الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

رقصة الكدرة الرحمانية.. توأم لتلك الموجودة بصحراء الساحل وصحراء القبلة(مع فيديو)

رقصة الكدرة الرحمانية.. توأم لتلك الموجودة بصحراء الساحل وصحراء القبلة(مع فيديو) الأستاذ عبد العالي بلقايد بجانب مشهد من رقصة الكدرة

الترافع عن الموروث الثقافي الشعبي بمنطقة الرحامنة في علاقة ببعده الصحراوي والإفريقي يعتبر قضية وملف آني لا يتطلب التأجيل، خصوصا لما يتعلق الأمر بلون فني نابع من الأصول وله جذور وامتدادات تاريخية وحضارية وثقافية وإنسانية.

ـ هكذا يتحدث الباحث الأستاذ عبد العالي بلقايد ـ حينما يغوص في كنه "ذخيرة وذاكرة المغاربة" ويحول صفحات "العيطة بمختلف أنماطها" على منصات مواقع التواصل الاجتماعي إلى منبر إعلامي جاد ومسؤول (صفحة العيطة الحوزية/ صفحة الحصبة ولافة/ صفحة محبي العيطة) و يسلط كشافات الضوء على جواهرنا "المنسية" و"المعرضة للإنقراض"، والتي تعكس كنوز الوطن الذي راكم الكثير من التنوع على مستوى الفنون الشعبية لتحصين وجوده/الذات/الجماعة.

في هذا السياق وارتباطا بثقافة الاعتراف يستحضر الباحث عبد العالي بلقايد بتواضع كبير، رفقة رفاقه (أمينة الرمحاوي و أمين عبد اللطيف) خلال كتاباته ونبشه، وترافعه، كل الفعاليات والأسماء (الرحامنة واليوسفية) التي تجتهد من أجل صون تراث فن حمادة وتحصينه ضد النسيان.

جريدة "أنفاس بريس" ارتأت التعاطي مع منسوب كتابات ثلة من أبناء بن جرير لتوثيق ذاكرة مجموعة حمادة (يتقنون رقصة الكدرة) الممتدة جذورها وروابطها من الرحامنة إلى القبائل الصحراوية.

 

الثقافة الحسانية بقبائل الرحامنة

 

هذه الكتابات الغاية منها توفير البيانات حول تراث ثمين لم تصله أدوات البحث بعد، لغياب قاعدة الإنطلاق المتمثلة أساسا في المادة الخام، والتي نعمل جاهدين على توفيرها بالإعتماد على الرواية الشفوية التي نجمعها معية مجموعة من الأصدقاء كمهتمين وليس كباحثين، نبغي بها إخراج تراثنا من درجة الصفر في المعالجة ، إلى درجة إبرازه عبر بسط بعض معطياته.

فالكثير من الأخطاء ستطال كلامنا، بقدر عظيم الإيجابيات التي ستصاحبه، لأن لغة الإبستمولوجيا تقول بأن تاريخ العلوم هو تاريخ أخطاء العلوم.

نتمنى أن كثيرا من أخطاءنا ستكون حافزا للكثيرين من أجل تجاوزها لإنتاج ماهو احسن.

وقبل الإنطلاق في هذه الشذرة نشير للتالي:

توضيح لابد منه : ماتقصده الثقافة الشعبية بصحراء الساحل هي الساقية الحمراء ووادي الذهب على ما أعتقد. وصحراء القبلة هي الصحراء الشرقية، وتضم طاطا،و زاكورة، وتافيلالت.

هذه الشذرة نريد بها فتح بحث حول الثقافة الحسانية بقبائل الرحامنة كمجال ثقافي ساهمت في تشكله مجموعة من الأعراف الثقافية التي توطنت الزمكان، عبر عدة تفاعلات.

 

الثراء الثقافي للتنوع الإثني بالرحامنة

 

الثابت تاريخيا والذي لا يطاله أي جحود، بأن قبيلة الرحامنة تكونت من عدة قبائل وفخدات نذكر منها ( الركيبات، سلام ، إيكوت العرب، أيت ياسين، أولاد الدليم..) هذا بالنسبة للوافدين من صحراء الساحل، أما صحراء القبلة فالقادمون منها فهم على الخصوص (النواجي، المرابطين، المحموديون، الرزكيون، الزيود، البادين..........) فضلا عن "الشياظمة، ودكالة، وتادلة، والأمازيغ"...هذا التنوع الإثني أعطى ثراء ثقافي وحضور إجتماعي وسياسي في كل اللحظات المفصلية في تاريخ المغرب لقبيلة إسمها الرحامنة.

رقصة الكدرة تعاطاها بالرحامنة سكان بوشان، و سكان البحيرة، وتعاطاها السكان الوافدون من الصحراء الشرقية، والآخرون الذين وفدوا من صحراء الساحل. لأنها انتشرت بالمجالين معا .

