الأحد 22 سبتمبر 2024
مجتمع

في أفق الدخول المدرسي.. موسم جديد بمشاكل قديمة "اكتظاظ، خصاص، وترقيع.."

في أفق الدخول المدرسي.. موسم جديد بمشاكل قديمة "اكتظاظ، خصاص، وترقيع.."

كعادة كل موسم دراسي، تحيلنا كافة المعطيات المتوفرة على أن 2015 – 2016 ستكون سنة جديدة، لكن بمشاكل قديمة لما امتلكته من رسمية حدت بها إلى أن تصير عرفا في منظومتنا التربوية. بل من الصعب تصور افتتاح المدارس دون بصمة تأشيرتها. ولعل هذا السقوط المدوي في المطبات ذاتها دون القدرة على استخلاص العبر، ما انعكس على قلق الملك محمد السادس وهو يثير الملف التعليمي خلال خطاب عيد العرش الأخير، في تشديد ملح على إعادة الإعتبار للمدرسة العمومية حتى تتبوأ المكانة اللائقة، وذلك ترتيبا على أن هذا القطاع المصيري يظل عماد تحقيق التنمية، ومفتاح الإنفتاح والإرتقاء الإجتماعي، كما أنه ضمانة لتحصين الفرد والمجتمع من آفة الجهل والفقر، وأيضا حائلا أمام نزعات التطرف والإنغلاق. إنما وإن كانت دعوة أعلى سلطة في البلاد المفتخر بكونه خريج المدرسة العمومية واضحة للغاية، فإن ما ينسج في الجانب الآخر من تدبير يجعل آمال الملك والتي هي نفسها آمال جميع المغاربة كحلم إبليس بالجنة.

ومن الأكيد، كما سبقت الإشارة، فإن هذا الواقع لم يأت صدفة، ولكن بفعل تراكمات تفننت مجموعة من المخططات الفاشلة في تحصيلها، والتي مازالت ترخي بوطأتها على رجال ونساء التعليم ومعهم التلاميذ إلى يومنا هذا. وتبقى من المؤاخذات المسجلة بهذا الخصوص مشكلة الخصاص والطريقة الارتجالية التي تدبر بها أو بالأحرى التلاعب في تفويت مناصبها، حسب ما أكده سعيد، أستاذ بأحد ضواحي مدينة بنسليمان. عارضا لـ"أنفاس بريس" حالة زوجته التي وبعد أن درَّست لمدة خمس سنوات في مدينة شفشاون وما عاناه معا خلالها من بُعد المسافة بينهما، التحقت به. غير أن ذلك الإلتحاق لم يكن سوى بداية لمحنة أشد أفرزها تعيينها بمدرسة تعرف أصلا فائضا في المدرسين، الأمر الذي حكم عليها تلقائيا بأن تخندق هي الأخرى ضمن قائمة المستغنى عن خدماتهم، علما أن طلب الإلحاق كان معززا بأسماء المدارس التي تعاني الخصاص، ولغاية في نفوس المسؤولين تم تجاهل هذا المعطى، وفعلوا ما رأوه متماشيا مع أهدافهم ضدا على أدبيات المنطق السليم قبل الحديث عما تقتضيه الأولويات الإجرائية.

وأمام هذا الوضع، يزيد سعيد، اضطر إلى طلب الإنتقال من المؤسسة التي يدرس بها لأجل التدريس بالمدرسة التي عينت بها زوجته حتى يتمكن من مرافقتها وسط تلك المسالك الطرقية غير الآمنة، متحملا الفضاء الجديد وما يفتقره من أبسط ضروريات العمل، "فلا مكتب محترم، ولا طاولات تحفظ كرامة التلاميذ، بل حتى السور الذي يشعرك أنك داخل مؤسسة تعليمية غير موجود"، يقول الأستاذ، قبل أن يسجل بأن جميع هذه الطامات يتوجها المسؤولون بعملية الجمع بين المستويات داخل فصل واحد، إلى درجة يجبر معها المدرس على تعليم كافة المراحل الدراسية من التحضيري إلى السادس. لهذا لا يرى سعيد غرابة في أن تجد تلميذا بآخر قسم في السلم الابتدائي (السادس) لا يميز بين الفعل والإسم، والأحرى، كما يقول ساخرا بألم "أن يلحق هؤلاء التلاميذ مباشرة بعد السنة السادسة ابتدائي بدروس محاربة الأمية".

