أثار تصريح محمد أوجار، الوزير السابق وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، نقاشا جديدا حول طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والجهاز الإداري في المغرب، بعد أن تحدث عن ما سماه "البيروقراطية الثقيلة" التي تحد من فعالية العمل الحكومي والمنتخبين. ورغم حدة التعبير، فإن جوهر الإشكال الذي طرحه يتجاوز لحظة سياسية ظرفية ليلامس سؤالاً مؤسسيا ظل مطروحاً منذ اعتماد دستور 2011 كيف نترجم طموح الإصلاح إلى نتائج ملموسة داخل بنية إدارية معقدة ومتعددة المستويات؟
ما يمنح تصريح أوجار أهميته ليس فقط موقعه السياسي، بل كونه يتحدث من خبرة طويلة داخل مؤسسات الدولة. فحين يشير إلى أن الوزراء "يجدون أنفسهم في موقف ضعف بعد تشکیل الحكومة"، أو أن الجماعات الترابية لا تدبر سوى "حوالي 10% من الميزانيات"، فهو يسلط الضوء على واقع موضوعي واجهته مختلف التجارب الحكومية المتعاقبة الحدود الضيقة التي تتحرك داخلها السلطة التنفيذية حين تصطدم بشبكات إدارية راسخة وتقاليد عمل تستعصي على التغيير السريع.
ولا يكتفي أوجار بوصف الوضع، بل يذهب أبعد حين يدعو إلى مناقشة آليات المحاسبة داخل جهاز الدولة، متسائلاً بنبرة عن الجهة التي تحاسب كبار المسؤولين المعينين، من ولاة وعمال و مديرين مركزيين باعتبارهم طرفاً رئيسياً في تنفيذ السياسات العمومية.
منذ تبني الجهوية المتقدمة، قطع المغرب خطوات مهمة في إعادة تنظيم العلاقة بين المركز والجهة. غير أن تنزيل هذا الورش ظل تدريجياً، بل بطيئا أحيانا، بسبب طبيعة انتقال الاختصاصات وتلازمها مع تحويل الموارد البشرية والمالية. هذا التدرج، وإن كان مفهوما من زاوية الاستقرار المؤسساتي، يفتح نقاشاً حول كيفية تعزيز استقلالية القرار المحلي وتوسيع هامش المبادرة لدى المنتخبين دون المساس بالتوازنات الكبرى التي تحرص الدولة على صيانتها.
وفي هذا السياق، يمكن قراءة تصريح أوجار كتذكير بضرورة استكمال حلقات الإصلاح الإداري وتعزيز الحكامة، وتوضيح خطوط المسؤولية داخل الإدارة العمومية. وهي قضايا تندرج في قلب الأوراش الملكية المتعلقة بالنموذج التنموي الجديد، الذي وضع فعالية الدولة وشفافية القرار في صلب أولوياته.
رغم لغة التصريح، فإن رسالته المركزية تبدو أقرب إلى دعوة هادئة لإعادة التفكير في التعاقد القائم بين الفاعل السياسي والجهاز الإداري. وهو نقد من داخل المؤسسة ذاتها، لا يستهدف الأشخاص بقدر ما يدعو إلى تطوير الممارسات. ولعل تأكيد أوجار على أنه "لا يمكن تحميل المنتخب وحده مسؤولية الإخفاق" يحمل في طياته رغبة في توزيع موضوعي للمساءلة، بما يضمن الانسجام بين من يصنع القرار ومن ينفذه.
ومن زاوية أخرى، فإن هذا التصريح، حين يُقرأ بقدر من التبصر، يعكس نضجا في النقاش العمومي، حيث بات الفاعلون السياسيون يطرحون علنا أسئلةحول الفعالية، وتدبير الموارد وضرورة تحديث الإدارة، ضمن إطار مؤسساتي واضح ومحكوم بضوابط الدولة والقانون.
ومن زاوية أخرى، فإن هذا التصريح، حين يُقرأ بقدر من التبصر، يعكس نضجا في النقاش العمومي، حيث بات الفاعلون السياسيون يطرحون علنا أسئلةحول الفعالية، وتدبير الموارد وضرورة تحديث الإدارة، ضمن إطار مؤسساتي واضح ومحكوم بضوابط الدولة والقانون.
إن النقاش الذي أعاد أوجار فتحه ليس جديداً، لكنه يكتسب اليوم أهمية خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المغرب. فنجاح الأوراش الوطنية الكبرى من الاستثمار العمومي إلى الجهوية المتقدمة، ومن إصلاح الإدارة إلى تحسين جودة الخدمات يحتاج إلى انسجام أكبر بين الرؤية السياسية وقدرات التنفيذ، وإلى علاقة أكثر وضوحاً بين السلطة المنتخبة والجهاز الإداري المعين ، علما أن جزء كبير منه تعينه الحكومة.
ويبدو أن المرحلة المقبلة تتطلب حلولاً مؤسساتية، قادرة على تعزيز التنسيق، وتبسيط المساطر، وتقوية آليات التقييم، دون الإخلال بالتوازنات التي تشكل أحد أعمدة استقرار التجربة المغربية.
تصريح أوجار، بغض النظر عن زاوية تقييمه، يفتح نقاشا ضروريا حول فعالية الدولة المغربية في سیاق مشاريع تنموية طموحة. وهو نقاش ينبغي أن يستمر بروح بناءة، تجمع بين واقعية التشخيص وهدوء الإصلاح، وتضع مصلحة المواطن في قلب التفاعل بين السياسي والإداري.
فالمسألة في النهاية هي بحث مشترك عن أفضل الصيغ التي تجعل الإدارة رافعة للتنمية، لا عائقاً أمامها، وتجعل السياسة أداة للتوجيه الإستراتيجي، لا عنوانا للمساءلة وحدها.
فالمسألة في النهاية هي بحث مشترك عن أفضل الصيغ التي تجعل الإدارة رافعة للتنمية، لا عائقاً أمامها، وتجعل السياسة أداة للتوجيه الإستراتيجي، لا عنوانا للمساءلة وحدها.