تراقب جهات دولية نافذة مدى تطوّر القيادة اللبنانية الجديدة المنتخبة والمتمثّلة برئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة المكلّف نواف سلام، ومن الواضح أن الزخم الدولي والإرادة المحلية، تجليا بقوة في عملية انتخاب عون وتكليف سلام، وقد تجاوزا العراقيل التي وضعها الثنائي الحزبي الشيعي مستفيدين من الدعم الدولي غير المسبوق، لكن مع بدء سلام بمهمة تشكيل الحكومة العتيدة، “عادت حليمة إلى عادتها القديمة” في وضع العصي بين الدواليب، ونعني بذلك الثنائي الشيعي الذي يشترط حصوله على وزارة المالية واحتكار التمثيل الشيعي مستفزاً كل القوى السياسية الأخرى، التي تنتظر تطبيق مبدأ المداورة لا تكريس حقائب لجهة معيّنة، ما يذكّر بحكومات الثلث المعطّل غير المنتجة.
لا شك في أن انطباعات الجهات الدولية تبدو سلبيّة، إذ تنتظر من عون وسلام تحقيق طموحات أغلبية الشعب اللبناني للعيش في دولة فاعلة خالية من العوامل المزدوجة التي أدت إلى فشلها: العنف السياسي والفساد المستشري، وبالتالي تنتظر هذه الجهات من الرئيسين الجديدين الوفاء بالتزاماتهما بإنشاء دولة ملتزمة ومسؤولة أمام شعبها والنهوض لتحمل المسؤولية، وتخطي كل العراقيل.
واللافت أن الثنائي الشيعي نجح حتى اليوم في كبح الزخم الدولي والاندفاعة العربية الخليجية الداعمة لسلام في تشكيل حكومة إنقاذية، وأعاد عقارب الساعة إلى الوراء، فيما يُشدّد المبعوثون الدوليون، على كل المستويات، على ضرورة اغتنام اللحظة السياسية والإسراع في تشكيل الحكومة التي يجب أن تكون أولوياتها ذات أهداف ثلاثة:
- أولاً، يجب عليها أن تنفذ بالكامل اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل وأن تتمسك بالقرارات الدولية التي تُلزم بنزع سلاح “حزب الله”.
- ثانياً، يجب عليها أن تعالج جراح الحرب من خلال إعادة بناء القرى والمنازل المهدّمة، ومساعدة النازحين.
- ثالثاً، عليها أن تنفّذ إصلاحات وإحياء اقتصادها، واستعادة الثقة في الداخل والخارج.
- أولاً، يجب عليها أن تنفذ بالكامل اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل وأن تتمسك بالقرارات الدولية التي تُلزم بنزع سلاح “حزب الله”.
- ثانياً، يجب عليها أن تعالج جراح الحرب من خلال إعادة بناء القرى والمنازل المهدّمة، ومساعدة النازحين.
- ثالثاً، عليها أن تنفّذ إصلاحات وإحياء اقتصادها، واستعادة الثقة في الداخل والخارج.
للأسف أن بداية خيبة أمل بدأت ترتسم لدى الجهات الدولية، وهي ترى سلام مكبّلاً، على الرغم من الخسائر الاستراتيجيّة التي تكبّدها “الحزب” على صعيد لبنان والمنطقة. ولا بد من الاعتراف بأن الثنائي الشيعي يُمارس الضغط على سلام وأدخله في “محرقة” الوقت، وبالتالي أصبحت وضعيته تشبه وضعيّة مصطفى أديب الذي بقي فترة خاضعاً للضغوط، ما أجبره أخيراً على الاستقالة.
ما يحصل اليوم يؤكد أن “الحزب” لم “يهضم” الهزيمتين السياسيتين اللتين مني بهما في انتخاب رئيس الجمهورية وتكليف رئيس الحكومة، علماً أنه عندما يفشل في تحقيق أهدافه عبر الطرق الديموقراطية، يلجأ إلى مزيج من العنف والتكتيكات غير الدستورية والأمثلة لا تعد ولا تحصى: 7 أيار، القمصان السود، الاغتيالات، الموتوسيكلات الاستفزازية… وما إلى ذلك من وسائل تُهدد الاستقرار.
