غريب أمر بعض السياسيين ببلادنا، يتعاطون مع الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلادنا انطلاقا من موقعهم من السلطة ومما يحصلون عليه من امتيازات، وليس انطلاقا من هذا الواقع نفسه، بإيجابياته وسلبياته.
وهكذا نراهم يطبلون للسياسة المتبعة ولإنجازاتها، حتى وإن كان تأثيرها على هذا الواقع محدودا، إن كانوا يتربعون على كراسي السلطة، ثم ما يلبثوا أن ينقلبوا على هذه السياسة، التي كانوا هم وأحزابهم من المشاركين في وضعها أو من المزكين لها، إن هم غادروا هذه الكراسي الوثيرة.
إنه فعلا لسلوك يتنافى مع الثقافة الديمقراطية التي يتشدق البعض بالانتماء إليها صباح مساء، ومع الوطنية الحقة التي تقتضي أن ينظر السياسيون إلى الأجيال القادمة وليس إلى الانتخابات المقبلة، لأن هذه الأخيرة ليست إلا وسيلة لتحقيق برامج تعكس طموحات شعبنا في التقدم وفي العيش الكريم. ولكنها مع الأسف أصبحت غاية في نظر محترفي "مهنة" النيابة عن الشعب الذين تراهم باستمرار ينتقلون من مجلس إلى آخر، وإذا ما اضطرت ظروف ما أحدهم لترك مقعدة فانه يورثه لأحد أبنائه أو أحد أفراد عائلته، وكأن هذه المهمة التمثيلية المفروض أنها نبيلة، وأنها تكليف بمهام جسيمة، قد انحطت إلى مستوى الوظيفة، وأصبحت السياسة انطلاقا من ذلك و كأنها "عمل من لا عمل له".
إنه واقع مريض، ارتبطت فيه السلطة بالمال الغير مشروع في أغلب الأحيان، وكثرت فيه الطفيليات والفيروسات التي تنخر كيان المجتمع وتهدد حاضره ومستقبله. ومع ذلك نجد من يستغرب ويتساءل عن سبب عزوف المغاربة عن المشاركة في الحياة السياسية. والحال أن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يطرحه البعض على نفسه هو: لماذا تراجع دور الأحزاب الوطنية والديمقراطية التي لعبت في الماضي دورا أساسيا في بلورة الأفكار والمشاريع المجتمعية الكبرى وخاضت صراعات كثيرة ومريرة من أجل تحقيقها؟ ماذا تحقق من هذه الأفكار والمشاريع التي كانت بالتأكيد ستغير واقعنا اليوم حتى تتراجع هذه الأحزاب إلى الوراء وتتنكر لتاريخها وتضحيات مناضليها؟ أين نحن من أخلاق ووطنية جيل السياسيين والمقاومين المغاربة الأوائل الذين ناضلوا من أجل استقلال بلادنا دون أن ينتظروا مقابلا لذلك سوى أن يروا وطنهم ينعم في الحرية ويعيش حياة ديمقراطية تجني ثمراتها كافة فئات شعبنا، وليس حفنة من الانتهازيين الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية و ليس مصلحة الوطن و المواطنين؟
أعتقد أنه في الجواب على هذه الأسئلة سنجد الجواب الصحيح على سؤال المشاركة والعزوف. وكل انتخابات وسياسيينا بوظائفهم متشبثون وبامتيازاتهم يهنئون.