الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

موسى مريد: الزمامرة.. جوهرة دكالة الموؤودة

موسى مريد: الزمامرة.. جوهرة دكالة الموؤودة موسى مريد
تُسيِّر المجلس الجماعي للزمامرة أغلبية برئاسة  عبد السلام بلقشور منذ خمسة عشر سنة متتالية، ويطبع هذا التسيير غياب واضح للتواصل والشفافية وإشراك المعارضة والمجتمع المدني، فلا مبرر قانوني ومعقول مثلا لإغلاق الدورات أمام العموم ووسائل الإعلام، ولرفض الرئيس الدائم  تسليم محاضر الدورات لبعض المستشارين القلائل المحسوبين على المعارضة، وغيرها من مظاهر خرق القانون التي ما فتئ الفاعلون الحقوقيون المحليون ينددون بها ويراسلون بشأنها الجهات المختصة دون أي استجابة تذكر.. وخلال كل هذه المدة الطويلة، لم يتم بناء مدرسة أو إعدادية أو ثانوية جديدة، ولا يوجد لحد الساعة بالمدينة معهد للتكوين المهني ولا نواة جامعية، كما لم يسجل أيضا، افتتاح معمل أو تدشين مستشفى أوتجهيزه، ولا  سوق نموذجي بهذه المدينة الصغيرة!
 
بل، على عكس المأمول،  تم التفريط في عدة منجزات سابقة، حيث قام المجلس الجماعي بأخطاء كارثية، مثل هدم الخزانة البلدية، وإغلاق دار الشباب الوحيدة وتحويل روض الأطفال  التابع للجماعة الى مقر لنادي نهضة الزمامرة، كما تم إهمال مستشفى القرب والسوق الأسبوعي وحديقة الحسن الثاني وغيرها 

 أما المشاريع التي قامت بإنجازها هذه الأغلبية المسيرة، فالواقع الواضح للعيان يشهد أنها فشلت وتعثرت، فالمحطة الطرقية التي تم البدء ببنائها سنة2014 تساقط سقفها قبل تدشينها وتحولت الى مجرد مرآب لبعض سيارات الأجرة ! فيما لازال المسافرون يقفون على جنبات الطريق الوطنية في انتظار سيارات الأجرة و الحافلات ! وأصبحت ساحة الانبعاث مجرد أرض خراب نظرا لإهمالها وعدم القيام بما يلزم لحراستها وصيانتها، وتهاوى شارع الحسن الثاني  بعد مرور سنتين فقط من تدشينه، واشتغلت إشارات المرور  شهرا وانطفأت دهرا، أضف الى ذلك ضعف الإنارة العمومية بالشوارع وعجز المجلس البين عن تحسين قطاع النظافة وغيرها من الخدمات والمرافق .. كل هذه المشاريع المتعثرة التي التهمت عشرات الملايير، تبقى شاهدة على الفشل المبين في تسيير مدينة كانت فيما مضى، بسبب موقعها ومهارة صُناعها وذكاء تجارها، مؤهلة لتصير مركزا  تجاريا وصناعيا  ناميا ومزدهرا ..ولكنها أصبحت الآن تشبه بادية للأوراش المتعثرة، يعمّها الركود الاقتصادي والفقر و البطالة..  ولم يكن لتصل المدينة الى هذا المآل الأليم، لولا سوء التسيير، وغياب الرؤية التنموية، وسيادة الرأي الواحد، و غياب الإنصات للشركاء، أضف إلى ذلك  عدم قيام مؤسسات الرقابة والمحاسبة بدورها  في حماية القانون والمال العام .
 
والمؤكد أن الزمامرة تعرضت الى سياسة تدمير ممنهجة لكل ما يمكن أن يشكل مناعة لها أمام فيروس الفساد والتسلط، فقد تم تخريب الأحزاب الحقيقية ومحاربتها، وتم استهداف  المناضلات و المناضلين الشرفاء باستعمال وسائل انتقامية غاية في الدناءة، كما تم تدجين  العمل النقابي والجمعوي والإعلامي الجاد ومحاصرته، وتم استغلال الكثير من الشباب وإفساد سلوكهم السياسي وتحويلهم الى أبواق وحياحة تحت الطلب، وتم الدفع بعدد من العائلات الأصيلة والتجار الكبار والأطر المناضلة والصناع والحرفيين المهرة الى الهجرة دفعا الى المدن المجاورة!

وحتى نكون موضوعيين، فخلال مدة انتداب هذه الأغلبية، تم بناء قاعة رياضية وملاعب لكرة القدم وفندق في ملكية نادي النهضة أتلتيك الزمامرة الذي يسيره رئيس الجماعة عن طريق شركة رياضية، ويمكن للبعض أن يتحدث هنا عن « نجاحات » ما تحققت، كصعود النادي الى قسم الصفوة و احتلاله  مراتب متقدمة في البطولة الوطنية، و حصول السيد بلقشور على منصب رئيس العصبة الاحترافية لكرة القدم ! لكنها تبقى نجاحات فردية واستعراضية لا تلبي الانتظارات والحاجيات الضرورية للساكنة.  والمشكلة الأهم تكمن في أن كلفة هذه « الطفرة الكروية » كانت مقتطعة من تنمية المدينة ، فيكفي أن نذكر هنا القارئ أن مبلغ المنحة السنوية التي يقدمها  رئيس الجماعة للنادي يقارب 6 ملايين درهم سنويا، و هي أعلى منحة تقدمها جماعة ترابية صغيرة ذات ميزانية متواضعة لناد في المغرب !  هذا إضافة الى تمويل الجماعة بناء فندق تعود ملكيته في النهاية للنادي !
 
