الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: الكتابة الجادة والمنسجمة مع المبادئ ليست وظيفة مذرة للدخل

ادريس المغلشي: الكتابة الجادة والمنسجمة مع المبادئ ليست وظيفة مذرة للدخل ادريس المغلشي

بدا اختيار شهر فبراير كزمن لتوقيع كتاب، عملية ذكية، تيمنا بمرحلة بداية فرح الطبيعة. ربما لارتباط هذا التوقيت بشهر تزهر فيه الحياة بجميع مكوناتها وتمفصلاتها حين انبعثت تباشير الحرية مجسدة هبة شعبية أخضعها الساسة لمنطق المقايضة وشروط "لوزيعة" فأجهضوها وهي جنينية ليخمدوا أنفاسها حتى لا ترى النور؛ لطبيعة كئيبة كأنها تعكس هذا الجو السياسي البئيس والعفن الذي أصبح الرعاع فيه يقودون شؤوننا بلا منهج ولا استراتيجية. رغم كل هذه الأعطاب سنبقى متفائلين، لسبب بسيط لأن فبراير شهر الأمل والتفاؤل. سنبقى متمسكين بهذا الخيط الرفيع .

فعل الكتابة يستمد نفسه كعبق شارد من نورها ويسعى محاولا لعله يجد لنفسه نوافذ جديدة وقد تكون بديلة. مشرعة على الشفق القزحي وهي تنشر أحلامها الوردية لتزرع بيننا الأمل والتفاؤل. وتوقظ فينا إحساسنا بالانتماء. لن نستسلم ولن نرفع الراية البيضاء.

فكرة إصدار كتاب لم تكن وليدة اللحظة بل هو نقاش مسترسل بين التردد والقبول والرفض. هي مغامرة لها تداعيات قد لا تخطر ببال أحد. صحيح أن هناك من تابع كتاباتك لمدة طويلة استطاع من خلالها تكوين رأي حول النسق الذي تتبنى وكلما أتيحت فرصة للنقاش ساند ودعم بكلمات تحفيزية تجعلك تقدم بيقين وعزم على هذه الخطوة وهناك من يشير بالتريث قليلا فالأمر ليس بالسهولة المتوقعة كما ان هناك من فاجأه القرار لحد الصدمة واعتبره مجرد ادعاء فارغ فليس كل من يحدث خربشات هنا وهناك. قادر على انجاز مؤلف. الأمر صعب للغاية وليس في متناول الكل. في ظل هذا المخاض الصعب والعسير وكل هذه  المحاذير والتهديدات التي تقفز من المخيلة بين الفينة والأخرى تجعلك تكبح طموحك لتعيد حساباتك من جديد مرة بل مرات عديدة .

الكتابة في مجملها ترجمة فعلية لأحاسيس ومشاعر تجاه مواضيع متعددة. ليس بالسهل اعتناق هذا الفعل النبيل واكتساب دربته دون حيازة ملكة متفردة اسمها فنية السرد والقدرة على الإبداع فيه وركوب أمواجه العاتية فكل محاولة أو تجربة تبدو رغم استصغارها مهمة في بناء الشخصية الأدبية. بل وتؤسس بالتوالي لولادة أسلوب لا يأتي اعتباطا مرتجلا بل من خلال وعي واكتساب تجربة. تستطيع أن تنحت خطها التحريري كسيل جارف لا يحيد عن مساره المعتاد. لا تلتفت وهي ترسمه حتى لا تتوقف. تواصل الخطى لعلها تبصم مرحلة من حياتها ستبقى حديث الناس تتكلم عنها بعد الرحيل. لا أشك لحظة أنني مدين لكتاب مرموقين كنا منذ الصغر نلتهم كتاباتهم باستزادة غير طبيعية أغنت رصيدنا في التعبير .فالذين بصموا حياتنا بأفكارهم تفردوا بين قصص ذات صيت عالمي وطرح إشكاليات عميقة وتقدم في نفس الوقت كأجوبة على أسئلة آنية ومصيرية. لقد وقفت على حقيقة مفادها أن الكتابة الجادة والمنسجمة مع المبادئ  ليست وظيفة مذرة للدخل مربحة فهذه الأخيرة لا تفتح آفاقا لتؤمن لصاحبها المستقبل. بل هي عملية إذا أخضعتها للمنطق التجاري سقطت في الوحل والحضيض. فليس الكلام النابع من القلب بوفاء يطرح في السوق مقابل ثمن. إنه يتعالى ليحلق بعيدا في الأفق متجاوزا كل التسعيرات. كل الذين أبدوا رغبة جامحة للدعم والتحفيز نحو النشر تخلوا عنك في منتصف الطريق؛ وسلكوا الصمت لعل المشروع يجهض في بدايته.

في حوار عابر مع مسؤول، على هامش حدث إصدار كتاب، بعدما التقينا في كثير من المناسبات وهو يلمح لتشجيع الأقلام الجادة والتي تكتب بموضوعية والنقاش حول الدعم من أجل إخراج المؤلف للوجود، تبين أن خيار الدعم إنما هو شراك نصب من أجل ان تكتب تحت الطلب لتلميع الصورة.

قلت ضاحكا في رد على ملاحظات جاءت في السياق من الكلام وكأنها شروط للقبول: "نحن لا نبيع الكلام، ولا نكتب تحت الطلب... ولدينا من القدرة ما يكفي لاحتضان مؤلفاتنا بالتموين والدعم لإخراجها للقراء؛ مهما كلف الأمر لأننا لانقبل أن نكون ملحقة لأحد أو ناطقا رسميا يشهد شهادة زور كما لا نجيد صباغة الهياكل المتآكلة والقديمة التي تجاوزها الزمن والتاريخ"...