رقصة الكدرة بشكل خاص والموسيقى بشكل عام أخضعها سكان الرحامنة لمواضعات وطقوس إجتماعية مخصوصة، كانت علامة دالة على طبيعة العمران البشري للإنسان الرحماني، الذي بقي مخلصا لجدوره التي تحيل على الصحراء سواء من خلال الموطن الأصل، أو الموطن الذي ضرب فيه مضاربه...هو سيد الصحراء من درعة إلى الساحل إلى التخوم الإفريقية، ولم تحركه مطامع الكسب من الصحراء، بل غاية جهاد البرتغال الذين استعمروا إفريقيا هي محركه الأساسي، فقدم مع السعديين إلى الحوز لهذه الغاية.

 

رقصة الكدرة عنوان ثقافة مشتركة

 

من بين التقاليد الثقافية المشتركة بين قبائل الرحامنة الحسانيون ، وسكان الصحراء المغربية رقصة الكدرة. وهي فن مخصوص لعرب الصحراء الشرقية، وعرب صحراء الساحل، وتحديدا بالمحاميد الغزلان وطاطا، والساقية الحمراء ووادي الذهب. والفضاء الثقافي للرحامنة ، تشكل كمجال لتفاعلات كل هذه المكونات العربية سواء القادمة من الصحراء الساحل كركيبات، وسلام، ويكوت، وأولاد دليم، وايت ياسين..أو تلك القادمة من صحراء القبلة كرزكيين، والنواجي والمرابطين، والمحموديين، والناصريين، ...أو عرب بنو معقل الذين كانوا سادة للصحراء حتى تخوم إفريقيا. فإيقاعات الصحراء جلها كانت تضبط عبر الصورة التي كانوا يحبون أن يكون عليها العمران البشري، فأشرس الحساسيات البشرية كانت تهاب سطوة المعقليين، ومنهم الطوارق الذين شكلوا عبر مر التاريخ فرسان الصحراء.

كل هذه العوامل نسجت مشتركا ثقافيا بين هذه المكونات ورقصة الكدرة واحدة من تلك العناصر التي بنت المخيال الشعبي لساكنة تلعب الصحراء دورا أساسيا في تغذية الوجود الثقافي والفني لها.

 

رقصة الكدرة طقس رحماني

 

وشكلت رقصة الكدرة بالرحامنة طقسا قارا مصاحبا لأعراسها، ففي البحيرة حسب روايات شفوية تكون في البداية وفي الختم أي اليوم السابع. أما في منطقة بو شأن فتكون في اليوم السابع، وهي بمثابة إعلان عن نهاية خلوة العروس بعريسها، وبذلك تكون الرقصة كإعلان عن بداية لحظة جديدة تعلن فيها العروس بأنها( ستتحزم) وهذه الكلمة في المتداول اللغوي تعني الإستعداد لمتطلبات اليومي من أعمال واشغال، تتطلب بأن يكون الفرد حازما متيقظا.

هذا التواصل عبر الرقص تقوم به واحدة من قريبات العروسة ، وفي الأعم تكون من عدارى الدوار، وقد تكون طالقا حسب المتعارف عليه في الصحراء المغربية، ومن أساسيات ظهورها أن تكون في أبهى زينتها محجوبة عن الأنظار، ومن يعد الزينة واحدة من مسنات الدوار خبيرة فيها وفي إعداد موادها التي تكون في الغالب من مواد طبيعية، كما تكون خبيرة في التطبيب، وفي إعداد العقاقير . هذا التطبيب الذي كانت تقوم به نسوة داك الزمن يحتاج هو كذلك إلى توثيق.

يقول الباحث في التراث الحساني إبراهيم الحيسن بأن "رقصة الكدرة تتخد من الجسد خطابا، وحسب بارت فالجسد هنا موضوع فرجة لجسد متفرج". لكن الرقصة تتم في سياق ثقافي ، في كنفه الجسد ينتج علامات ، وإيحاءات هي مفهومة بين المرسل ، والمرسل إليه، والرسالة لا تحتاج إلى جهد كثير لفهم معانيها.

أولى الإشارات التي يريد المرسل إيصالها ، بأن اليوم هو يوم ختم ، وبوابة لدخول حياة الحزم والجد.

ثاني الإشارات بأن الراقصة من عدارى الدوار وهي ناضجة بيولوجيا، ومعنويا لتحمل وزر الحياة الزوجية، التي قد تكون من بين إيحاءات الرقصة التي تتم في تثاقل تام ، كتعبير عن المكابدة التي تواجه بها المرأة صروف الحياة . ولكنها تواجهها بجلد وإصرار.

لعبة الإخفاء والتخفي هي حساسية ثقافية تطبع الحياة المغربية سواء في بادية الرحامنة المغربية بالأقاليم الداخلية أو في الصحراء المغربية، فلغتهم تحتمل الكثير من المجاز، كما هو تواصلهم الإجتماعي فهو لا يتم في الكثير من وجوهه إلا مجازا ، ولكنه هو مجاز سهل لحل شفيراته لأنه منتوج لثقافة تعتمد التلميح بدل التصريح، للحفاظ على تراتبية أخلاقية ومعنوية داخل الدوار والعشيرة والقبيلة.

 

رابط الفيديو هنا