بلباسه الذي أطل به علينا، خلال الاجتماع الاستثنائي لمجلس الحكومة، والذي ترأسه رئيس الحكومة من منزله، وعبر تقنية التواصل السمعي، تقنية "الفيديوكونفيرسيون"، تماشيا والتدابير الاحترازية للحد من انتشار وباء كوفيد19.. موضوع الاجتماع كان المصادقة على مشروع مرسوم تمديد حالة الطوارئ الصحية الذي تقدم به وزير الداخلية. يكون العثماني بهذا اللباس قد كذَّبَ كل ما كُتِبَ ودُوِّن وتألف عن المسؤولين من أعراف وبروتوكولات رسمية وجزئيات مختلفة من كاريزما ولباس، وأشياء أخرى تتطلبها الصفة كرئيس حكومة، حيث التفريط أو إسقاط أحد هذه الجزئيات يُحْسَب ضمن خانة الضرب من الاستهتار، وقد تُكلِّف صاحبها ثمن ذلك..
فمعالي رئيس الحكومة لف كل هذه الأقاويل ضاربا بها عرض الحائط، وهو يظهر مرتديا قماشا لا هو بالزي الرسمي ولا هو من فصيلة اللباس المغربي التقليدي من جلباب وطربوش. ظهر أمام حاسوبه وهو بلباس يمكن أن نسميه "قشابة" أو لحاف.. زي لا يعكس البتة موقعه كرئيس للحكومة، وكأنه يستهتر برئاسة الحكومة كمؤسسة، وإن كان في منزله إلا أنه في اجتماع لمجلس حكومي فلا بد أن تلازمه صفة رئاسة الحكومة ولو كمؤسسة معنوية، ومن الوقار للمؤسسة والصفة التي تبدو على غير المقاس تماماً كالجبة أو "القشابة" الفضفاضة التي كان جسمه داخلها خلال الاجتماع.. كان من الأجدر أن يرتدي لباساً رسمياً أو أن يلبس اللباس التقليدي المغربي "الجلباب والطربوش"، أما أن يرتدي ذلك القماش الذي ظهر به، فهو استهتار يمكن إضافته لسلوكات وخرجات سابقة كان لها من السذاجة والسفاهة اللَّغْوية (لغو) لا اللُّغَوية (لغة) ما كان.
ولعل ارتداءه للكمامة الواقية بشكل غريب لم يسبقه في ذلك وزير ولا حقير، وهو يلبسها نصف لبسة ملصقا بنصفها على أذنه، دون الأخرى، في وقت كان من الأجدر به وهو رئيس للحكومة أن يكون قدوة للمغاربة في حثهم على ارتداء الكمامة وبالشكل الصحيح والصحي تفاديا للعدوى.
سلوكيات العثماني وخرجاته المتسمة بالغرابة لا يمكن عدها في مقال أو حدها في مقالات، ونحن نستحضر هنا المثل القائل، "لسان الحال أفصح من لسان المقال"، لسنا من أصحاب التخصص في تحليل سلوكيات وخرجات الزعماء لنحلل ونفتي في ذلك، حتى يكون حينئذ لسان مقالنا قد أفصح وحقق الفصاحة، لكن المؤكد الذي قد يؤكده المختصون في علوم النفس، أن مثل هذه السلوكيات وإن كانت جزئيات، فمن السوي، والقاعدة هنا تقول أنها كانت من الطبيعي -القاعدة- أن تكون بعيدة أبعد حد عن رجل ظل يمتهن مهنة الطب النفسي لعقود، حتى هبت به رياح تطايرت معها وزرة الطبيب، واستبدلها ب"قشابة" السياسة أو "التسيس".
فأقبح خُلَّة هو أن يتخلى الطبيب عن وزرته صيفاً مجافياً معارفه ويستبدلها بـ "القشابة" السياسية شتاء. فما يسعنا إلا أن نستحضر بعض الأبيات عن قصيدة "الصرار والنملة"، وكأن لسان الحال ينوب عن حروف المقال، ويقول:
ماذا فَعلتَ في حَصيدٍ قد مضى
قال لها كان زمانٌ وانقضى
قالت وما ادخرتَ فيه للشِّتا
قال لها مستهزئاً منكتا
كنت اغني للحمير القُمَّص...
أما وإن كانت من الشذوذ فنقول أنه يستثنى الشاذ من القاعدة. فهل لباس رئيس الحكومة بتلك الطريقة يعد ضمن الغباء السياسي، أم استهتار عفوي؟ وإن كان الطرح الأول أو حتى الثاني لماذا اختار ذلك القماش "الفوقية" ذات الدلالة الفقهية والتمثلات الدينية؟ أم أن الرجل له في زيه مآرب أخرى.
في نفس السياق وفي عز تفشي الوباء الكوفيدي ظهر رئيس جماعة طنجة، وهو من لفيف الحزب الإسلامي، الأول والثاني أخوين من الرضاعة الأيديولوجية، بدى وهو يحشد خلفه حشد من الصحفيين المحسوبين ومن التابعين لهم ومن تبعهم من المتزملين بعدسات الكاميرات والميكروفونات ومختلف المنابر الإعلامية، وهو يستظهر بملء فيه موضحاً مطمئناً للناس بأن جماعته وبتدبير حزبهم الإسلامي (العدالة والتنمية) أعدوا العدة عتاداً وعداً من 200 تابوت للموتى، ومستودعين للتبريد جاهزين لحفظ الأموات، تأهباً من مجلسه الموقر لاستقبال جثت لمصابين محتملين بفيروس كورونا، صحيح يجب توفر ذلك، لكن استعراض هذا أمام الكاميرات والادعاء به كإنجاز للتباهي فهو يتنافى وكل الأخلاق، بل من شأنه زرع الهلع ونثر الرعب بين ربوع المواطنين أكثر من طمأنتهم بوجود توابيت ومستودعات تبريد تحمي جثتهم من العفن، بمعنى كأن سيادة الرئيس لسان حاله ينطق بالبشرى لأهل الشمال، ناصحاً لهم أن يموتوا وهم مرتاحو البال.
قد تكون اختلطت عليه المرادفات وتراكبت في تلافيف مفكرته المفردات، فاستعصى عليه تمييز الظَّن من الظِّن بل ربما تغشى عليه الظَّن بوشاح الضَّن، فما بدى عنده غير الضن شحاً وبخلاً، لكنك أيها الرئيس عوض تغليب الضن عن الظن، كان من الأجدر والأبهى تصوير ما أعدَّتهُ جماعتكم وبتدبير حزبكم، من تجهيزات وأَسِرة إنعاش ومستوصفات، لطمأنة الناس وزرع التفاؤل عوض فعلكم هذا الذي اقترفتموه، نقول هذا مستحضرين قول الشاعر:
مرض الحبيب فعدته
فمرضت من حذري عليه
جاءني الحبيب يعودني
فشفيت من نظري إليه
هذه السلوكات والخرجات الشاذة من السادة "الساسة" منتمو حزب العدالة والتنمية قد ألفناها وتعودنا عليها، ولعل أخبار الصفقات المغشوشة والرشاوى والاختلاسات المالية والفضائح الجنسية ارتبطت بجل منتخبيهم، ومن قال العكس، فعناوين الجرائد اليومية لا تخلو من ذلك، لكن الغريب هو أن تستمر هذه الخرجات والهرطقات في زمن جائحة كورونا، وما يحتاجه الوطن من فعل رزين أو صمت حكيم.
- عبد الله أطويل، أستاذ مادة علوم الحياة والأرض