السبت 20 إبريل 2024
كتاب الرأي

خالد فتحي: أخيرا ..تستجيب اسبانيا للحقائق الجيوستراتيجيا

خالد فتحي: أخيرا ..تستجيب اسبانيا للحقائق الجيوستراتيجيا خالد فتحي
كانت مفاجأة سارة أن تزف إلينا إسبانا ومغاربة بشرى المصالحة بين البلدين مساء يوم الجمعة 18 مارس 2022 في بلاغ للديوان الملكي المغربي ينبئ بمضامين رسالة وجهها لجلالة الملك محمد السادس رئيس الحكومة الإسبانية، وبلاغ آخر صدر بمدريد لنفس الحكومة تضمنوا جميعا معالم الميثاق الجديد الذي ينوي البلدان أن يربط بينهما، حيث، و أخيرا تعترف إسبانيا بماتفرضه عليها الحقائق الراسخة للجيو استراتيجية بخصوص حيوية المغرب وضرورته لها.
ففيما يشبه العودة النصوح الى جادة الصواب، كان القرار الذي أفصح عنه رئيس الحكومة الإسبانية أكثر من تاريخي، لأنه جسد تحولا جذريا في موقف الدولة المستعمرة سابقا للصحراء المغربية، وكشفا صحيحا لموازين القوى الجديدة اقليميا بالشكل الذي أضحى يفرضه زخم الانجازات الدبلوماسية المغربية، وتراكم الاختراقات التي حققتها في سبيل توطيد وتحصين الحق المغربي في اقاليمنا الجنوبية .
اسبانيا والمغرب بلدان حكم عليهما بأن يتلاقحا ويتفاعلا ويحتكا منذ بدء الخليقة على وجه الأرض، هما بلدان متجاوران متقابلان على ضفتي البحر المتوسط، شكلا فيما مضى، وفي أروع تجربة حضارية عرفها العالم، نموذجا فريدا لتمازج الثقافتين الشرقية والغربية، بلدان تحتم عليهما عوامل التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك التفاهم والتعاون لا التنابز والتنافر. فكلا البلدين عمق استراتيجي ومجال حيوي للآخر. وكلاهما يرهن امن وازدهار الآخر، ولذلك عندما تذهب رسالة بيدرو شانسيز نحو التأكيد على اعتراف اسبانيا بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، فإن ذلك دليل على المخاض الذي مر منه القرار الإسباني قبل ان يتشكل على هذا النحو و يهتدي الى المفتاح الذي ستدلف به اسبانيا من جديد الى شغاف قلب المملكة المغربية، وتستعيد ودها المفقود، فالمغرب ملكا، وحكومة، وشعبا، يحكم على صداقة الدول للمملكة انطلاقا من أمر واحد ليس الا موقفها من وحدته الترابية.
ولهذا نستطيع أن نقول إن اسبانيا قد احكمت مصالحتها معنا هذه المرة،ولم تترك لنا سوى ان نبادلها الخطوة الشجاعة بخطوات اكبر منها تصب بالتأكيد في تحقيق رخاء ورفعة البلدين الصديقين.
هكذا تكون اسبانيا بهذا القرار قد اضحت منسجمة مع التوجه الدولي العام الذي يجنح نحو تأكيد السيادة المغربية على الصحراء، خصوصا بعد الاعتراف الأمريكي الحاسم بهذه السيادة.
فمن الواضح انها قد ايقنت أن داء الانفصال معد، وانه مضر للسلام والامن اللذان ينشدهما العالم. وبذلك يكون اصطفافها الى جانب الطرح المغربي الداعي الى تمتيع اقاليمنا الجنوبية بالحكم الذاتي، واعتباره حلا واقعيا مستداما وذا مصداقية، اعترافا منها بسيادة المغرب على صحرائه، واذعانا صريحا من طرفها لما تعرفه حق المعرفة في اعماقها مما لديها من وثائق وخبرة بالتاريخ الحقيقي للمنطقة بمغربية الصحراء .
