الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

جمال المحافظ: وكالة الأنباء بين المسار والانتقال 2000–2011 والعبث والانكسار2011- 2019

جمال المحافظ: وكالة الأنباء بين المسار والانتقال 2000–2011 والعبث والانكسار2011- 2019 د.جمال المحافظ
تحتفل وكالة المغرب العربي للأنباء هذا العام 2019 بذكرى مرور 60 سنة على تدشينها في 18 نوفمبر 1959 من طرف المغفور له محمد الخامس، الذي اختار لها شعار" الخبر مقدس والتعليق حر"، كشركة مساهمة تنتمى للقطاع، وبقيت في هذا الإطار إلى غاية سنة 1974 حيث أصبحت تابعة للدولة، لتتحول في سبتمبر 1977 الى مؤسسة عمومية.
فهذه الوكالة التي بدأت في مقر متواضع بزنقة اليمامة بجانب محطة القطار الرباط المدينة، اصبحت منذ سنة 1988 تتوفر على مقر جديد عصري، يوفر شروط العمل الاعلامي والاداري في ظروف مناسبة تتلاءم مع تلك الحقبة. فأهداف الوكالة كان محددا في تلك المرحلة بالخصوص في "تغطية الأحداث الوطنية والدولية، وبث الأخبار على مدار الساعة، طيلة أيام الأسبوع بأربع لغات، هي العربية ثم الفرنسية، والإنجليزية والفرنسية فضلا عن "توزيع وتسويق النشرات الإخبارية داخل وخارج المغرب، وبعض نشرات وكالات الأنباء الأجنبية"
كانتدبير شأن الوكالة الى حدود 2011 يتم وفق هيكلة بسيطة تضم بالإضافة الى في المجلس الإداري، من مدير عام، ومديريات الإعلام، ( القلب النابض فى مرحلة ما قبل 2011الدستور الجديد!!) و التكنولوجيات الحديثة، والشؤون الإدارية والمالية، والشؤون التجارية والعلاقات الخارجية. ويشتغل بها يناهز 600 مستخدما، منهم 311 صحفي و47 تقني وإعلامي واحد، و229 إداري. كما تتوفر الوكالة على 25 مكتبا جهويا، تتولى تغطية للمناطق والمدن المغربية. أما على الصعيد الدولي فكان هناك 23 مكتبا دوليا في بعض العواصم والمدن الدولية، فضلا عن 12 مراسلا دوليا في عدد من الدول والعواصم الدولية.
أما بالنسبة للنشرات الإخبارية، فكانت هناك نشرة عامة باللغة العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية. بالإضافة إلى الأخبار الموضوعاتية، تبثان في نشرات خاصة باللغتين فرنسية والعربية منها الأخبار الرياضة والأخبار الجهوية، فضلا عن نشرات المغرب العربي، والحياة السياسية والنقابية والثقافية، علاوة على خدمة MAP mobile للرسائل الهاتفية القصيرة على الهاتف المحمول والأخبار التي يمكن الولوج إليها بسهولة، عبر بوابة وكالة المغرب العربي للأنباء باللغات الأربع المستعملة داخل الوكالة.
كما كانت هناك مشاريع قيد الانجاز منذ عهد مديرها المرحوم عبد الجليل فنجيرو، من قبيل MAP tvالتي تم وضع الأسس لها لبدء العمل بهذه الوحدة المتخصصة في إنتاج هذه المادة الاعلامية.
لقد تداول على تدبير شؤون وكالة المغرب العربي ما بين 1959 و2011 (سنة الدستور الجديد الحالي) خمس مدراء، كان أولهم من جيل الرواد المرحوم المهدي بنونة ( أول مغربي يحصل على شهادة جامعية في الاعلام) والمرحوم عبد الجليل فنجيرو ليخلفه ياسين المنصورى ثم كلا من محمد خباشي وعلي بوزردة.
