الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

موسم الحج والسويد، ارتباك المغرب في مواجهة الآخر

موسم الحج والسويد، ارتباك المغرب في مواجهة الآخر

انشغل الرأي العام خلال الأيام القليلة الماضية بحدثين بارزين، ارتبطا بموسم الحج في المملكة العربية السعودية وبالأزمة الدبلوماسية بين المغرب والسويد على خلفية اعتراف مرتقب بالجبهة الانفصالية، وفي هذا الحدث وذاك تجسيد لعلاقة المغرب بذاته من جهة، وبعلاقته مع الآخر.

مرَّ أسبوع على حادث التدافع بمشعر منى، الذي أدى إلى وفاة مجموعة من الحجاج يُجهل لغاية الآن عددهم النهائي في ظل صعوبة التعرف على كل الضحايا، ووجود البعض منهم في مختلف مستشفيات المملكة العربية السعودية في محاولة لإنقاذهم. تباينت الأرقام الرسمية وغير الرسمية، وتعالت أصوات التنديد من خلال اقتران هذا الحدث مع الموعد المرتقب لعودة الحجاج، التي اعتدنا على مرورها في ظروف تنظيمية مُخزية. ولم يكن الأمر مختلفاً هذه السنة، تأخرت الرحلات عن موعدها، واضطر الناس إلى المبيت في العراء، وطُلب منهم مغادرة مطار يفترشون أرضه، قبل أن يرد بلاغ شركة الخطوط الملكية المغربية الذي تضمن عذراً أكبر من زلة. فسّرت الشركة التأخر الحاصل بإعلان كل من المملكة المغربية والمملكة السعودية الاحتفال بعيد الأضحى خلال نفس اليوم، عكس السنوات الماضية التي كانت تشهد تفاوتاً بين البلدين، وهو ما كان يتيح لشركة الخطوط الملكية المغربية فرصة دسمة للاستفادة على أكثر من واجهة: تحقيق نسبة امتلاء مرتفعة على مختلف رحلاتها، وتحصيل عائدات مالية بفضل عودة المهاجرين المغاربة إلى أرض الوطن، والانتفاع من موسم الحج في نفس الوقت، حتى دون تسجيل زيادة ملحوظة على مستوى أسطولها الجوي لمواكبة كل هذه الحاجيات. ولا ندري كيف تنوي الشركة، خلال القادم من السنوات، إدارة عيد الأضحى وموسم الحج عند تزامنهما مع عطلة الصيف التي تشهد زيادة الطلب خلال "موسم الهجرة إلى الجنوب". شركة وطنية تصبو إلى الارتقاء في ظل تنافسية شديدة، تُمني نفسها بأن تصبح قطبا إقليميا بارزاً وتريد أن تجعل من مقرها التشغيلي -مطار محمد الخامس- بوابةً جوية نحو أفريقيا، شركة بطموح هكذا، تُخطط هكذا.. تُصدر بياناً يحمل في طياته لوماً موجهاً إلى هلال ذي الحجة، الذي أبى إلا أن يضيء سماء المغرب والسعودية في نفس الوقت، وأن يُفْسِد مخططات الشركة. تخطئ في تقديراتها وتحمِل المسافرين على دفع الثمن، تجسيداً لتأويلها لمسؤولياتها إزاء المسافرين الأوفياء.

قامت الدول باتخاذ إجراءاتٍ لنقل مواطنيها بعد حادث التدافع، فقد أرسلت تركيا على سبيل المثال طائرة عسكرية وطاقما طبيا لإسعاف المصابين، بينما ظلت السلطات المغربية صامتة أول الأمر، قبل أن تبدأ مسلسل الإعلان التدريجي عن أسماء الضحايا. وكان التكافل المجتمعي أكثر فعالية، حيث تمكنت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي من نشر صور ومعلومات بشأن المغاربة من ضحايا ومصابين، كما تم نشر أسماء وعناوين المستشفيات التي يرقدون بها، تيسيراً لوصول المعلومة وربط الاتصال بذويهم. وحتى بعد انطلاق هذه الحملة الإلكترونية على نطاق واسع، وتسابق الصفحات إلى نشر المعلومة الدقيقة من عين المكان، ظلت البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية خارج السياق، وكأنها تعود إلى زمن سحيق لم يكن يشهد انتشار وسائل الاتصال وتدفق المعلومات. وتُستخلص من هذه الفاجعة وطريقة تدبيرها عِبر أساسية، أولاً أن التكافل الاجتماعي يعزز النسيج الاجتماعي وآليات التآزر؛ وثانياً أن الإدارة والمواطن لا يعيشان في نفس الحقبة؛ وثالثاً أن المواطن دأب على الاستغناء عن الأجهزة الرسمية، التي تظل معطلة وقت الحاجة.

