الأحد 24 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

خليل البخاري: إضاءة تربوية التعليم عن بعد

خليل البخاري: إضاءة تربوية التعليم عن بعد خليل البخاري

لقد أحدث انتشار فيروس كورونا أزمة كبيرة على مستوى القطاعات الاقتصادية في العالم، حيث اضطرت بعض القطاعات إلى التوقف عن العمل وتسريح العمال، في حين فرض على قطاعات أخرى استمرار العمل. ويأتي قطاع التعليم في مقدمة القطاعات التي واصلت العمل بلا توقف. هنا ظهرت مبادرة التعلم عن بعد التي اختصرت الزمان والمكان والتي أفرزتها جائحة كورونا. وبفضل جهود وزارة التربية الوطنية، نساء ورجال التعليم والمشرفين التربويين وبعض الشركاء، مثل المكتب الشريف للفوسفاط، تمكن القطاع التربوي والتعليمي من مواصلة  التعليم واستمرارية التلاميذ.

 

لقد أشاد التربويون وأولياء الامور بجهود كل الفاعلين في منظومة التعليم من أجل إنجاح تجربة التعليم عن بعد، والتي تعتبر رسالة للمجتمع تحمل في طياتها تحمل المسؤولية والإيجابية في كل الأزمات. ويعتبر التعلم عن بعد اداة للتغلب على العوائق الزمنية والمكانية، كما يعتبر فكرا جديدا يعزز مسارات التعلم الذاتي ويؤدي إلى نظام التعليم المفتوح وضمان استمراريته.

 

إن التعلم عن بعد يعتبر فرصة ومساحة لإعادة النظر في محتوى التدريس وطريقة التدريس؛ كما يشكل تحديا كبيرا لاولياء الأمور .

إن تجربة التعليم عن بعد أجبر التلاميذ والتلميذات على الجلوس بواقع خمس ساعات يوميا أمام الأجهزة الإلكترونية وعلى حل واجب المدرس وإرساله إليه. ومن هنا يمكن القول بأن هناك مؤسسات تعليمية تطيل الدوام لحصص غير تفاعلية وتجبر التلاميذ على الجلوس للاستماع نصف يوم، ولا تراعي صحة عيونهم ولا الوضع النفسي لهم. كما أن هناك أمهات غير موظفات، ولكن لديهن مسؤوليات منزلية مختلفة، لا يستطعن التفرغ والجلوس أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية طوال اليوم.

 

إن أزمة كورونا لها بعد إيجابي، وتعلمنا اليوم منها أشياء كثيرة، منها أن الآباء والأمهات بحاجة الى الانخراط مع أبنائهم ومشاركتهم لعمل الأساتذة.

إن أزمة كورونا أسهمت في تمكين التعلم عن بعد الذي بدأ يلوح في المستقبل بعد النجاحات التي حققها في المجتمع. وتجربة التعليم عن بعد تعتبر تجربة متفردة تجسد مسارات متنوعة لتحقيق توجهات الدولة في بناء نظام تعليمي يرتكز غلى التكنولوجيا والحلول التقنية، كما يعتبر صورة واقعية للتعليم المستقبلي الذي يدعو التلاميذ للتعلم خارج الفصول الدراسية المعتادة مدعومين بأجهزة مختلفة ومتمتعين بالاستقلالية وزيادة الدافعية نحو التعليم وجودة المخرجات بما يواكب المتغيرات وتنوع مصادر التعلم وعدم الحاجة الى التنقل.

 

إن تجربة التعليم عن بعد عكست أهمية التكنولوجيا وتوظيفها في حياتنا اليومية. وتعد طريقة مبتكرة وفعالة، لكن لا يمكن الاستغناء عن أسلوب التعلم الحضوري. فالتعلم عن بعد  ينبغي في نظري أن يكون رديفا للتعلم الحضوري.

إن تجربة التعليم عن بعد يتضمن بعض السلبيات أبرزها عدم وجود تفاعل حقيقي بين التلميذ والمدرس وصعوبة تطبيقه في بض التخصصات القائمة على التجارب والأبحاث إضافة الى عدم التواصل مع زملاء المدرسة وغياب روح المنافسة التعليمية والخوف من وقوع مشكلات تقنية أو فنية أثناء استعمالها في عرض المحتوى التعليمي. ومن السلبيات كذلك انسحاب بعض التلاميذ قبل نهاية الحصة التعليمية تدخل بعض المشوشين في الخط، والذين يقومون بقرنصة الرابط.

 

أمام تجربة التعليم عن بعد، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه: هل انتهى دور المدرس في ظل هذا النظام الجديد من التعليم؟

 

أعتقد بان دور المدرس حيوي وضروري. فالتعليم لابد أن يكون له طرفان هما: الأستاذ والتلميذ بغض النظر عن آلية التعليم. ففي ظل عصر التكنولوجيا الحديثة سيزداد دور المدرس ومكانته لأنه سيصبح هو المصمم والمشرف والمخطط للتلاميذ نحو الإبداع. لكن هذا لا ينطبق على جميع الأساتذة. لذا فعلى كل مدرس مواكبة التقدم والتطور حتى يبقى القدوة المثلى للتلميذ ويتأقلم مع واقعه. فقد أصبح العصر هو عصر التعليم الإلكتروني، والذي هو جزء من التعليم عن بعد.

 

- خليل البخاري، باحث تربوي