الجمعة 19 إبريل 2024
كتاب الرأي

أحمد الحطاب: لم تكن، في يوم من الأيام.. الاشتراكية مرادِفة للانتهازية

أحمد الحطاب: لم تكن، في يوم من الأيام.. الاشتراكية مرادِفة للانتهازية أحمد الحطاب
الاشتراكية كفلسفة أو دعونا نقول كإيديولوجيا أو تيار فكري هي عبارة عن توجه سياسي واقتصادي يهدف إلى إصلاح منظومة المِلكية ووسائل الانتاج لجعلها تحت تَصرُّف الجماعة. و ما تسعى إليه الاشتراكية من خلال هذا التوجه هو إرساء تنظيم اجتماعي و اقتصادي عادل للقضاء على التفاوتات و الفوارق الاجتماعية أو على الأقل خفض شدَّتها.
 
ولقد تعددت التوجهات الاشتراكية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا غير أن لها مبادئ مشتركة، ترتكز عليها نذكر منها على سبيل المثال : تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات والتضامن وترجيح الصالح العام على المصلحة الشخصية. وفي السنوات الأولى بعد ظهورها، كانت الاشتراكية تقاوم الرأسمالية والليبرالية التي، بطريقة أو أخرى، تُرجِّح المصلحة الخاصة.
 
وقد تمخَّضت عن هذه الإيديولوجيا أحزاب سياسية اشتراكية انتشرت في جميع أنحاء المعمور من ضمنها أحزاب في المغرب. و هذه الأحزاب تتموقع بحكم توجهاتها الإيدولوجية في اليسار السياسي لتقاوم الرأسمالية و الليبرالية من أجل مجتمع يتساوى فيه الجميع.
والغريب في الأمر أن الأحزاب السياسية المغربية الاشتراكية لم تستطع مند ظهورها إلى حد اليوم أن تُطبِّق هذه المبادئ و الشعارات على أرض الواقع و الحال أنها لا تزال تَنْعَتُ نفسَها بالاشتراكية. بل أكثر من هذا، إنها بمشاركتها في أكثر من حكومة سابقة، غرقت أو على الأقل، ساهمت طوعا أو كرها أو انتهازيا أو كذبا أو نفاقا في ترسيخ ليبرالية متوحِّشة لا تعترف إلا بالأغنياء و تُهمِّش إلى حد بعيد الطبقة المتوسطة والطبقة الكادحة والفقراء. بل ومند سنوات، والأغنياء يزدادون غناءً ولم يتم القضاء على الفقر والهشاشة والإقصاء و لم تُحقَّق العدالة الاجتماعية رغم وجود هذه الأحزاب في مراكز القرار.

فأية اشتراكية هذه التي نسيت مبادئها و قِيَمها وعوَّضتْها بالسِّباق نحو الكراسي وحب السلطة والنفوذ. لقد أُفرغَتِ الأحزاب الاشتراكية من مضمونها السياسي و الاجتماعي و القيمي ولم تعد إلا جماعات من الأشخاص لا تصلح اشتراكيتُهم إلا لتسلُّق المراتب و الاستوزار والتَّبَرْلُمْ (الصعود إلى البرلمان)، إلخ.
 
فعلى هذه الأحزاب أن تُسمِّي الأشياء بمسمياتها وذلك بالتخلِّي عن مصطلح "الاشتراكية" وتعويضه بمصطلح آخر يظهرها على حقيقتها. لأنها اليوم كل شيء إلا الاشتراكية. ولا داعي للقول أن هذه الأحزاب خيَّبت آمال شريحة عريضة من أبناء وبنات هذا الشعب وخصوصا المثقفين الذين كانوا يعلقون عليها آمالا كبيرة في إرساء العدالة الاجتماعية و توزيع ثروات البلاد توزيعا عادلا.
 
وما يثير الاشمئزاز، هو أن هذه الأحزاب أصبحت وبكل سهولة تتحالف مع أحزاب أخرى تتعارض مبادئها مع مبادئ الاشتراكية تعارضا صارخا قد لا يقبله العقل السياسي المتوازن و المُتَّزن و النزيه. و إن دل هذا على شيء، إنما يدل على أن المبادئ عند هذه الأحزاب التي تدَّعي أنها اشتراكية، أصبحت لا تساوي شيئا أمام المصالح الشخصية و التَّعطُّش الجنوني، إن لم أقل الهيستيري للاستوزار. وقد ظهر هذا واضحا أثناء تشكيل الأغلبية الحكومية المقبلة. وإنه لمن المُخجِل أن بصدرَ هذا التَّعطُّش للاستوزار من قيادات هذه للأحزاب الاشتراكية، التي، من المفروض، أن تكونَ قدوةُ ومِثالاً بُحتدى للآخرين. أحزاب أصبح تُسَيِّرُهَا نزوات هذه القيادات عوض القيم و المبادئ السامية.
 
أقلُّ ما يمكن قولُه هو أن الأحزاب التي تدعي أنها اشتراكية أصبحت تعيش اليوم في تناقض صارخ مع مبادئها وأيديولوجيتها و توجُّهاتها السياسية إذ كان من المنطقي، إن هي أرادت أن تبقى وفية لهذه التَّوجهات، أن تتموقعَ في المعارضة عوض مدلَّة استجداء الاستوزار.
 
فلنقل وداعاُ لمفهوم اليسار الذي لم يعد إلا كلمة فارغة مضمونا و شكلا. اليسار الذي سهر على ترسيخه في الذاكرة الجماعية رُوَّاد من العيار الثقيل من أمثال عبد الرحمان اليوسفي، عبد الرحيم بوعبيد، محمد العابد الجابري، محمد كسوس، علي يعتة، المهدي بنبركة، عزيز بلال و آخرون.