ومع توالي الأحداث، لم تمض سوى أيام قبل أن يتصدَّر خبر آخر صفحات الجرائد، بعد إلغاء افتتاح محل "إيكيا". بدا الأمر محيراً بادئ الأمر، فالشركة المتخصصة في صناعة الأثاث المنزلي اعتادت على افتتاح محلات ومتاجر خاصة بها، وعلى تزويد وكلائها عبر العالم بالمعارف اللازمة لتيسير العملية. ولم يكن بإمكان هذه الشركة العملاقة أن تتوسع على هذا النحو دون دعم إستراتيجية النمو بالموارد البشرية اللازمة، والتي تشمل الخبراء القانونيين والفنيين الملمّين بمختلف الإجراءات واللوائح التنظيمية. ووفقاً لبيانات "إيكيا" لعام 2015، فإنها تتوفر على 373 محلا في 47 دولة، وهو ما يفترض قدرة متميزة على التأقلم مع قوانين العديد من الدول وعلى التقيد بأحكامها المختلفة وأخذها في الحسبان خلال مختلف مراحل تنفيذ المشروع. شركة بهذا الحجم، تتواجد بالأساس في البلدان المتقدمة، لكنها تفشل في استصدار ترخيص لتقصيرها في حماية زوارها وعدم احترام معايير السلامة. فالحادث يظل، في أفضل الأحوال، استهتاراً بدولة نامية؛ ولعب أطفال في أسوأها.

وتفاجأت الشركة بالزجّ بها في صراع دبلوماسي، على الرغم من إعلان رئيس الحكومة السويدية، خلال مارس الماضي، أن "الاعتراف بجمهورية مستقلة في الصحراء الغربية ليس مطروحا على الطاولة." وكما هو الشأن بالنسبة لفاجعة الحج، تطور وتغير الخطاب الرسمي بشكل تدريجي، بعد تعذر قبول المسوغات التي تم تقديمها بادئ الأمر، واهتمام وسائل الإعلام الدولية بهذا الملف. وسارعت وسائل الإعلام إلى الربط بين قرار إلغاء افتتاح المحل وقضية الصحراء، مع الإحجام في العديد من الحالات عن الإشارة إلى "شهادة المطابقة".

وبما أن المصائب لا تأتي فرادى، تلقَّت المصالح السويدية في المملكة ضربة موجعة ثانية، بعد إغلاق مقر الموزع الرسمي لشركة فولفو، الذي كان محل نزاع قضائي لأكثر من عقد من الزمن. ولم يُحسم إلا مؤخراً من خلال إنزال أمني كثيف وتطويقٍ للمقر، في مشهد هوليودي يعيد إلى الأذهان صورة راعي البقر وردود فعله التي لا تتناسب بالضرورة مع الفعل.

إن القضية الوطنية، وبما تكتسيه من أهمية جوهرية ومصيرية، تحتاج إلى تعبئة دائمة لا تقتصر على الأزمات العابرة ومواعيد مناقشة التقارير المحالة إلى مجلس الأمن، كما أنها تتطلب متابعة مستمرة على المستوى الدبلوماسي، وتغطية نزيهة ومهنية على المستوى الإعلامي، إن أردنا بالفعل أن يثق العالم بمصداقيتنا وعدالة قضيتنا.

تمر هذه الأحداث للأسف ونحن نواصل دفن الرأس في الرمل، لا نتعلم من كبوتنا ولا نستفيد من أخطائنا، نترك عقلنا الجماعي يحكي في قرارة نفسه: "كان بالإمكان أن نقتدي بتركيا، لكننا شربنا حتى الثمالة خطاب التفوق، وسلّمنا، في ذاكرتنا الجماعية على الأقل، بكوننا أول وأفضل وأجود العرب والمسلمين والأفارقة. فالقدوة، وإن وُجِدَت، لا يمكن أن تكون عربية أو مسلمة أو إِفريقية. ولا يمكن بعد اليوم أن تأتي من اسبانيا وفرنسا والبرتغال، فهذه البلدان نخرت الأزمة جسدها وتهاوى اقتصادها. ونكاد نجزم اليوم كذلك أنها لن تأتي من السويد، فهي وإن كفلت الكرامة والرخاء لشعبها، تظل عاجزة عن فهم التاريخ والجغرافيا."