تجمع التقارير الدولية، سواء الصادرة عن الأمم المتحدة أو عن معاهد مختصة مثل «معهد الاقتصاد والسلام» و"مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية" وغيرهما، على تحذيرها من التهديد الخطير الذي بات يشكله الإرهاب على العالم عموما (ارتفع عدد الدول التي شهدت هجمات إرهابية سنة 2024 من 58 إلى 66 دولة ــ شهدت 6 دول هي السويد وأستراليا وفنلندا وهولندا والدنمارك وسويسرا، هجمات إرهابية خلال 2024 رغم أنها لم تسجل أي هجمات خلال السنوات الخمس السابقة ــ بحيث ارتفع معدل الهجمات الإرهابية في الغرب لأول مرة منذ عام 2017؛ إذ تم تسجيل 52 هجومًا في عام 2024، مقابل 32 هجومًا خلال عام 2023، نفذته التنظيمات الإرهابية الأربع الأكثر فتكًا : داعش، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، حركة طالبان الباكستانية وحركة الشباب الصومالية).
أما على الصعيد الإفريقي، فقد سجل آخر تقرير صدر عن «مؤشر الإرهاب العالمي» أن إجمالي ضحايا الإرهاب في العالم عام 2024 وصل إلى 7555 قتيلاً، وأن منطقة الساحل وحدها سقط فيها 3885 قتيلاً، أي بنسبة 51 في المائة (ارتفعت الوفيات بنحو عشرة أضعاف منذ عام 2019). الأمر الذي جعل التقرير يصف منطقة الساحل بأنها «بؤرة الإرهاب العالمي» للعام الثاني على التوالي. وأظهرت إحصائيات نشرها "مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية" - مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية - سقوط قرابة 4 آلاف شخص في أفريقيا خلال 2023 بسبب الهجمات الإرهابية؛ بزيادة بلغت نحو 19 في المائة مقارنة بالعام 2022؛ وأظهر تقرير "معهد الاقتصاد والسلام" عام 2025، أن عدد الوفيات الناجمة عن الصراعات في منطقة الساحل وصل إلى أعلى مستوى له منذ إنشاء مبادرة مكافحة الإرهاب، متجاوزًا 25 ألف حالة وفاة لأول مرة في عام 2024، منها 4794 حالة وفاة مرتبطة بالإرهاب. وبذلك وصف الوضع في مالي والنيجر وبوركينا فاسو بأنه «عالي الخطورة»، وأن هذه الدول الثلاث «هي الأكبر تضرراً» من تصاعد خطر الإرهاب. وبإقرار من الأمم المتحدة، فإن نحو نصف بوركينا فاسو أصبح الآن خارج سيطرة الحكومة. وشهد الصومال بدوره، وفقًا للمركز "زيادة بنسبة 22% في الوفيات في عام 2023 – ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 7643 حالة وفاة". وسبق للأمم المتحدة أن أعلنت، بداية عام 2024، أن قارة أفريقيا تمثل أكبر بؤرة للإرهاب على مستوى العالم، وأن نسبة 77 في المئة من الأعمال الإرهابية المقترفة في العالم خلال عام 2023 مسجلة فيها.
جهود دولية دون إستراتيجية محددة.
تتوالى الأصوات المنذرة والمحذرة من تفاقم مخاطر الإرهاب في إفريقيا، وخاصة في منطقة الساحل، بينما يقابلها تجاهل شبه تام من طرف التحالف الدولي ضد الإرهاب، خصوصا بعد سحب فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية قواتهما العسكرية من دول الساحل. وضع تستغله التنظيمات الإرهابية في استقطاب المقاتلين من مختلف جهات العالم وفي تمددها المتواصل أمام هشاشة الدول وضعفها العسكري واحترابها الداخلي. في هذا الإطار قالت المستشارة السياسية لغرب أفريقيا بمؤسسة "كونراد أديناور" لمشروع مكافحة التطرف "آنا واسرفال" إن "جماعة ’نصرة الإسلام والمسلمين‘ و’ولاية غرب أفريقيا‘ وتنظيم ’الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى‘ تعمل على زيادة نفوذها بصورة مطردة، وأصبحت القارة الأفريقية ذات أهمية متزايدة بالنسبة إليها، وأصبحت منطقة الساحل في غرب أفريقيا مركز الإرهاب العالمي منذ عام 2022". وتقدر لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة، تراقب أنشطة المنظمتين، أن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، الفصيل المتحالف مع "القاعدة" الأكثر نشاطاً في منطقة الساحل، لديها نحو 6 آلاف مقاتل، نحو 3 آلاف منهم مرتبطين بتنظيم "داعش".
عشرات المؤتمرات والقمم التي انعقدت في إفريقيا وخارجها حول سبل محاربة الإرهاب ودعم الدول الإفريقية في حربها ضد الإرهاب دون جدوى. إذ يظل الإرهاب يتمدد رغم الوعود و"الجهود" الغربية والأممية في مواجهة الإرهاب، ومنها:
1 ـ إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد (مينوسما) انتهت مهمتها نهاية 2023.
