بعد أقل من سنتين، في سنة 2027، سيبلغ عمر "مقترح الحكم الذاتي"، لحل المنازعة في مغربية الصحراء، عقدين. المُقترح ليس فقط صمَدَ خلال هذه السنوات من التآمر الجزائري ضد الحق الوطني الوحدوي المغربي، بل انتشر وترسَّخ في مرجعية التعاطي الدولي مع النزاع، ليكتسب قوة المقترح الوحيد والسَّديد للْحلِّ.
المقترح تاريخيا محفورٌ على المرْمَر لصاحبه الملك محمد السادس... صدر عن حصافة عقله الاستراتيجي... وهو اليوم جاهز بأن يكون أرضية مفاوضات تستكشف تفاصيله، تزيد فيها أو تنقص، لمن يسعى جديا إلى السلم، وينطلق أولا من احترام السيادة المغربية امة على أقاليمه الصحراوية... المقترح ليس للعرض على صفحات الجرائد وبرامج التلفزة، وليس مغلقا، هو التعاطي الديبلوماسي المنطلق من رغبة أكيدة في حل سلمي، يوقف هذا النزاع الذي طال نصف قرن.
كان وضع النِّزاع في حالة جمود ومَجراه في ركود... أعلنت الأمم المتحدة عن استحالة إجراء استفتاء تقرير المصير، بعد سنواتٍ من الخوض في تحديد هوية اللوائح الاستفتائية الصحراوية... وما شهدته من محاولات البوليساريو لعرقلتها... المقترح فك الانسداد في وضع النزاع، وفتح مسارًا، جدِّيًا، سياسيا وواقعيا للحل، سنة 2007.
الملك محمد السادس، وهو الذي بَلْوَر للمغرب مشروع انتقال استراتيجي، بروَافع سياسية، مجتمعية، اقتصادية وثقافية، تشمل كل المغرب، وضمنه أقاليمه الصحراوية المحررة، شَحَن مُقترح الحكم الذاتي بالنَّفَس الديمقراطي، وصدَر فيه عن نزوع، أصيل، للسِّلم، ليُخْمِد مواقد التوتر في الجيرَة المَغاربية للمغرب. مَسار الاستفتاء توَقَّف، مقترح تقسيم الصحراء بين المغرب والبوليساريو وُلد ميِّتًا...
وبدا أن الوضع ماضٍ إلى استئناف الحرب وتوْسيعها... وكان ذلك يُرضي جنرالات الحكم في الجزائر، يُقوِّي نفوذَهم السياسي ويُبرِّره، وذلك أيضا ما "يَروق" للرئيس بوتفليقة وقد كان مَهووسا بمُشاكسَته المغرب ومُؤمِلا إضعافه...
استنفر الملك محمد السادس فيه شجاعة القائد التاريخي، فَحقَن صَرامة المَوْقِف الوطني المغربي بمرونة الاعتبار الديمقراطي، ليغتني المغربُ بحساسيات وطاقات كل جِهاته وأبنائه، مُعزِّزا السِّيادة الوطنية بالالتفاف الشعبي ومَناعة الوحدة الوطنية... وليكسب المغرب صَوْن كرامة الجزائر ومُغادَرَتها للمُنازَعة بشرَف، تَلِجُ به مَسار التعاوُن المَغاربي بلا جِراح وبطاقات التفاعل والتضامن للنهوض بتحديات البناء المجتمعي، الداخلي الجزائري والتعاون الخارجي المغاربي...
تطلّب الأمر سنوات من المواظبَة الديبلوماسية المَغربية، الجادة والمجتهدة، لكي يتفحَّص "المجتمع الدولي" مُقترح الحكم الذاتي، في مَراميه وفي سياقاته وفي تفاعُله مع التحوُّلات الجيواستراتيجية في المنطقة، وحواليْها، في إفريقيا وفي حوْض المتوسط... وتَرافق ذلك مع إثمار مَغرب العهد الجديد بما هو عليْه اليومَ من حيَوية اقتصادية واجتماعية ورَويَّة سياسية، وَضعتة في موْقع النَّافع لنفسه والنافع في كل علاقاته الدَّولية... كل علاقاته، مع تعدُّدها وتنوُّعها، في إفريقيا، في المُحيط العربي والمتوسطي، وفي ما يربطه مع أوروبا، مع أمريكا، بشمالها وبجنوبها، ومع روسيا ومع الصين...
المغرب عزَّز ريادته الإفريقية، بعودته إلى الاتحاد الافريقي، وبتجديد علاقاته مع عديد دول إفريقية، عبر تلك الزيارات الملكية التي جاوزت الخمسين لبُلدان إفريقية... وعبر إطلاق الملك محمد السادس لرؤية "على إفريقيا أن تخدم إفريقيا" بمبدإ رابح رابح... وامتدادا لتلك "العقيدة" تولَّدت المبادرة الملكية الأطلسية، وقاعدتها ميناء الداخلة، بالصحراء المغربية، وهي المُستقطبة، بما تعِد به من فوائد لدول السّاحل الإفريقي ومنها لدول غرب إفريقيا، وهي الآن قيْدَ فتح آفاق جديدة للتعاوُن الإفريقي مع دوَل الخليج العربي ومع أوروبا... إنها المنفعة العامة والشاملة...
