السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم (20)

مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم (20) شيخ العيطة ميلود الداهمو، والشيخ بوجمعة بن عكيدة، والشيخ ولد الصوبة، خريجي مدرسة دور ركراكة

تمكن الوباء اللعين "كورونا" من تأجيل موسم طواف شرفاء "ركراكة" برسم سنة 2020، ووقفت الجائحة سدا منيعا ضد قبائل ركراكة والشياظمة وعبدة و دكالة وغيرهم في إحياء سنة التواصل الروحي والاجتماعي والاقتصادي.. وحرمتهم من الاحتفاء واستحضار موروثهم الشعبي وعاداتهم وطقوسهم وتقاليدهم التي ألفوا إقامتها كل سنة في فصل الربيع (بعد خروج الليالي).

في سفر "أنفاس بريس" والنبش في موضوع ظاهرة موسم طواف "ركراكة" الضارب في القدم، بعد الاستعانة في الحلقة الأولى ببعض المصادر التاريخية التي تناولت "السبعة رجال" والتعريف بهم، وبعلاقتهم بالمجال والإنسان، وكيف استوطنوا الأرض وقاوموا الغزاة، للمحافظة على استقرارهم وأمنهم واستمرار نسبهم، وقدمنا ملخص لمحة تاريخية عن "ركراكة" و"السبعة رجال" والسفر في زمن حروبهم وصراعاتهم مع المحتل والغزاة، وكيف استطاعت القبلية ضمان استمرارها وصولا إلى ترسيخ هذا الموسم السنوي الذي يحج له المغاربة من كل أنحاء الوطن لإحياء صلة الرحم.

تقاطرت الشهادات والحكايات على جريدة "أنفاس بريس" من أفواه الباحثين والفنانين والمبدعين وشيوخ العيطة وفناني الحلقة، والمنتسبين لأهالي وشرفاء ركراكة، وأبناء القبائل المنتمين لأرض "سبعة رجال"، سواء لتوضيح أو تثمين وتعزيز ما جاء في حلقاتنا السباقة بخصوص سلسلة ملفنا الإعلامي الذي اخترنا له عنوان: (مصب نهر تانسيفت يروي حكايات قبيلة "ركراكة" و"السبعة رجال" بين الأمس واليوم).

في الحلقة العشرين من هذه السلسلة نقدم جواب الباحث عبد العالي بلقايد عن سؤال "العيطة والزوايا أية علاقة؟"، بعدما قدمنا قراءته السابقة في "فهم العلاقة بين العيطة والصلحاء من خلال دور ركراكة". على اعتبار أن الزوايا كانت في إحدى وظائفها "التأطير المجتمعي لصد كل غاصب للأرض.. بمعنى أن العيطة كانت وسيلة جمالية بها وعبرها يتم التأطير كواحدة من وسائل التعبئة المجتمعية".

 

العيطة والزوايا أية، علاقة؟

لقد كان للمقالات التي نشرت بـ "أنفاس بريس" حول دور ركراكة (السبعة رجال) وعلاقته بمجموعة من شيوخ فن العيطة حافزا لي على التنقيب في العلاقة الممكنة بين الجمالية التقليدية كتعبير عن حاجة إجتماعية، وبين الزاوية كتعبير روحي عن نفس الحاجة. فكيف يمكن إقامة علاقة بين فعاليتين قد تبدو على طرفي نقيض؟

لقد عملت التمثلات على ترسيخ صورة بالأفهام هي أقرب إلى السلبية فيما يتعلق بالموسيقى التقليدية وبالتحديد العيطة ، عكس الزاوية التي ارتبطت بالصلاح والصلحاء حسب نفس التمثلات.

لم يكن بالإمكان حضور ميزة التعالق بين هذين العنصرين من الكينونة الاجتماعية للحضارة المغربية، في غياب حاجة اجتماعية إليهما معا في التجاوب مع هذه الحاجة.

 

للتعاطي مع هذا الموضوع ذي الأهمية المحورية، لابد من فتح ستة الأقواس:

 

القوس الأول: أن الموسيقى المرتبطة بالزوايا والتي يمكن أن نطلق عليها الموسيقى الصوفية هي نتاج مغربي في التفاعل مع الكثير من الحضارات التي انتشرت في البحر الأبيض المتوسط.

 

القوس الثاني: هذه الموسيقى المغربية منافس قوي للموسيقى التركية، والباكستانية، والهندية، وبالتحديد الموسيقى الصوفية.

 

القوس الثالث: الموسيقى الهندية والباكستانية وصلت إلى العالمية، بفضل الترويج لهذا المنتوج الجمالي.

 

القوس الرابع: إن الموسيقى العربية نشأتها تمت عبر امتدادها في الموسيقى الصوفية التي كانت على ارتباط بالزوايا، فأغلب الموسيقيين الكبار عرفوا بلقب الشيخ، كالشيخ درويش وغيرهم.

 

القوس الخامس: حسب تصريح ورد في ندوة مؤطرة من طرف الكاتب حسن نجمي، بحضور الشيخ الفنان حجيب، فإن المغرب يتوفر على اثنين وخمسين لونا موسيقيا، وهو ما لا تحوزه الشقيقة مصر وهذا ثراء ثقافي كبير.

 

القوس السادس: القوة الحضارية لا تتحدد بالبعد المادي، بل بالبعد الرمزي.

 

استحضارنا لعيطة "شيخي بويا رحال" فهو كعطف على ما قلنا سابقا بأن العيطة الحوزية خصصت عيطتين للصلحاء. وما كان لهذه التيمة أن تحضر بهذه القوة لولا الدور الذي امتلكته هذه المؤسسة بالمجال. وما كان للعيطة أن تحتفي بهذه التيمة، إلا لكونها وسيلة من وسائل ترسيخ معاني بالوجود الاجتماعي لضرورتها في الحفاظ على التماسك الاجتماعي؛ كواحد من بين الوظائف.

إن ساحر القبيلة أو طبيبها حين يريد أن يمارس سحرا على الطبيعة كانت تمائمه تصحب بموسيقى أو إيقاع لغاية التأثير في الطبيعة. وجل القبائل أو العشائر المغربية كانت تعتقد بأنها تنحدر من أب واحد أو جد واحد، لأجل أن تتماسك اجتماعيا.

 

لقد ورد في عيطة "خالي يا خويلي": "كل علفة تكيد سرتي /جدكم بوعبيد الشرقي"، أما في عيطة "شيخي بويا رحال" فقد ورد: "شريفي بو يا رحال / شيخي بويا رحال".

في المقطع الأول تم ذكر الأصل الواحد الذي ينطلق منه المتعدد، وهو الموحد للجماعة، لأجل ممارسة الفروسية كشرط من شروط قيام الوجود الاجتماعي وتحقيق كينونتها، لأن المجتمع هو مجتمع محاربين، فالحرب هي وسيلة من الوسائل التي تكسب الجماعة أسباب القوة، بنفس القدر الذي تقوي الدولة أو تضعفها، وبالتالي كانت الزوايا في أحدى وظائفها التأطير المجتمعي لصد كل غاصب للأرض. بمعنى أن العيطة كانت وسيلة جمالية بها وعبرها يتم التأطير كواحدة من وسائل التعبئة المجتمعية.

أما في المقطع الثاني، تم التركيز على الجانب الدموي، في علاقة مع الجانب الروحي، فسيدي رحال هو من الشرفاء الأدارسة، ومن آل البيت فهذه الميزة تفرض على الفرد الربط بين الصلاح ورد اعتداء الغاصب للأرض.