Saturday 21 June 2025
فن وثقافة

بين يونس الركاب وعلي الداه ضاع "جْمَل النَّفّاع"

بين يونس الركاب وعلي الداه  ضاع "جْمَل النَّفّاع" جانب من المسلسل
بعد أن مضى على إنتاج أول تمثيلية تلفزية حسانية، أكثر من أربع عشرة سنة وهي سلسلة "عيشة أم نواجر" في 2008 للمُخرج عبد القادر أطويف والسيناريست علي لبراصلي.
وبعد ما حققته التمثيليات الحسّانية (مسلسلات وسلسلات) من تراكم فني عبر تجارب ليست بالقليلة، حَانَ بوسعِ الجمهور أن ينتظِر عرض أعمال درامية أو كوميدية جديدة تتسم بالآنية والجِدّة والواقعية. غير أنّ الانتظار الذي نتحدث عنه سرعان ما انقلب إلى شعور بالامتعاض والأسف؛ حيث إن أحدثَ عمل تمثيلي تلفزي حسّاني بعنوان "جْمَل النَّفّاع" 2022، والذي يُعرض على الشاشة الجهوية، لا يستطيع المتلقي تحديد نوعه ولا الإمساك بموضوعه! فبعد عرض ثلاث عشرة حلقة منه، يقف مُتَعجِّبا لما هو بصدد متابعته؛ أيُتابع مسلسلا بحلقات متصلة تحكي عن قصة عائلة بعض أفرادها في البادية والبعض الآخر في المدينة، أم يتابعُ سلسلة كوميدية بحلقات مستقلة كل حلقة تقدم موقفا فُكاهيا يرمي إلى تفاعل الشخصيات في إطارٍ مرحٍ لإضحاك المشاهدين.
الحقيقةُ أننا احترنا في تصنيف هذه التمثيلية! فلا هي درامية ولا هي كوميدية لا مؤثرة ولا مضحِكة! ما نراه عبارة عن تَجْمِيعِيَّةٍ لعدة مشاهِد مصورة بين البادية والمدينة، تنفيذًا لسيناريو مفكك فيه من التكرار والابتذال ما يدفعنا إلى كتابة هذا النص بكل تبرُّمٍ وخيبةٍ؛ فقد كنّا في أول حلقة نتأمّل التفاعل مع عملٍ تمثيلي حسّاني جديد يضيف شيئًا للدراما الحسانية الفتيّة، فيُسهِم في تطويرها وتنميتها فنيا وتقنيا. قد يبرر السيناريست التشتت الملحوظَ، برؤيةِ المخرِج الذي قد يتدخل في بعض التفاصيل الفنية. لكنّنا نعتقد أنه إذا تدخل فسوف يفيد العمل ولن يسيئ إليه أكثر مما هو سيء.
في هذا الصدد، هناك شيء يثير الاستغراب أيضا، فإذا كان السيناريو غير متلاحم وضعيف التركيب، فأين رأي المخرِج ولمستُه؟ أليس صاحب وجهة نظر؟ ألا يعنيه العمل الذي سيرتبط باسمه؟ هو أيضا قد يبرر فشله الذريع في الربط بين الأحداث موضوعيا وتصاعدها سرديا بإكراهات الإنتاج ومحدودية الموارد التقنية وتواضع مستوى الممثلين. نحن هنا لا نبحث عن أعذار للسيناريست أو للمخرِج، لكنّنا نتساءل عن فكرة الأول باعتباره كاتبًا ورؤية الثاني لكونه مسؤولًا بشكل شبه مطلق عن العمل.