ولعل اسبانيا قد راجعت طوال هذه السنة مجموع الاحداث والملابسات التي طبعت توتر علاقتها الدبلوماسية مع المغرب، ولاحظت الحكمة التي تصرف بها المغرب في التعامل مع الوقائع، ولمست تماهي العرش والشعب المغربيين بخصوص قضية الوحدة المغربية وفهمت انها قضية وجودية لنا يستحيل ان نفرط فيها كمغاربة. ورب ضارة نافعة كما يقول المثل العربي، إذ نكتشف اليوم، كيف شكلت استضافة المدعو ابراهيم غالي بالديار الإسبانية فرصة لإسبانيا لكي تتعرف على مقدار الامتعاض والمضاضة والأذى الذي يتسبب فيه تصرف غير محسوب وغير ودي مثل هذا لدولة ينظر لها المغاربة كجارة لا يجدر بها إلا أن تكون ضمن الدول الصديقة الداعمة لبلادنا.
ان المغرب لا يفكر ابدا في معاداة اسبانيا، وهو الآن لا يطلب منها سوى تعميق اواصر المحبة، وتحقيق المصالح المشتركة، وبناء العلاقات الشفافة الصادقة التي تقوم على الاحترام والتقدير والندية المثمرة التي تجعلهما معا يبدعان في ضمان الاستقرار لمنطقة شمال أفريقيا وجنوب أوروبا.
المغرب قدر دائما حساسية اسبانيا تجاه الدعوات الانفصالية، ورغم حيادها الذي كانت تقول عنه انه إيجابي بخصوص ملف صحرائنا المغربية، تورع دائما عن ان يعاملها بالمثل، لأن له موقفا مبدئيا من الحركات الانفصالية التي يرى ان لا مصلحة للعالم بأسره من مجاراتها او تغذيتها، كونها تصب غالبا في اتون التطرف والإرهاب، ولذلك كان يكتفي دائما بأن يظهر لجارته ان القرب الجغرافي بين المملكتين والعلاقات الوشيجة التي تجمع الأسرتين الملكيتين تستحق علاقات أرقى وامتن بين المغرب وإسبانيا.
كانت اسبانيا ترى في المغرب باستمرار ما نصطلح عليه في العلاقات الدولية بالصديق اللدود ،اي ذاك البلد الذي يجعل منها شريكه الاقتصادي الأول، والبلد الذي يحميها من تدفقات المهاجرين، ومع ذلك هو في نفس الوقت، بالنسبة لها ، البلد الذي تتوجس منه و تحتاط منه كل الاحتياط كي لاينافسها في استقطاب الصداقة الأمريكية، والبلد الذي تضع له الحصى في حذائه من خلال تبنيها لطرح الاستفتاء المنتهي الصلاحية لجماعة البوليزاريو لشغله وثنيه عن التحول الى قوة اقليمية ضاربة كما تؤهله لذلك إمكانياته وطموحاته المشروعة .و يقع كل هذا من طرفها في الوقت الذي كان فيه المغرب المسالم والواثق من نفسه ، يمد لها اليد دائما، ويبرهن لها أنه البلد الذي يمكن التعويل على استقراره، وبالتالي على صداقته وتعاونه، أي البلد الذي يريدها صديقا متميزا لا صديقا لدودا.اي ان تكون بجانبه لا في وجهه .
الان تنقشع الغشاوة عن عين اسبانيا، وتنتصر للود المغربي الذي لم تكن تراه، وينزاح كل سوء الفهم الذي عمر طويلا بيننا، فتتبنى مقاربة جديدة لطالما توخيناها في المغرب، والتي سنجني بالتأكيد ثمارها جميعا. فاسبانيا أحق بالمغرب، والمغرب أحق بإسبانيا، ولذلك من حقنا الان ان نفرح بكون الأزمة المغربية الإسبانية قد صارت وراء ظهورنا بعد بيان الديوان الملكي المغربي المرحب بقرار حكومة مدريد فتح صفحة جديدة معنا ملؤها التنسيق والتعاون. وأنه ليتعين علينا أيضا، ومن اليوم، الدفن النهائي لشنآن المماحكات القديمة، والاستثمار في رمزية المحطات المضيئة للتاريخ المشترك بينا ، للنظر والتطلع بكل وثوقية الى المستقبل ،اذ هناك مجالات وآفاق فسيحة للتعاون بيننا ستجعلنا نأسف على كل يوم قد اضعناه في عدم التفعيل الأمثل لهذه الشراكة الاستراتيجية.
 
خالد فتحي، بروفيسور وباحث في العلوم السياسية