وهذا ما جرى في الأيام السابقة، وأثار استهجان اللبنانيين، ولم تكن الجهات الدولية بعيدة عن هذا المشهد، وقد فهمت أن “الحزب” يمارس الغموض الاستراتيجي أو الخداع في محاولة لتأمين مناصب وزارية رئيسية، وليس واضحاً إذا كان سلام متأثراً بضغوط “الحزب” وقابلاً بتقديم تنازلات له، ما يثير ازعاج الجهات الدولية التي تريد من الرئيسين عون وسلام الافادة من الزخم الدولي المستمر للبنان، وقد أتى بيان رجل الأعمال الاماراتي خلف الحبتور عن وقف استثماراته في لبنان، كرسالة معبّرة من دول الخليج التي لم ترَ أن الأداء تغيّر بل تشكّل مطالب الثنائي الشيعي علامات سيئة وخصوصاً أن هذا الثنائي يستحضر شبح الحرب الأهلية أو التاريخ الممزق للبلاد لتبرير مطالبته بمناصب وزارية رئيسية تمنحه حرية التصرف في تعزيز أجندته، وأجندة راعيه الايراني، بشأن سيادة الدولة اللبنانية والاصلاحات اللازمة لإحياء اقتصادها المنهك.
وتلفت الجهات الدولية إلى أن الطريق الحقيقي الوحيد للمضي قدماً هو تحرر الرئيس سلام من قبضة “الحزب”، لا الخضوع للشروط بل التحلّي بالجرأة والشجاعة لأن صفة رجل الدولة لا تُحددها “السمعة” الجيّدة فقط إنما تُكتسب من خلال العمل الحاسم، مشيرة إلى ضرورة تخطي كل العوائق لتشكيل حكومة قادرة على اتخاذ الخيارات الصعبة: استعادة السيادة، ومواجهة المصالح الخاصة، وإعطاء الدولة اللبنانية الأولوية على كل شيء آخر، وفق ما قاله وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، “سنحتاج إلى رؤية عمل حقيقي، وسنحتاج إلى رؤية إصلاح حقيقي، وسنحتاج إلى رؤية التزام بلبنان يتطلع إلى المستقبل، وليس إلى الماضي، حتى نتمكن من زيادة مشاركتنا”. فالجهات الدولية لا تزال ترى بسلام قائداً واعداً، إلا أن قيادته لم تظهر بعد بصورة ثابتة، وتنتظر الأيام المقبلة لتبني على الشيء مقتضاه، لكن حتى يتحقّق ذلك، فإن التفاؤل الذي بدأ مع انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة سوف يستمر في التآكل!
لقد استثمرت الولايات المتحدة الأميركية والسعودية رأس مال ديبلوماسي استراتيجي في نتيجة الانتخابات الرئاسية، ودعم الرئيس سلام، وهي تعوّل عليه لتشكيل حكومة سريعاً لأن الوضع في الجنوب اللبناني “حسّاس” ويستدعي تنفيذ الدولة اللبنانية التزاماتها لتمارس واشنطن الضغط على اسرائيل وتنسحب من القرى الجنوبية الأمامية. بالاضافة إلى ذلك، فإن حجم الدمار في لبنان يحتاج إلى بدء ورشة إعمار سريعة تأوي النازحين الجنوبيين.
من المؤكّد أن الجرعات الدولية الاستراتيجية لا تزال ضرورية لتخطي سلام العقبات التي تحول دون تشكيل الحكومة، لكن الجهات الدولية تعتبر أن دعمها وحدها لا يكفي، فلبنان يحتاج إلى قيادة قوية تثبت نفسها، لذلك يدعو الديبلوماسيين الغربيين والعرب المسؤولين اللبنانيين إلى عدم اللعب مع تكتيكات “الحزب” في المماطلة والترهيب، ولا يجوز التعامل مع “الحزب” الخاسر كأنه رابح. ولا شيء يُحافظ على الزخم الدولي سوى أخذ قرارات حازمة وحاسمة مهما كان الثمن. فيما الواقع يشير إلى أن القيادة اللبنانية تقع تدريجياً في فح ألاعيب “الحزب”.
وتعوّل الجهات الدولية على الارادة المحلية التي تشكّلت مع فريق سيادي متماسك ونواب بلغ عددهم أكثر من 70، كسروا كلمة الثنائي الشيعي الطامح الى إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي. وهذا ما يستحق الوقوف عنده.
لقد وعد الرئيس سلام بالتحرّك بسرعة لتشكيل حكومة قادرة على تلبية “اللحظة السياسية”، إلا أن هذا الوعد لم يتحقق حتى اليوم، ما سيؤدي إذا استمر ذلك، إلى تقويض الثقة المحلية والدولية بإمكانات لبنان.
لا ينبغي الاستهانة بقدرة “الحزب” وإيران على استيعاب الهزائم وانتظار اللحظات المناسبة، عندما يتحول انتباه الولايات المتحدة بعيداً، لاسترداد نفوذهما بطرق غير متوقعة. ويبدو أن الوضع الحالي يُناسب “الحزب” الذي يبرع في اللعب بالوقت الضائع، لفرض إرادته على الدولة اللبنانية.
جورج حايك، كاتب لبناني