ومن جهتها، أكدت فوزية، وهي أستاذة بإحدى القرى النائية بضواحي الصويرة، كونها وبعد قضاء سبع سنوات بالمكان المذكور، شاركت في الحركة الوطنية لموسم 2014 / 2015 لغرض الإنتقال إلى أي موقع بجهة الشاوية ورديغة، غير أنه كان منية ذاك التمني، وأحبطت كل آمالها في تحقيق رغبتها. وليس هذا فحسب، وإنما "الصدمة كانت قوية" لما فوجئت مؤخرا بتعيين خريجين جدد بالجهة ذاتها التي كانت محل موضوع طلبها. الأمر الذي لم تجد له وصفا غير "الحيف والظلم" الذي يطال الأساتذة القدامى الذين يبقون الأولى بالاستفادة من الإنتقال. هذا، دون الحديث، تضيف فوزية، على ما تكتسيه خصوصيتها والتي تسري على باقي بنات جنسها، من حيث مضاعفة المعاناة في مناطق بعيدة عن الأهل، أو على الأقل تزداد بها نسبة الظروف المعيقة لسير العجلة الدراسية. وتستطرد متسائلة: "إذا كان الأساتذة الرجال يشتكون من هذه الأجواء القاهرة، فما بال النساء أن يفجرن من ويلات تعتصر قلوبهن، وأي نفسية ستكون لديهن حتى يؤدين رسالتهن على الوجه المطلوب؟".

وعلى هذا الأساس، تخلص المتحدثة: "إن المرأة تظل امرأة، سواء كانت متزوجة أو عازبة، ومعاناتها في الحالتين سواء. لهذا، فحتى إن كان للمرتبطات مبرر الإلتحاق بالزوج، فإن للعازبات أكثر من سبب للإنعتاق مما يجدن أنفسهن محشورات فيه، لا لشيء سوى لكونهن اخترن مهنة أردن من خلالها أن يكن رسولات لأنبل رسالة، لا ضحايا التهميش والبهذلة".

هذا، وفي المقابل، أقر المسؤول النقابي عزيز بوحولي، بأن العديد من المؤسسات المحدثة تعاني فراغا في ما يخص الموارد البشرية. بل الأخطر من هذا، هو ما يتم اللجوء إليه من "حلول" ترقيعية، من قبيل عملية ضم الأقسام. مما ينتج اكتظاظا يصعب تصوره. وتكفي الإشارة، يستدل لـ"أنفاس بريس"، إلى أن السنة الماضية عرفت فصولا بمدارس تابعة لمنطقة سيدي مومن في مدينة الدار البيضاء يدرس بها 50 أو 52 تلميذ "فأي أستاذة أو أستاذ هذا الذي بإمكانه ضبط ذلك العدد من المتمدرسين، ومعرفة الفروق الفردية بينهم؟. هذا دون الحديث عن تصحيح فروضهم وتلقينهم ما يجب تلقينه. إنها معضلة بكل المقاييس، خاصة وأن العدد النموذجي للتلاميذ والمعترف بها عالميا لا يجب أن يتعدى 30 تلميذ وتلميذة". أما إن أردنا التعريج على مسألة التقطيع الجهوي الجديد في ارتباط بواقعنا التعليمي، يفيد، فتلك طامة من نوع آخر، بحيث وفي لحظة من الممكن أن يجد رجل تعليم فائض عن الحاجة بسيدي البرنوصي مثلا، (سيجد نفسه) في "قرارة" بنيابة سطات. وليس هذا فحسب، طالما أن متاعب القطاع لا حصر لها، فهناك ملف الحركة الإنتقالية التي ارتأت الوزارة المعنية تجميدها جراء عدم وجود خريجين من مراكز تكوين الأساتذة هذه السنة. وهذا مشكل قد يكون خارج السيطرة، بحكم أنه وحتى إن كان بالإمكان الضغط على الرجال في هذا الباب، فإن الأمر غير ذلك بالنسبة للنساء اللاتي يردن الإلتحاق بأزواجهن وأبنائهن، ومن ثمة يظل من غير المعقول والحيف حرمانهن ذلك الحق. هي إذن، يختم المسؤول النقابي، تراكمات لا تشعرنا سوى بالقلق والتوجس من الآتي لما تحمله من ملامح غير مبشرة، وتضرب في العمق قطاعا لا يحتمل الإرتجال، ولا يختلف أحد على أنه القاطرة التي بدونها لا مجال للحديث عن باقي القاطرات.

أما محمد البارودي، نائب رئيس الجامعة الوطنية لموظفي التعليم بالمغرب عن الإتحاد العام للشغالين، فتأسف لكوننا نضطر دائما إلى تكرار مشاكلنا التعليمية من سنة إلى أخرى، مع تسجيل مشاكل أخرى كمستجدات عند كل دخول موسمي. وفي هذا الاتجاه،  يؤكد البارودي لـ"أنفاس بريس"، نعلم جميعا بأن لإشكال الخصاص عمر طويل يمتد لأزيد من 10 سنوات، وكل ما يواجه به هو "الترقيع" وإن كان يأتي في كل مرة بمسميات طنانة. إنما الواقع يظل تلك الصورة الحية التي تعكس لنا مرارة ما يعوزنا بشأن الموارد البشرية القادرة فعلا على تسيير الشأن التعليمي المغربي. في حين أنه ومن المفارقات المدوية هي أنه وبعد أن كان هذا المجال ذلك القطاع الذي يستوعب أكبر عدد من العاطلين، صار الأكثر فراغا وضعفا على صعيد عدد المناصب المخصصة للتوظيف. حتى أن أزمته غدت مزمنة وسارية في التفاقم سنة بعد أخرى دون أي محاولة جدية لوقف النزيف. كل ما هناك، خرجات رسمية بدون دراسة أو تشخيص.