أما الممثلون الذين اعتدنا مشاهدتهم في هذه التمثيليات، فلا يظهر أنهم استفادوا من التجارب السابقة؛ وكأنهم يقفون أمام الكاميرات لأول مرة، أداءٌ باهت وغير مُقنِع يؤكد أن القصة نفسها بدون حبكة، قصةٌ وضعَت هؤلاء الممثلين في مأزقٍ دفعهم إلى الارتجال، ومن أمثلته تكرار شغالي الذي يجسد دوره امبارك بنعمر جملة (أنا طالب جامعي خمس سنوات) في كل حلقة مرتان على الأقل بموجب وبدونه، إضافةً إلى تكرار مشهد الفطور البئيس بداية كل حلقة مع زوجته "الريم" ثم يبدأ بينهما الحوار نفسه والذي يغلب عليه طابع النكد.
بوجمعة الجميعي هو الآخر تائه في هذه التمثيلية التي ينعدم فيها الصراع، ومصطفى التوبالي العائد إلى التمثيل تراجَع تقمُّصه بسبب القصة المستهلكة؛ يجدُ نفسه يمثل دورا بشخصية الأب البخيل، البُخلُ الذي يصِرّ علي الداه على اعتباره صفة تستحق التناول الفني في كل مرة يكتب فيها عملا للدراما الحسانية، (سبق أن كتب للحسانية مسلسل راهو وينهو).
نبيهة برني ما تزال تتكلف التقمص وتبالغ في الصراخ والتلاعب بملامح الوجه بمناسبة وبدونها، ولا نؤاخذ عليها ذلك لأنّ على المخرِج توجيه الممثل إلى الأداء بكيفية يقنع بها المتلقي ويجعله يندمج مع تفاعلاته. هناك وجه جديد وهو الممثل حمادة أملوكو يبدو موهوبا من خلال تلقائيته، يجسد دوره بما توفر لديه من مهارات تمثيلية شخصية رغم سذاجة حواراته.
لا يمكننا إغفال التنويه إلى حدٍّ ما بأداء حنان الخادري؛ فمن الظاهر نماءُ شخصيتِها كممثلة من حيث التفاعل مع المواقف التمثيلية والتجاوب مع الوضعيات المتنوعة وحرصها على التعبير بلهجة حسّانية نظيفة.
إذا توقفنا عند الجانب التقني؛ فالموسيقى التصويرية تبدو وكأنها وثائقية أكثر مما هي درامية، غيرُ ملائمةٍ في أكثر الأحيان للمشاهِد المصاحبة لها، أي أنها لا تتجاوب مع انفعالات الحدث. كما أن تصوير اللقطات الخارجية البانورامية تمَّ عل أساس اختيار أماكن مفتوحة في فترة النهار، حيثُ تظهر شوارع وأسطح بنايات مدينة العيون بمنظرٍ أقل جماليةٍ وشكلٍ أدنى رونقٍ، بخلاف ما إذا تم اختيار فترة الليل حيث الإنارة تضيف بهاءً وسحرًا على المنظر.
بالرغم من أن لعلي الداه أعمالا درامية أفضل تليق بالمتابعة، وهو من كتاب السيناريو الواعدين الذين قد يكون لديهم الكثير من الإبداعات ليقدموها للشاشة -شرط أن يحرص على توسيع اطلاعه على تجارب تمثيلية أرحب وأعمق- إلا أن سيناريو جمل النفاع لا يمكن اعتباره سوى نص للاستهلاك، لا يضيف للدراما الحسانية ولا يقدم فائدة للجمهور. كذلك الشأن بالنسبة ليونس الركاب الذي بالرغم من نشاطه الإخراجي الملحوظ مؤخرا، إلا أنه لم يتعامل مع هذه التمثيلية بما يضمن لها النجاح، بل اكتفى بتنفيذها دون أدنى تصويب، وكأنَّه يهتم فقط باحترام العقد الذي يربطه بالمنتِج.
لا نريد لنقدنا أن يُؤْخَذ سلبيا، وإنما نرجو أن يتم تقبله كإسهام متواضع في تقييمِ عملٍ كان الجمهور يتطلع لأن يمتِعه ويقنعَه؛ كتعبير فني جمالي مفيدٍ بواسطة الرسالة التي سيقدمها، إذا كان صُنّاعه يؤمنون أنَّ الفن رسالة.