرة، وطبقها على هذا التراث" 
وتأسيسا على ذلك ، يرى الدكتور نبيل فازيو ، أن "  قراءته للفارابي هي عبارة عن تطبيق لما كان يسميه فيما بعد منطق الإنفصال، حيث  طبقه على الفارابي ، وحاول أن يقرأ الفارابي في سياقه التاريخي والثقافي،  دون أن يسقط عليه رهانات معاصرة لا تمت له بأية صلة" .
وفي موضع آخر من مداخلته في برنامج " مدارات "  بالاذاعة الوطنية ، تحدث الباحث نبيل فازيو عن مسألة أخرى مرتبطة بوظيفة الفكر الفلسفي عند الاستاذ بنعبد العالي، حيث اعتبر أنها هذه الوظيفة " ليست  مسألة جهوية ، لها خصوصية تنتمي لهذه الثقافة أو تلك، وإنما هي مسألة كونية ، لان الفلسفة حسب بنعبد العالي،  ينبغي أن تكون كونية أو لا تكون" 
لاحظ الأستاذ نبيل فازيو، بأن هذا الرجل " قد خاض حوارا مع رموز الفكر المعاصر، منذ ماركس وهيكل ونيتش وهايديجر وديريدا ، هؤلاء يحاورهم دون عقدة نقص، يحاورهم على أساس أنه ينتمي إلى إشكالياتهم،  وأنهم ينتمون إلى أفقه الفكري والفلسفي".
 
فكر ضد الانغلاق الهوياتي : 
وسجل نبيل فازيو أن الاستاذ بنعبد العالي، "طبق منهج التفكيك ، أولا عندما جعل من الكتابة كنمط تفكير وتعبير عن المجال الذي يتحرك فيه، ثم انفتح على الهوامش، على الأدب وعلى الثقافة الشعبية، ثم  جعل من ممارسة الترجمة ، أداة للحوار مع الفكر الغربي، ولكن أيضا لتأصيل الذات وبناء الذات المفكرة عندنا ،  داخل الثقافة العربية والمغربية" ، واصفا بنعبد العالي ،  بأنه فيلسوف ":يتبرم من كل أشكال الإنغلاق الهوياتي، من كل أشكال التشرنق على الذات، وأنه  يمارس الفلسفة بطريقته الخاصة، والأهم من ذلك أنه في كتاباته الأخيرة ، حاول أن يجعل الفلسفة في متناول الجميع، منتشرة بأسلوبه الرشيق والبسيط".
وفي ختام شهادته ، استحضر نبيل فازيو ما قاله الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن الشاعر الكبير نزار قباني، بأنه "جعل الشعر متداولا بين الناس كالخبز ".
واعتبر الباحث نبيل فازيو" بأن عبد السلام بنعبد العالي بدوره ،  جعل الفلسفة متداولة بين الناس بهذه  الطريقة كذلك".