وللمغرب فيها مَكانة الريادة وفضيلة المبادرة.. وهنا للصحراء المغربية موقع القاعدة الجيواستراتيجية، وضمنها فعالية المنصة الاقتصادية. ولذلك يقنع "الحكم الذاتي" المجتمع الدولي، كونه تمْنيعٌ للمغرب وتأمينٌ لسيادته، وهو المفيد لنفسه ولغيره...
للأسف الجزائر، تُمعن في مُعانَدة مَجرى التحوُّلات الجارفة في المنطقة نحو مستقبل مغاير لوضعها هي وللمنطقة حواليْها... هي اليوم مُجبرة، كما قال رئيس أركان الجيش السيد سعيد شنقريحة، قبل أيام على "الحفاظ على حالة التأهُّب الدائمة أمام تطوُّرات التهديدات الإقليمية"... وهو ما يناقض ما صرَّح به الأحد الماضي بأن "بلادنا وفية لمبادئها الثابتة في سياستها الخارجية من الاحترام المتبادل، حسن الجوار، الرفض القاطع لكل تدخُّل في الشؤون الداخلية للبلدان واحترام سيادتها...!..."
تصريح رئيس الأركان في مناورات الجيش بتندوف، شرحته جريدة "الوطن الجزائرية" بأن الجزائر مُهدَّدة في أمنها من جهة الشرق بسبب تصاعُد التحركات العسكرية للجنرال حفتر في ليبيا وعلى تماس مع الحدود الجزائرية... ومن جهة الغرب بمؤشرات عدائية مَغربية ضد الجزائر، وأيضا بالتهديدات الأمنية من جهة الجنوب عبر دول الساحل...
لا الجنرال ولا الجريدة قالا بأن الجزائر في عُزلة، هي مَن أوقعها فيها بتدخلاته المكشوفة والمعلنة في الشؤون الداخلية لجيرانها، وطبعا بإصرارها على العداء للمغرب برعاية وتوجيه الأداة الانفصالية...
وها هي تلك الأداة الانفصالية نفسها نَفَذ إليها مفعول "الحكم الذاتي"... من خلال تيار "صحراويون من أجل السلام"، والذي تشكل من قياديين ومن أعضاء في البوليساريو، وهو اليومَ يرى في الحكم الذاتي مُقترحا، فعليا وجدِّيا لحل النزاع، وممثلوه يجوبون العالم بتصورهم المناهض لخضوع قيادة البوليساريو لإرادة جنرالات الجزائر... تلك الحركة، تمكَّنت من اكتساب عضوية الأممية الاشتراكية في مؤتمر اسطامبول... وأغضب ذلك جماعة تندوف، لأنه يُبدِّد ادعاءً وَظّفته لعقود في ما مارسته من نصب وخديعة، بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي...
"حركة صحراويون من أجل السلام" ماضية في كسب التعاطف الدولي مَعها... وتساعدُها في ذلك منصة الأممية الاشتراكية، لأنها مُكوَّنة من أحزابٍ وحركات اشتراكية، منها أحزابٌ حاكمةٌ في أوروبا وفي إفريقيا وفي أمريكا الجنوبية... وهي في السَّعي تستنير بمقترح الحكم الذاتي، وعبره تُقنع مُخاطَبيها بجدِّيتها وجَدواها...
آخر مناسبة دولية توضح العزلة الديبلوماسية للجزائر، بسبب الانتشار الدولي للاقتناع بمقترح "الحكم الذاتي" لحل نزاع مفتعل وشاذ حول الصحراء المغربية، هو اجتماع اللجنة الرابعة، للأمم المتحدة، بتيمور الشرقية... الأسبوع الماضي... وفيه أعلن السيد عمر هلال سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، عن أن 116 دولة في العالم "أعربت عن دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي... في مقابل أن الدول التي ردَّدت، في الاجتماع نفسه اللغو الجزائري ليست إلا ثمانية دوَل، المماثلة للجزائر في الانتماء إلى عهد دولي بائد، مثل جنوب إفريقيا، الموزمبيق وفنزويلا... وهي دول ذكرتها الصحافة الجزائرية بالاسم، لقلتها ولحاجة الدولة لحلفاء، في هذا الجفاف الديبلوماسي الذي تعبره الجزائر...
"الحكم الذاتي" تتسارع خطى نفاذه إلى السياسة الدولية لحل المنازعة حول الصحراء المغربية، وتشتد وتكتسب مدًّا نوْعيا... لأنه مقترح ملك قائد تاريخي يذود عن مصالح بلاده وينافح عن السلم في امتداداته الجغرافية ويسعى إلى التنافع مع محيطه، بجدية وبواقعية وبنَفَس سلمي وتضامني صادق.