الخميس 28 مارس 2024
سياسة

أبو وائل الريفي: اقتراع شتنبر.. مدخل لمؤسسات قوية أم سيجرجر البلاد في حالة انتظار؟!

أبو وائل الريفي: اقتراع شتنبر.. مدخل لمؤسسات قوية أم سيجرجر البلاد في حالة انتظار؟!

يتطرق أبو وائل الريفي في بوحه للأسبوعي، بموقع "شوف تيفي" إلى السؤال الذي يطغى على الحياة السياسية والمدنية بالمغرب، ألا وهو: من سيفوز بالانتخابات العامة ليوم 8 شتنبر 2021، في ظل الصراع الحالي بين الأحزاب الكبرى وتقهقر شعبية حزب العدالة والتنمية؛ مضيفا أن المؤسسات التي ستفرزها هذه الانتخابات تنتظرها تحديات داخلية وخارجية، مشيرا إلى أنه على كل المشاركين التعامل مع الانتخابات باعتبارها لحظة وليست مرحلة ممتدة في الزمن:

 

"لم يعد يفصلنا عن الانتخابات إلا أيام قليلة. وهذه أول مرة ينظم فيها المغرب كل الانتخابات، تشريعية وجهوية ومحلية، في يوم واحد. يتضح للوهلة الأولى أن هذا تحدي كبير بالنظر إلى ما يتطلبه كل استحقاق بمفرده من إمكانيات وموارد بشرية، وخاصة في ظل هذه الظرفية الخاصة جدا. ولذلك فإنجاح تنظيم الانتخابات وحده إنجاز وأي إنجاز، ومؤشر على وفاء الدولة بالتزاماتها المنصوص عليها دستوريا باعتبار الانتخابات تجرى بطريقة منتظمة كما ينص على ذلك الفصل الثاني من الدستور “تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم”. ودليل آخر على الطابع المستقر للبلاد ونضج الممارسة الديمقراطية وانخراط الدولة في مسلسل دعم الدمقرطة واحترام الدستور والقانون والمؤسسات رغم أنه كان يمكن التحجج بالوضعية الاستثنائية لتأجيل كل الاستحقاقات الانتخابية.

 

لقد استبق الملك هذه الانتخابات في خطاب ثورة الملك والشعب قبل أسبوعين حيث قال “إن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لإقامة مؤسسات ذات مصداقية، تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن. لأننا نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية. وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات”. الانتخابات وسيلة وليست غاية، ومسؤوليةُ إنجاحها جماعية تتحملها كل مكونات العملية الانتخابية وفي مقدمتها الأحزاب السياسية.

 

يجب أن لا يخفى على أحد أن هذه انتخابات تجرى في وضعية وبائية خطيرة وفي حالة طوارئ تفرض تقييدات كثيرة على حركة المرشحين وعملية تواصلهم. وهذا أمر يلزم أخذه بعين الاعتبار عند المقارنة بين هذا الاستحقاق وسابقيه، ولكن هذه الظرفية بالمقابل مناسبة لمساءلة الأحزاب السياسية عن قدراتها التعبوية والتواصلية بالأساليب الجديدة، وفرصة كذلك لمساءلتها عن قدرتها على التجاوب مع حاجيات الشعب وانتظارات الناخبين، والأهم من هذا وذاك هو أنها اختبار للأحزاب ومناضليها أمام الرأي العام لقياس حالة الرضى عن أداء القدامى وجاذبية الجدد.

 

لا ينتظر، وهذا معطى موضوعي، أن تتجاوز نسبة المشاركة في هذه الانتخابات الأرقام المعروفة والمعهودة بالنظر إلى الظرفية الخاصة التي تجرى فيها، وهذا تحدي مستقبلي أمام البلاد لتطوير طرق جديدة للتعاطي مع مثل هذه الأوضاع الاستثنائية مستقبلا والوفاء بالالتزامات الدستورية والقانونية، وهي مهمة المشرعين المقبلين تحديدا. وهو تحدي أكبر أمام الأحزاب بكل تأكيد لتطوير طرق تواصلها التقليدية المعتمدة على الاتصال الجسدي والتجمعات الحضورية كوسيلة رئيسية للحملات الانتخابية.