لكن هل تم انتخاب هذه الأغلبية من أجل تحقيق صعود نادي المدينة للقسم الممتاز؟ هل انتصار النادي في مباريات للكرة يعتبر إنجازا تنمويا ؟ هل يجب بناء الملعب قبل تجهيز  المستشفى بالمعدات الطبية اللازمة و الأطر المؤهلة؟ ماذا سيحدث مثلا إذا أصيب لاعب إصابة بليغة لا قدر الله واحتاج الى عناية طبية مستعجلة؟ ! أليس من العيب أخلاقا وقانونا تفويت روض الأطفال الجماعي ومساحات شاسعة من الملك الجماعي لفائدة النادي، وتعجز بعدها الجماعة عن توفير وعاء عقاري لمشاريع حكومية مثل المدارس ؟ أليس منافيا للمنطق السليم رفع قيمة الضرائب والجبايات و الرسوم المحلية الى أعلى مستوياتها، والتسبب بإفلاس التجار والحرفيين، من أجل تمويل فريق الرئيس؟ ! هل من المنطقي مثلا، أن يمنح رئيس جماعة لفريقه  الملايير من مالية الجماعة، فيما تعيش أسر عديدة قاطنة بثلاثة أحياء سكنية مهمشة داخل المدار الحضري غير مرتبطة بشبكة التطهير السائل؟ ! 
 
هكذا أصبحنا في الزمامرة أمام مشهد سوريالي عجيب غريب،  فإذا كان لكل مدينة فريق للكرة، فإن الرئيس جعل نادي الكرة يملك الجماعة !! وإذا كان الفريق المحلي قد صعد كرويا، فإن هذه المدينة الموؤودة قد تدهورت تنمويا !! طبعا يحدث كل هذا العبث بالقانون و الاستهتار بمصالح الساكنة  أمام أعين السلطات التي تنام على غير عادته. 
 
يحاول رئيس جماعة الزمامرة أن يقنع  الرأي العام عبثا بأن ما يسميه  مشروعه الرياضي سيجلب التنمية،  لكن المعطيات على الارض أكبر من التضليل الممارس، فلقد ارتفعت معدلات البطالة و استشرى الفقر في أوساط الساكنة وضرب الركود التجاري و الصناعي  الحركة الاقتصادية، و هاجرت المدينة مئات الأسر و معها الرساميل و الأطر الحية، لانسداد الآفاق  تارة ، و تارة أخرى للضغوط و كل أشكال التضييق التي يتعرض لها كل شريف ونزيه في المدينة  

 إن القانون التنظيمي للجماعات الترابية حدد أهدافا تنموية وأولويات واضحة للمجالس المنتخبة،  تكمن أساسا في إطلاق المشاريع الإنمائية الحقيقية لتوفير البنى التحتية اللازمة لتشجيع الاستثمار في مجالات الصناعة والتجارة و الخدمات، و بذل مجهودات حقيقية على مستوى القطاعات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والصحة والسكن والتشغيل.. مع تقديم دعم في حدود الإمكانات المتاحة للجمعيات الثقافية والفنية والرياضية، فلا يوجد عاقل يدعو إلى تركيز اهتمام مدبري الشأن العام في الجماعات الترابية، بفرق الكرة واعتبارها سابقة على الاهتمام بالتعليم والصحة والسكن اللائق والتشغيل وتشجيع الاستثمار المنتج! ولكنها الشعبوية المقيتة، التي لا تجد غضاضة في  وضع العربة أمام الحصان، تتوهم عبر رفع الشعارات اللامسؤولة و التزييف و التضليل، أن تحجب شمس الحقيقة الساطعة 
 
ويبدو أن  التضليل  الممارس هنا نهارا جهارا و لسنوات طوال، وهو الذي صنفه الشهيد عمر بن جلون كأشد و أخطر أنواع القمع، أصبح الرياضة المفضلة للعديد من السياسيين المحليين الذين أدمنوا استغلال تواطؤ وصمت ولامبالاة مؤسسات الرقابة، واستعملوا المال العام لتحقيق طموحاتهم الأنانية الضيقة في الترقي السياسي على حساب حاضر آلاف الناس ومستقبل أبنائهم. ولكن ما بني على باطل ساقط لا محالة، فلئن استطاع بعض المحتالين الإفلات من المحاسبة بآليات المكر و الإفساد، الإ أنهم لن يستطيعوا أبدا الإفلات من محاكمة التاريخ!
موسى مريد/ فاعل سياسي وحقوقي