فالتحولاتالعميقةالتي شهدتها وكالة " لاماب" خاصة منذ سنة 1999 والي غاية 2011، شملت بالخصوص الجوانب المهنية، حيث لم تتم هذه التحولات بمعزل عن المحيط العام الذي تتحرك ضمنه هذه المؤسسة، إن كان على الصعيد الوطني أو الدولي، ذلك المحيط الذي شهد خلال تلك الحقبة بدوره تغيرات جذرية على كافة المستويات، ومنها على وجه التحديد حقل الإعلام والاتصال، وبروز مناخ جديد للممارسة الصحفية، ومفاهيم وتصورات مبتكرة للعملية الإعلامية، خاصة في أبعادها التكنولوجية.
وبرصيدها التاريخي، واستنادا إلى ما تراكم لديها آنذاك من تجارب وخبرات الرعيل الأول من الصحافيين، ومن تبعه إلى حدود سنة 2011، سايرت الوكالة، هذه المتغيرات الوطنية والدولية، باختبار ومهنية، وأبان صحافيو الوكالة عن علو كعبهم وعن تحكم في أدوات العمل الصحافي الذي تتطلبه وكالة وطنية للأنباء، تسعى إلى مزيد من الإشعاع على المستوى الإفريقي والعربي بل أيضا على صعيد بلدان الجنوب كافة.
لقد تم التركيز ما بين سنوات 2009 و 2011 على وجه التحديد على إضفاء مزيد من المهنية على منتوج الوكالة وتطويره وتنويعه والارتقاء به إلى مدارج الاحترافية المعمول بها في وكالات الأنباء العالمية، وهو كان جليا من خلال مضمون التقارير والتغطيات الإخبارية التي عرف مجالها اتساعا كبيرا، شمل إلى جانب الأخبار ذات الطبيعة الرسمية، مواكبة أخبار المجتمع بمكوناته وأطيافه السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.وفي هذا الصدد أضحت الأخبار المتعلقة بالأحزاب السياسية والمنظمات المهنية والنقابية والحقوقية والجمعيات الثقافية حاضرة بنسب عالية في نشرات الأخبار اليومية للوكالة، بما يعكس توجها ملحوظ نحو التعددية.
ونتج عن هذا الاتساع بطبيعة الحال ارتفاع في كمية القصاصات الإخبارية التي تبثها الوكالة يوميا، على نشراتها، حيث فاق عدد هذه القصاصات 700 وحدة باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية، تساهم في إنتاجها نشرات إخبارية متخصصة، أقدمت الوكالة على إحداثها في سياق تنظيم العمل وعقلنته والرفع من جاذبيته. وكانت في طليعة هذه النشرات، نشرة المغرب العربي، التي كانت عبارة عن رصد يومي حي للأخبار من العواصم المغاربية ، يتم تحريرها من لدن مكاتب الوكالة المنتشرة في البلدان الخمس (المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا). وقد جاءت هذه النشرة في تلك الفترة لتعكس تشبت المغرب بالعمق الاستراتيجي المغاربي، وإيمانه الراسخ بوحدة هذا المصير المشترك، كما جاءت لتلبي حاجة ملموسة لدى وسائل الإعلام الوطنية خاصة منها السمعية البصرية، التي تبث في نشراتها الإخبارية مضامين نشرة المغرب العربي.
كما تعتبر النشرة الرياضية التي شرعت الوكالة في بثها في فاتح مارس 2010 باللغتين العربية والفرنسية، تقدما مهما في سياق عملية التطوير وتنويع منتوج الوكالة، وهي مبادرة كانت غير مسبوقة على صعيد الوكالات العربية والإفريقية، وجاءت هذه النشرات تتويجا لتجربة وحدات التحرير الموضوعاتية، في الثقافةوالاقتصاد والمجتمع والمتفرقاتوقد تزامن ذلك مع وضع اللبنات الأولى لإحداث قسم للأخبار الاقتصادية بعد أن أصبح الخبر الاقتصادي، يشكل نسبة مهمة ضمن النشرة العامة للوكالة. وبالموازاة مع ذلك عرف المنتوج تنوعا تمثل على الخصوص في خدمات الرسائل الإخبارية القصيرة sms على الهاتف المحمول، والتي تبثها الوكالة بالسرعة والدقة والجودة المطلوبة، إلى جانب خدمة الصورة التي أضحت في وقت وجيز تضاهي من حيث جودتها وشموليتها الخدمات الإخبارية المكتوبة للوكالة.
