عندما يتحول الفن إلى مرآة تعكس الهوية يصبح أكثر من مجرد قصة تروى بل ذاكرة تستعاد وتاريخ يبعث من جديد في زمن يبحث فيه الجمهور عن أعمال تحمل روح الأصالة يأتي فيلم دمليج زهيرو ليعيد تشكيل المشهد كقصيدة ملحونية تتراقص بين أزقة فاس العتيقة وتتماوج كلماتها في تفاصيل السيناريو المحبوك والديكورات المنتقاة بعناية والإخراج الذي تألق فيه حسن بن جلون ليؤكد أن الإبداع المغربي يظل وفيا لهويته متجذرا في تاريخه نابضا بتمغربيت في أبهى تجلياتها.
أداء ينضح بالمغربية
من مجيدة بنكيران التي نسجت بحرفية دورها كأنها تطرّز جبة فاسية بخيوط الذهب إلى عز العرب الكغاط الذي جسّد هيبة الشخصيّة بوقار العارفين وعبد الحق الزروالي الذي أضفى على مشاهده ذلك العمق الذي لا يتأتى إلا لكبار المسرحيين ثم ذلك الشاب الذي حمل عبء دور عبد الوهاب بمهارة تنبئ بميلاد نجم جديد في سماء السينما المغربية. ويبرز إلى جانب هؤلاء الفنان عز الدين الصقلي، الذي لم يكن مجرد ممثل في العمل، بل روحا مغربية أصيلة تحركت بين المشاهد بثقة وحضور، مجسدا شخصية أعطت بعدا إضافيا للقصة بأسلوبه المتزن وبصوته الذي يحمل نبرة الحكمة والماضي المترسب في تفاصيل الحاضر كان أداؤه حلقة وصل بين الأحداث، كأنه ظل يقف في مكانه بينما كل شيء يتحرك حوله ليمنح الحكاية ذلك الإيقاع الهادئ العميق
السيناريو نسيج مغربي أصيل
لم يكن النص مجرد كلمات مرصوفة بل كان حكاية تحكى بلغة الضاد ممزوجة بنكهة الملحون حيث جاء السيناريو متماسكا يتنقل بسلاسة بين المشاهد محبوكا كحائك فاسي ماهر يعرف كيف ينسج خيوط الجلابة بدون عقد أو فراغات الشخصيات كانت من لحم ودم لا كائنات ورقية تتحرك على الورق بل أرواح تنبض بالمغربية الخالصة.
الحوار جاء طبيعيا لا تصنع فيه ولا تكلف بل بلسان مغربي صادق يحمل في ثناياه ذلك الدفء الذي يجعل الكلمات قريبة من القلب لقد استطاع الفيلم أن يحيي روح الملحون داخل القصة ليكون أكثر من مجرد سرد بل أقرب إلى الغناء الحكواتي الذي يأخذ المتفرج في رحلة زمنية دون أن يشعر.
الديكور حين تتحدث الجدران
بين أبواب فاس العتيقة وسقوفها المزخرفة وجدرانها التي تحمل أنفاس الزمن كان الديكور عنصرا فاعلا لا مجرد خلفية صامتة كل زاوية نطقت بلسان الزمن الجميل وكل بلاط أندلسي عكس سحر المكان كان الاختيار موفقا ولم يسقط الفيلم في فخ الزخرفة الفارغة بل جعل المكان جزءا من الحكاية شريكا في السرد.
ولم يكن الديكور وحده الذي حمل عبء المكان بل حتى الإضاءة التي وزعت بذكاء حيث لعبت دورا في إبراز جمال التفاصيل فكانت الظلال تتراقص على الجدران كما تتراقص الأحاسيس في القلوب أما الأزياء فقد جاءت وفية للمرحلة التاريخية التي يحاكيها الفيلم فلم تكن مجرد ثياب بل بصمة ثقافية تؤكد على أن الهوية حاضرة في كل تفاصيل العمل الإخراج تألق حسن بن جلون.
هنا تبرز بصمة المخرج حسن بن جلون الذي قاد هذا العمل كما يقود المايسترو سمفونية أندلسية يعرف متى يخفض الإيقاع ومتى يرفعه مشاهد الحب جاءت رقيقة دون ابتذال واللحظات الدرامية حملت ذلك العمق الذي يجعل المشاهد يتوقف ليتأمل كاميرته كانت عينا ثالثة تلتقط التفاصيل فتجعل من لحظة عابرة مشهدا لا ينسى.
لقد استطاع حسن بن جلون أن ينقل الإحساس المغربي إلى الشاشة بدون تصنع فمشاهد الحزن لم تكن بكائية بل إنسانية مشاهد الفرح لم تكن صاخبة بل دافئة والتوتر كان متصاعدا دون مبالغة كأن المشاهد يقرأ صفحة من تاريخ لم يعشه لكنه يشعر به كأنه جزء منه.
زبدة القول
دمليج زهيرو ليس مجرد فيلم بل درس في الهوية ورسالة بأن تمغربيت ليست شعارا بل روح تعيش في كل زاوية من زوايا هذا العمل إنه حكاية عن الحب والإخلاص وعن مدينة تتنفس التاريخ وعن مغرب يرفض أن ينسى نفسه وسط موجات الإنتاج السريع إنه عمل ينتمي إلى زمن الإبداع لا زمن الاستهلاك العابر.
إنه دليل على أن السينما المغربية تستطيع أن تكون قوية عندما تستلهم من تراثها دون أن تقع في فخ التقليد الأعمى دمليج زهيرو ليس مجرد قصة حب بل هو استعادة لذاكرة المدينة ونبض ناسها وروح أزقتها وهو رسالة بأن الهوية ليست مجرد شكل بل إحساس وحياة.
محاكاة لقصيدة دمليج زهيرو
من توقيع: سعيد ودغيري حسني
زهيرو يا لالة زهيرو
دمليجك ضاع وين نلقا غيرو
مشيت نقلب بين الأزقة
نسمع صدى صوت العشيقة
دمليجك ضاع وين نلقا غيرو
مشيت نقلب بين الأزقة
نسمع صدى صوت العشيقة
عبد الوهاب دموعو سالت
بين الدروب لياليه طالت
قالوا المحبة دمع وشقاء
وأنا المحبة عندي بقاء
بين الدروب لياليه طالت
قالوا المحبة دمع وشقاء
وأنا المحبة عندي بقاء
دمليج زهيرو راهو مفقود
لكن الهوى باقي ممدود
ويا مولاي إدريس دير لي مزية
رجع لي زهيرو وبرد لي الكية
لكن الهوى باقي ممدود
ويا مولاي إدريس دير لي مزية
رجع لي زهيرو وبرد لي الكية