منذ أن طرحت حركة قادمون وقادرون – مغرب المستقبل فكرة “اللائحة المواطنة” ضمن تصورها التجديدي للعمل الانتخابي، كان الهدف يتجاوز مجرد تقديم آلية تقنية للمشاركة السياسية. فقد سعت هذه المبادرة إلى إعادة تعريف التمثيلية من منظور المواطنة الفاعلة، لا من منطلق الولاءات الحزبية أو الاصطفافات التقليدية.
إن “اللائحة المواطنة” في أصلها تعبير عن رغبة في تجاوز منطق الزبونية الانتخابية الذي رسخته البنيات السياسية المستقرة في المركز، نحو منظور ديمقراطي تشاركي يفسح المجال أمام الكفاءات المحلية، والفاعلين المدنيين، والمثقفين النقديين، وأبناء الهامش الذين ظلوا خارج دوائر القرار والاعتراف.
غير أن ما يثير التساؤل هو الصمت أو التجاهل المؤسسي الذي قوبلت به هذه المبادرة في بدايتها.
فلا الأحزاب السياسية ولا الجمعيات المدنية “المستقرة بالرباط” تفاعلت بجدية مع هذا التصور، ربما لأنها رأت فيه تهديداً لبنية النفوذ التقليدية التي تستمد مشروعيتها من القرب من المركز، لا من مشروعية الفعل المواطن.
إنها – بتعبير علم الاجتماع السياسي – آلية إقصاء رمزية، حيث يتم إسكات المبادرات التي تصدر عن “الهوامش النشطة”، كي تبقى السياسة حكراً على النخب المركزية.
إنها – بتعبير علم الاجتماع السياسي – آلية إقصاء رمزية، حيث يتم إسكات المبادرات التي تصدر عن “الهوامش النشطة”، كي تبقى السياسة حكراً على النخب المركزية.
ومع ذلك، جاء الاعتراف الملكي الأخير في بلاغ الديوان الملكي بمناسبة انعقاد المجلس الوزاري ليعيد الاعتبار بشكل غير مباشر لفلسفة هذه المبادرة، حين أكد جلالة الملك على ضرورة الإنصاف الترابي والاجتماعي، وتوسيع قاعدة المشاركة في صياغة القرار العمومي، وفي مقدمتها الشباب.
وهنا يمكن القول إن “اللائحة المواطنة” التي ناضلنا على مدى عشر سنوات من أجل ترسيخها كمدخل لتجديد العمل السياسي وتحقيق تمثيلية حقيقية للمواطنة الفاعلة، وُلدت من رحم هذه الرؤية نفسها، باعتبارها دعوة إلى دمقرطة التمثيلية وإعادة توزيع رأس المال الرمزي والسياسي بين المركز والهامش.
لكن الخطر اليوم لا يأتي من الإهمال فقط، بل من احتمال قرصنة الفكرة.
ففي مشهد سياسي مألوف، غالباً ما تتحول المبادرات الأصيلة إلى شعارات فضفاضة تُستعمل دون الإشارة إلى مصدرها أو مضمونها الأصلي، في إطار ما يسميه بيير بورديو “العنف الرمزي”: أي الاستحواذ على الرأسمال الرمزي للآخر دون اعتراف.
ففي مشهد سياسي مألوف، غالباً ما تتحول المبادرات الأصيلة إلى شعارات فضفاضة تُستعمل دون الإشارة إلى مصدرها أو مضمونها الأصلي، في إطار ما يسميه بيير بورديو “العنف الرمزي”: أي الاستحواذ على الرأسمال الرمزي للآخر دون اعتراف.
إنها قرصنة فكرية وسياسية تمارسها بعض النخب التي تستفيد من موقعها القريب من المركز، على حساب من يمثلون “مغاربة الحاشية السفلى” – أولئك الذين يعيشون في الجبال والواحات والسهوب وضواحي المدن الكبرى والمتوسطة – أي الأطراف التي تصنع الحياة اليومية للوطن، دون أن يُسمع صوتها في الفضاء السياسي.
في هذا السياق، يصبح الدفاع عن “اللائحة المواطنة” دفاعاً عن حق الهامش في التفكير والاقتراح والمشاركة، وعن أخلاقيات الاعتراف في الحقل العمومي.
فلا معنى للديمقراطية إذا تحولت إلى مجرد إعادة إنتاج للنخب ذاتها بأدوات جديدة، ولا معنى للمواطنة إذا ظلت محصورة في “بطاقة التعريف”، دون أن تمتد إلى المشاركة الفعلية في رسم السياسات.
إن ما يحتاجه المغرب اليوم ليس فقط تجديد النخب، بل تجديد الخيال السياسي ذاته، والاعتراف بأن الأفكار القادمة من الهامش ليست هامشية، بل قد تكون مصدراً لإنعاش المركز نفسه.
فمن رحم الهامش تولد الحيوية الديمقراطية، ومن الاعتراف المتبادل تنبثق مواطنة حقيقية، قادرة على مواجهة القرصنة السياسية بكل أشكالها.
وفي الأخير، تجدر الاشارة إلى أن اللائحة المواطنة، كما طرحناها سنة 2022، عنوانها اليوم: من هامش المبادرة إلى مركز الاعتراف؛ هي صرخة من أجل لائحة تعيد الاعتبار للمواطنة؛ هي تمرين على الاعتراف وهي هامش يطلب بحقه في التمثيل. أما بالنسبة لنا، فهي نشوة الانتصار!!! أحب من أحب وكره من كره. يتبع
المصطفى المريزق، مؤسس الطريق الرابع
المصطفى المريزق، مؤسس الطريق الرابع