2 ـ عملية برخان لمكافحة التمرد في منطقة الساحل الأفريقي في 2014، في 2022.
3 ـ G5 شكلتها خمس دول في الساحل الأفريقي، سنة 2017، برعاية فرنسية. انتهت مع الانقلابات العسكرية.
4 ـ القيادة العسكرية "أفريكوم" AFRICOM بفروعها الثلاثة:
القيادة المركزية للولايات المتحدة (سنتكوم) وتشمل مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكنيا وسيشل.
القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي الهندي (باكوم) ويقع ضمن اختصاصاتها مدغشقر والمحيط الهندي.
القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا (إيوكوم) وهي مسؤولة عن باقي الدول الأفريقية وعددها 41 دولة.
5 ـ "مبادرة عموم الساحل" الأمريكية التي تم إنشاؤها في نوفمبر 2002.
6 ــ "مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء" التي حلت محل "مبادرة عموم الساحل" في 2005.
7 ــ برنامج شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء لفائدة مالي، موريتانيا، تشاد والنيجر.
8 ـ مشروع I-EAC بدأ في دجنبر 2019 واستمر حتى نهاية شتنبر 2023.
كل هذه "الجهود" لم تقض على الإرهاب الذي شهد ارتفاعا كبيرا في معدلات عملياته الإجرامية وأعداد ضحاياه. وقد فسر هذا التناقض بين الجهود وبين النتائج، المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى منطقة الساحل، جيه بيتر فام، بقوله: "لقد قمنا بالكثير من الأشياء بشكل جيد على المستوى التكتيكي، بما في ذلك تدريب القوات الخاصة، لكنها لم تكن مرتبطة باستراتيجية أكبر، خاصة أن غرب أفريقيا هي منطقة شاسعة وشبه قاحلة تقع جنوب الصحراء الكبرى حيث تركزت جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب".
أمام تجدر التنظيمات الإرهابية وتمددها في إفريقيا، من جهة، وعدم جدوى الجهود الدولية، من جهة أخرى، اضطرت بعض دول الساحل إلى إنشاء تكتلات عسكرية لمواجهة خطر الإرهاب. ففي مارس 2024أعلن قادة جيوش النيجر ومالي وبوركينافاسو عن تشكيل "قوة مشتركة" لمحاربة التنظيمات الإرهابية. وفي أبريل 2024، انعقدت بالعاصمة النيجرية أبوجا، قمة أفريقية تحت عنوان «دعم التعاون بين الهيئات الإقليمية لمواجهة تهديدات الإرهاب لأفريقيا» خُصصت لوضع استراتيجية أكثر إحكاما لمواجهة تزايد وتجذر الإرهاب. وتقرر في القمة تأسيس مركز أفريقي لمحاربة الإرهاب مهمته جمع وتبادل المعلومات ودعم قدرات الدول في مواجهة ظاهرة العنف المسلح. إلا أن ضعف الإمكانيات العسكرية واللوجيستية لدول الساحل يحد من قدراتها في التصدي لخطر الإرهاب؛ الأمر الذي يستوجب دعما دوليا حقيقيا عبر تشكيل تحالف عسكري مهمته محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة على النحو الذي حارب به التحالف الدولي داعش في العراق وقضى على "خلافته" المزعومة.
مبادرات المغرب وجهوده.
ان وعي المغرب بمخاطر الإرهاب جعله ينخرط، مبكرا، في التحالف الدولي ضد الإرهاب. فالمغرب، مدرك، كما قال السيد بوريطة، عند افتتاح مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بالرباط، أن أفريقيا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى عمل “فوري وحازم” لتحقيق الاستقرار في القارة وتعزيز أمنها وتمكينها من التركيز على التنمية المستدامة. فالمغرب مستهدف من طرف التنظيمات الإرهابية منذ 2002، وتعاظم هذا التهديد مع تجدر الإرهاب في منطقة الساحل وتورط الجزائر في دعم الإرهابيين وتمويلهم لمهاجمة المغرب (هجوم أطلس أسني، أسلحة خلية أمغالا، أسلحة خلية "أسود الخلافة" بنواحي الرشيدية) ودول الساحل، خاصة مالي التي أدانت، في أكثر من مناسبة، "قرب الجزائر وتواطؤها مع المجموعات الإرهابية التي تزعزع استقرار مالي" (نشر ناشطون ماليون يوم 17 مارس 2025 صورا لشاحنات جزائرية كانت تحمل أسلحة للإرهابيين تم استهدافها بطائرات مسيرة مالية). لهذا، المغرب معني مباشرة بأمن واستقرار دول الساحل التي تشكل مجاله الأمني الحيوي الذي لا ينبغي أن يُترك لتعبث به التنظيمات الإرهابية ومن يدعمها. لأجل ذلك لا يدخر المغرب جهدا في دعم الجهود الدولية والإفريقية لمحاربة الإرهاب وتشجيع المبادرات، وفي مقدمتها: المبادرات الإفريقية في مكافحة الإرهاب، من قبيل "منصة