السبت 20 إبريل 2024
رياضة

علي أنوزلا: الرياضة والسياسة في المغرب

علي أنوزلا: الرياضة والسياسة في المغرب علي أنوزلا
هناك صراع تقليدي حول "توظيف السياسة في الرياضة"، خصوصاً مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية. وغالبا ما تمتد ظلال الخلافات السياسية إلى مجال كرة القدم، ويتم توظيف الرياضة في الصراع السياسي.
فمنذ ظهور الرياضة فناً للتنافس داخل المدينة اليونانية، لم يكن التنافس دائماً رياضياً، وإنما بخلفيات أخرى، وأحياناً لأهداف سياسية. وتطور هذا الاستغلال للرياضة في مجال السياسة بشكل فج ومباشر، في ظل الأنظمة الشمولية والعسكرية. ولم تسلم من هذه اللوثة حتى الدول الديمقراطية، مثل فرنسا التي كان عمدة مدينة مرسيليا ورئيس فريقها "أولمبيك مرسيليا"، برنار تابي، في تسعينات القرن الماضي، يستغل شعبية نادي مدينته في صراعاته السياسية، حتى إنه كان يطمح إلى ترشيح نفسه لرئاسة بلاده. لكن، ما لم يتحقق لتابي الفرنسي، حققه سيلفيو بيرلوسكوني، الإيطالي الذي استغل شعبية نادي"ميلان الذي كان يرأسه، للوصول إلى زعامة حزبه، ومنه إلى رئاسة الحكومة في بلاده.
ولم يشكل المغرب استثناء مع هذه القاعدة، فقد ظلت الرياضة مجالاً خصباً للصراع السياسي، ولتصفية الحسابات السياسية، ولتعبئة الجماهير الرياضية خدمةً لأجندات سياسية متصارعة.
فقد ظلت الرياضة، وخصوصاً كرة القدم، تثير شهية تنافس السياسيين في المغرب، منذ عهد الحماية الفرنسية، حيث كان على رأس أندية رياضية مغربية شخصيات وطنية، قاومت الحماية بالرياضة. وتحولت أندية رياضية مغربية كبيرة إلى مربع للتنافس السياسي بين الأحزاب السياسية المعارضة والقصر، في عز الصراع السياسي بينهما، منذ ستينات القرن الماضي وحتى ثمانيناته. وتولت شخصيات سياسية مرموقة معارضة، أو مقربة من القصر، وأسماء عسكرية وأمنية كبيرة رئاسة أندية كروية.
وظلت كرة القدم، باعتبارها أحد أكثر الرياضات شهرة وشعبية وتسييساً في العالم، "خزاناً جماهيرياً" لا ينفذ، يراهن عليه السياسيون، ويتنافسون على كسب وده، واستغلال تأثيره. وأدى هذا الاستغلال السياسي للرياضة إلى أن تفقد الرياضة، كحاملة مجموعة من القيم النبيلة، جوهرها وعمقها. وبات الواقع الرياضي للبلد يعكس، بشكل كبير، واقع السياسة فيها.
ليست هذه الظاهرة، بالضرورة، حالة صحية داخل المجتمعات التي تشهدها، بما أن لجوء السياسيين إلى الرياضة يعكس، في العمق، ضعف التأطير السياسي داخل هذه المجتمعات، وضعف آليات هذا التأطير التي تمثلها الأحزاب السياسية. وهذا ما يعكس جزء منه الجدل الذي احتدم في وقت ما بين حزبَي، العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة، وغريمه الرئيسي الأصالة والمعاصرة (المعارض) في السابق، مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، فقد استطاع حزب الجرار أن يبسط نفوذه على أكثر من نادٍ رياضي، من خلال ترؤسه أندية رياضية كبيرة، أو وجود أعضاء مؤثرين ينتمون له داخل أندية قوية.
فالرياضة، وخصوصاً كرة القدم، تحولت في عالم اليوم، إلى أحد أكثر العوامل نفاذاً وقدرة على الحشد والتجميع، والضبط السياسي والرقابة الاجتماعية، بما لها من قدرة على إخفاء الصراعات السياسية والاجتماعية، والابتعاد عن التسييس والالتزام، والتعويض عن عدم المساواة الاجتماعية، بل وتبريرها، مع تغييب الوعي النقدي لدى الجمهور، وتوفير سعادة وهمية ولحظية له، وتوحيده في لحظات عاطفية مشحونة، حول كل ما يصور له على أنه مثل عليا، حتى لو كان مجرد مشاعر شوفينية، أو عنصرية.
فالرياضة، كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي لوي ألتوسير، أصبحت بمثابة "جهاز الدولة الإيديولوجي الفعال"، وهناك من علماء الاجتماع من يرى فيها نموذجاً للأيديولوجية الفاشية الجديدة التي تقوم على عبادة النخب والرموز والأيقونات، وتمجيد الجهد العضلي على الجهد الفكري، وتبجيل الاحتفالية على العمل.
أليست هذه هي الوصفة السحرية التي تبحث عنها كل سلطة مستبدة، وتسعى إلى تحقيقها؟ فالرياضة، وكرة القدم خصوصاً، تقدم لها هذه الخدمة بلا جهد ولا ثورات، على أرض من عشب حريري أخضر.