 

إن إطلالة على الترشيحات الكثيرة التي تقدمت بها الأحزاب وفحص مدى تناسبها مع انتظارات المواطنين ومدى احترامها لتمثيلية النساء خارج الكوطا الإجبارية ومدى حضور الشباب فيها ونسبة التجدد ومدى تجانس خطاب بعض المرشحين وشعاراتهم مع طبيعة القوائم المرشحين عليها تؤكد أن العمل الحزبي في المغرب ما يزال يحتاج مجهودا ليساير دينامية التطور ويرقى لمستوى أهداف الدستور. والجواب الأكيد والملموس هو ما سيعبر عنه الناخبون يوم الاقتراع لأنه الجواب الذي لا تخطئه العين المجردة ولا يمكن قراءته بأكثر من طريقة إلا بالنسبة لمن ألف التباكي و”يلصق كلشي فالدولة والداخلية والمخزن والقوى الخفية وداكشي”.

 

طبيعة الأشخاص المرشحين وطبيعة البرامج وطبيعة الخطاب وأشكال التواصل والقدرة على التأقلم مع وضعية كورونا وظاهرة الترحال الحزبي كلها تحديات أمام الأحزاب مجتمعة تستلزم معالجة سريعة إن أرادت هذه الأحزاب ربح رهان المشاركة الشعبية الواسعة وإعادة الثقة لعملها وإرجاع المصداقية أكثر للانتخابات والمؤسسات المنبثقة عنها. وقد صار للأحزاب اليوم من الإمكانيات ودعم الدولة ما يؤهلها لذلك إن هي وضعت إعادة الثقة كأولوية في برامجها ومبادراتها الميدانية.

 

وفي ما يخص النتائج غير متوقع حصول مفاجأة لأن الصفوف الأربعة الأولى لن تخرج عن الأحزاب الكبرى المعروفة. ومن حسنات الانتخابات أننا لحد الساعة يصعب التنبؤ بمن سيتصدر النتائج وهذا رهان مهم لهذه الانتخابات يجعلها انتخابات حقيقية برهان كبير سيؤثر على الساحة السياسية طيلة الولاية القادمة. وهذه ميزة انتخابات المغرب في عهد الملك محمد السادس حيث صارت مفتوحة على كل الاحتمالات ويصعب الحسم المبكر بمتصدرها.

 

هناك من يتحدث عن كون المنافسة حول تصدر النتائج محصورة بين التجمع والبام وهذا ما يبرر التشنج الحاصل بين مرشحي الحزبين الذي يغديه العدالة والتنمية أملا في ضرب مصداقية التجمع إن تصدر الانتخابات.

 

يجمع الجميع أن العدالة والتنمية فقد الكثير من شعبيته بفعل النزيف الداخلي وتراجع شعبيته، ولكن السؤال المطروح هو إلى أي حد سيتقهقر الحزب، وهل إلى الحد الذي يجعله غير معني بتشكيل الحكومة المقبلة إذا تكلف بتشكيلها أخنوش أو وهبي، لأن بيانات الحزب حول الحملة الانتخابية لا تحتمل إلا قراءة واحدة هي أن الحزب يهيئ قواعده لهزيمة محتملة تخرجه من تدبير الشأن العام.

 

لن تحدث المفاجأة في تشكيلة البرلمان التي ستكون متناسبة مع حجم تمثيلية كل حزب في المجتمع وهذه من حسنات نظام الاقتراع المعتمد الذي يحفظ حضورا لكل القوى السياسية بشكل يتناسب تقريبا مع قوتها في المجتمع. وبعد ذلك تبقى الكرة في يد الأحزاب لفرز مؤسسات منسجمة وقوية وفعالة.

 

تنتظر المؤسسات التي ستفرزها هذه الانتخابات تحديات داخلية وخارجية وعلى كل المشاركين التعامل مع الانتخابات باعتبارها لحظة وليست مرحلة ممتدة في الزمن. ينبغي الانتقال إلى ما بعد الانتخابات لتشكيل المؤسسات القوية والمنسجمة والمتجانسة في احترام للوعود ووعي الناخبين وتناغم سياسي وإيديولوجي وإلا فإن هذه الانتخابات يمكن أن تكرس مزيدا من النفور والعزوف. وسنرى هل ستتمكن الأحزاب من ذلك أم تجرجر كما حدث سابقا البلاد في حالة انتظار طويلة يكون الخروج منها بتدخل ملكي. على الأحزاب أن تتحمل مسؤوليتها من الآن وتهيء نفسها لسيناريوهات ما بعد إعلان النتائج"...