مراكش لرؤساء وكالات الأمن ومكافحة الإرهاب في إفريقيا"، التي تم تطويرها بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وكذا "مسلسل أبوجا" و"مبادرة أكرا"؛ بالإضافة إلى التعاون العسكري والأمني بين المغرب ودول الساحل بهدف تأهيل وتدريب الأجهزة الأمنية والعسكرية لمواجهة خطر الإرهاب. وكان من ثمرات هذا التعاون انعقاد الاجتماع الأول للجنة العسكرية المشتركة بباماكو بين المغرب ومالي في فبراير 2025. كما تم توقيع اتفاقية جديدة لتعزيز التعاون العسكري بين المغرب والكمرون، يوم 18 مارس 2025، تشمل مجالات التكوين والتدريبات العسكرية وتبادل الخبرات وتعزيز التنسيق الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة. وقبلها، في يوليوز 2024، تم توقيع اتفاق للتعاون العسكري بين المغرب وبوركينا فاسو يشمل مجالات التكوين والتدريبات والتمارين والدعم التقني وتبادل الخبرات والصحة العسكرية. وفي أبريل 2024، استقبلت قيادات في القوات المسلحة الملكية وفدا عسكريا رفيع المستوى من دولة النيجر، حيث تم التشديد على أهمية تبادل الخبرات والمعرفة في سبيل تعزيز القدرات العسكرية ومكافحة التهديدات الأمنية المشتركة. بالموازاة، عزز المغرب تعاونه العسكري مع موريتانيا من أجل ضمان أمن الحدود ومكافحة الهجرة غير النظامية والأنشطة غير المشروعة العابرة للحدود، وهو ما يساهم في تعزيز استقرار المنطقة، خصوصا بعد انضمام موريتانيا للمبادرة الملكية بمنح دول الساحل منفذا إلى المحيط الأطلسي.
دعم إيران للإرهابيين في إفريقيا.
استنادا إلى عدة تقارير صحفية ومعطيات ميدانية، فإن تحالفات برجماتية تمت بين جماعة الحوثي وبين التنظيمات الإرهابية، منها تنظيم القاعدة وحركة الشباب الصومالية. وبمقتضى هذا التحالف يتولى تنظيم القاعدة وحركة الشباب تهريب الأسلحة والمواد اللازمة لفائدة الحوثيين داخل اليمن مقابل حصولهما على طائرات مسيرة من صنع إيراني لتوسيع نفوذهما في القارة الإفريقية. وسبق للجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة أن اتهمت إيران بتورطها في دعم جماعات مسلحة إرهابية في الصومال عبر الحوثيين في اليمن. فإيران تتبادل المنافع مع حركة الشباب بحيث تزودها بالدعم المادي واللوجستي مقابل حصولها على اليورانيوم من المناجم الخاضعة لسيطرتها لاستخدامه في برنامجها النووي.
خطورة الدعم الإيراني كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير يكشف عن تطور نوعي في تكنولوجيا الطائرات المسيرة التي يستخدمها الحوثيون في اليمن، مما قد يجعلها أكثر سرية وقادرة على التحليق لمسافات أطول. ووفقًا لتحقيق أجرته منظمة أبحاث تسليح الصراعات (Conflict Armament Research)، وهي منظمة بريطانية متخصصة في تعقب الأسلحة المستخدمة في النزاعات حول العالم، فإن الحوثيين حصلوا على مكونات متطورة لخلايا وقود الهيدروجين يمكن استخدامها في تشغيل الطائرات المسيرة. وبحسب نفس التقرير فإن استخدام خلايا وقود الهيدروجين يجعل الطائرات المسيرة تطير لمسافات أكثر من 2000 ميل.
ولا شك أن إمكانية حصول التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل على هذا النوع من الطائرات وارد جدا بفعل التحالفات بينها وبين جماعة الحوثي. الأمر الذي سيسمح للإرهابيين بمهاجمة أهداف بعيدة المدى، وقد تكون من بينها أهداف مغربية بالأقاليم الصحراوية. وسبق لـ«معهد دراسات الحرب» الأميركي أن رجّح، في تقرير له، أنه رغم الصراع العنيف بين «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» و«داعش» على النفوذ في المنطقة، فإنهما «يتعاونان على الأرجح مع فاعلين محليين في منطقة الساحل والصحراء، من أجل توسيع عملياتهما في المنطقة، ودعم الهجمات الموجهة ضد الجيوش النظامية، خصوصاً في النيجر ومالي». ولعل إدراك المغرب لخطورة هذا التحالف على أمنه، هو الذي جعله يدرس، وفقا لتقرير صحيفة "لاراثون" الإسبانية بتاريخ 3 مارس 2025، إنشاء قاعدة عسكرية في أقصى جنوب الصحراء المغربية، بهدف تنفيذ ضربات جوية ضد الجماعات الإرهابية الناشطة في منطقة الساحل، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا، وبالتعاون مع سلطات النيجر ومالي وبوركينا فاسو.