وكان اختيار تعزيز خدمة الصور في شبكات الإنتاج للوكالة موفقا إلى حد كبير، لأنه انسجم آنذاك مع تطوير موقع الوكالة على الأنترنيت الذي كان في حاجة إلى الصور، إلى جانب النص المكتوب لإضفاء مزيد من الحيوية على الموقع. فالمكاتب الجهوية التي يشتغل بها طاقم صحفي محترف كانت تعتبر المزود الرئيسي لوسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمسموعة والمرئية بالخبر الجهوي، بمحاولة تحقيق التنوع والموضوعية.
ويمكن القول بأن تجربة المكاتب الجهوية خلال تلك الفترة ( 1999- 2011 ) عرفت مستوى من النضج، جعل من الضروري التفكير في الانتقال إلى مستوى جديد في أسلوب تدبير الخبر الجهوي، وذلك عبر التفكير ووضع اللبنات الأولى لإحداث رئاسات تحرير جهوية، تكون بمثابة وحدات تحرير كبرى، تنضوي تحتها عدد من المكاتب المحلية والجهوية، لتصبح رئاسة التحرير على المستوى الجهوي، هي المخول لها مهنيا بتدبير التغطيات والأخبار والتحقيقات والمقابلات الصحفية على مستوى الجهة، وتنسيق عمل المكاتب الجهوية في هذا المجال.
وعلى المستوى الدولي كانت المكاتب الدولية للوكالة تكتسى الأهمية ذاتها، لتشكل بذلك رافدا أساسيا للخدمات الإعلامية للوكالة، ومصدرا لا محيد عنه للخبر الوطني في الخارج.فشبكة المكاتب الدولية بما فيها المراسلون الصحفيون التي كانت تتوفر عليها الوكالة في أكثر من 30 عاصمة عبر العالم ما بين 1999- 2011، جعلتها في مقدمة الوكالات العربية والإفريقيةالتي تتوفر على عدد كبير من الصحفيين والمراسلين ناهز 50 صحفيا يتم تعيينهم بعد عمليات الترشيح التي سنتها الوكالة آنذاك بشراكة مع الصحفيين، ووفق مساطر ومقتضيات التداول والحكامة والشفافية،
ومهما كانت درجة الأهمية التي توليها الوكالة لتحديث وعصرنة هياكلها، فإنها كانت لا توازي الأهمية الفائقة التي توليها لمواردها البشرية، والتي كانت تضعها الوكالة في صدارة الأولويات، يقينا منها بأن الارتقاء بجودة المنتوج، تمر حتما عبر تدبير محكم للموارد البشرية، واستراتيجية للتكوين تأخذ بعين الاعتبار من جهة حاجيات الصحفيين، وتتماشى من جهة ثانية مع خطة الوكالة في التطوير والعصرنة.
وهكذا انكبت الوكالة خلال هذه المرحلة، على وضع سياسة للتكوين المستمر والمنتظم شمل العديد من الأطر العاملة في الوكالة بمختلف مجالات عملهم وتخصصاتهم، مع ايلاء أهمية خاصة لفئة الصحفيين باعتبار ان الوكالة مؤسسة اعلامية بامتياز.
وعلى مستوى مواكبة التطور الحاصل في قطاع التكنولوجيات الحديثة وتقنيات الاتصال، كانت الوكالة قد عملت على توفير الوسائل التقنية والأنظمة المعلوماتية الملائمة على المستويات المركزية والجهوية والدولية لتمكين الصحفيين والعاملين بها من القيام بعملهم في أفضل الظروف وبالسرعة المطلوبة.
