الأربعاء 27 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

إدريس الفينة: قوانين معيقة للتنمية.. حاجة إلى إصلاح جذري

إدريس الفينة: قوانين معيقة للتنمية.. حاجة إلى إصلاح جذري إدريس الفينة
شهد المغرب خلال السنوات الأخيرة إطلاق العديد من الأوراش الهيكلية الكبرى التي تهدف إلى تسريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق تحولات جذرية على مستوى الأداء الحكومي وتعزيز دور القطاع الخاص. ورغم الطموحات الكبيرة التي صاحبت هذه المشاريع، إلا أن معظمها يصطدم بعوائق قانونية وإدارية تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة. هذه القوانين، التي يمكن وصفها بـ”العمياء”، أصبحت تمثل تحديًا كبيرًا لكل محاولات الإصلاح، حيث تتسبب في تعطيل المبادرات بدل تسهيلها.
 
تساؤلات كثيرة تُطرح حول جدوى القوانين والإجراءات الإدارية التي وُضعت لخدمة التنمية. في الواقع، يبدو أن هذه القوانين في كثير من الأحيان تكبح التطور بدل أن تدعمه، مما يجعلني أتساءل إن كان الهدف الحقيقي من بعضها هو حماية المكتسبات الوطنية أم تكريس البيروقراطية. من الأمثلة الواضحة على ذلك إصلاح نظام تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة، وهو قطاع استراتيجي في خلق فرص العمل وتعزيز الاقتصاد. ورغم الجهود المبذولة لإعادة هيكلته، ما زالت التعقيدات القانونية والإدارية تشكل عائقًا أمام تحقيق النتائج المرجوة.
 
هذا الوضع لا يقتصر على مجال واحد، بل يمتد ليشمل العديد من المشاريع الإصلاحية الكبرى. إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، الذي كان من المفترض أن يطلق دينامية جديدة على مستوى الجهات، يواجه عقبات في التنسيق بين مختلف الأطراف المعنية بسبب قوانين معقدة وإجراءات بيروقراطية. الجهوية المتقدمة، التي تهدف إلى تعزيز استقلالية الجهات وإعطائها دورًا محوريًا في التنمية، تعاني من تضارب في الاختصاصات وصعوبات في التنفيذ على أرض الواقع. كذلك، ورش تبسيط المساطر الإدارية، الذي يُعتبر من الأولويات لتحسين مناخ الأعمال، لم يحقق النتائج المطلوبة بسبب عدم ملاءمة النصوص القانونية للإكراهات العملية، واستمرار الاعتماد على أساليب تقليدية في التدبير الإداري.
 
أمام هذه الوضعية، نجد أن الإصلاحات التي أُطلقت تحت عناوين كبرى مثل ميثاق اللاتمركز الإداري، ورقمنة الخدمات، وتبسيط الإجراءات الإدارية، تبقى دون المستوى المطلوب. القائمون على هذه الأوراش يعترفون بوجود عراقيل عديدة تحول دون تسريع وتيرة الإنجاز، ويرجعون ذلك إلى القوانين الحالية التي لم تواكب التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد الوطني والدولي.
 
الوضع يستدعي وقفة حقيقية لتحديد أوجه القصور وتصحيح المسار. المطلوب هو مراجعة جذرية وشاملة للبنية القانونية والإدارية التي تؤطر عمل المؤسسات. هذه المراجعة تبدأ بجرد القوانين الحالية وتحديد تلك التي تشكل عبئًا على التنمية وإعادة صياغتها بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة. الرقمنة يجب أن تكون في صلب هذا التحول لتقليل التدخل البشري والحد من البيروقراطية. كذلك، يجب تعزيز الحوار بين القطاعين العام والخاص لضمان أن تكون التشريعات داعمة للاستثمار والابتكار. هذا إلى جانب وضع مؤشرات أداء واضحة للمؤسسات الحكومية، بما يضمن المحاسبة والشفافية في تنفيذ الإصلاحات.
 
التنمية في المغرب ليست مجرد شعارات أو أوراش معلنة، بل هي مسار متكامل يتطلب إدارة حديثة وفعالة وقوانين محفزة. ما يحتاجه المغرب اليوم هو بيئة قانونية وإدارية تتسم بالمرونة، تشجع على الابتكار وتعزز الثقة بين الدولة والمستثمرين والمواطنين. إذا استطعنا تحقيق ذلك، سنتمكن من ترجمة طموحاتنا إلى واقع ملموس، وتحقيق نهضة شاملة ومستدامة.