إن هذه المساهمة في حفظ ذاكرة وكالة المغرب العربي للإنباء، من التلفوالنسيان- مهماكان الاختلاف في توصيف هذه المرحلة- التيتكون قد شابتها بعض السلبيات، الا أن ايجابياتها كانت أكثر - لا تبتغى سرد الإنجازات التي حققتها الوكالة، وهي إنجازات - حسب المتابعين للشأن الاعلامي- يحق أن تكون ليس مصدر اعتزاز وفخر ذاتي وإنما للمشهد الإعلامي وللعاملين فيه، بل تريد أن " هذه المساهمة" أن تستشرف المستقبل عملا بالقاعدة المهنية في الوكالة وفي الصحافة عموما والتي تقول ليس الخبر هو ما كتب بل هو ما سيكتب.
وهكذا فإن تعديل أو تغيير القانون الأساسي المنظم للوكالة أو البحث عن شكل جديد له- وهذا ما طرحه بوضوح صاحب هذه المقالة، سواء من موقع المسؤولية المهنية أو من موقع المسؤولية النقابية أيضا- كان يقع في صدارة الأولويات، من أجل أن تتوفر الوكالة على وضع قانوني يستوعب التطور ويمنح المؤسسة شكلا جديدا يتماشى مع التوجه العام الذي عرفته مؤسسات إعلامية عمومية مماثلة. وهو ما جعل مطروحا في تلك المرحلة، اطارا وشكلا جديدا للوكالة من الناحية القانونية سيكون له أثر إيجابي ليس فقط على موقع الوكالة ومكانتها التي كانت قاطرة للإعلام الوطني على كافة المستويات، المهنية والتكنولوجية بل سيكون له أثر إيجابي جدا على أداء العاملين، إذ سيزيد من تحرير طاقتهم الإبداعية، ومن ارتباطهم المتين بالعمل داخل الوكالة.
لقد شهدت المرحلة التي نحن بصدد الحديث عنها، مغادرة عدد من صحافيي الوكالة نحو وسائل إعلام أخرى نحو الخارج. وإذا كان هذا الأمر يشكل مبعث اعتزاز للوكالة، لكون هذه الأطر استطاعت بفضل خبرتها التي اكتسبتها داخل الوكالة من إثبات مكانتها في الإعلام الدولي، فإنه شكل في نفس الوقت مبعث قلق لأن بعض هذه الأطر تغادر بحثا عن أجور ليس في مقدور الوكالة تلبيتها في الوقت الراهن، وايضا لبعضها الآخر للبحث عن مساحة حرية أكبر، ومن ثمة فإن تحسين شبكة الأجور كان يكتسي صفة الاستعجال في تلك الفترة .
إلى جانب ذلك، واجهت الوكالة مسألة تتعلق بالبنية الديمغرافية للعاملين، والتي حتمت انتهاج سياسة توظيف داخلية خاصة، لتلافي النقص في الموارد البشرية، خاصة في سلك الصحفيين، جراء المغادرة الطوعية التي عرفتها الوكالة، وأيضا بلوغ عدد من الصحفيين سن التقاعد.
وإذا كانت وكالة الأنباء المغربية، قد شكلت خلال تلك المرحلة خاصة ما بين سنة 2000 و2011
اهتماما مركزيا لدى كافة الفاعلين خاصة في الحقل الإعلامي باعتبارها أداة استراتيجية عمومية في ميدان الاعلام؟ فما هو حال الوكالة في زمن دستور 2011؟ انها مرحلة وإن كانت مغايرة بأوضاعها وأبطالها الهامشيون في محراب صاحبة الجلالة، والأساسيون في " البزنس ادارة الاعمال".
انها بالفعل - حسب الوقائع والأحداث- قصة من قصص الخيال العلمي لمؤسسة اعلامية تقول بأنها "تطمح لان تكون وكالة أنباء القرن 21". وهو ما يجعل التساؤل مشروعا حول هل زمن وكالة الأنباء انتهى بفعل ما تعيشه من انكسار وانحدار ، كما انتهت مطبعة الستانسيل؟ كما تساءل الزميل عمر أشن في احدى مقالاته الساخرة.
ليس الخبر هو ما كتب بل هو ما سيكتب. للحديث بقية رمضان كريم.