الأحد 22 سبتمبر 2024
في الصميم

أريري: بعد انهيار الطرق والقناطر.. المغاربة يتطلعون إلى طوفان إلاهي لجرف كل مسؤول فاسد !

أريري: بعد انهيار الطرق والقناطر.. المغاربة يتطلعون إلى طوفان إلاهي لجرف كل مسؤول فاسد ! عبد الرحيم أريري
في البلدان المعروفة بقساوة المناخ كالثلوج التي تدوم لأكثـر من ستة أشهر في السنة، أو المعروفة بغزارة الأمطار وبكثـرة الأعاصير الخطيرة، نجد بأن بنيتها التحتية "طرق وقناطر وأنفاق"، تتميز بجودة عالية وتقاوم غضب الطبيعة، فضلا عن كونها تدوم طويلا. وحتى إن تضررت بعض مقاطعها فإن الضرر يصلح في الحين !

في المغرب لما يتم إنجاز البنيات التحتية، لا يتم الأخذ بعين الاعتبار جميع المعطيات والعوامل والإكراهات الطبيعية والمناخية والخصائص الطبوغرافية لكل حوض جرافي كي تصمد القنطرة أو الطريق أمام التقلبات الجوية، وكي تدوم المنشأة الفنية مدة طويلة جدا. أضف إلى ذلك أن مهندسي الأشغال العمومية، وأثناء تصميمهم للبنية التحتية، لا يستحضرون جميع الجوانب المرتبطة بالمشروع من صيانة وإمكانية توسيع الطريق والقنطرة وإمكانية ربطها بالمجال الترابي المجاور لها مستقبلا. على عكس ماكان يتم سابقا في وزارة الأشغال العمومية في التسعينات من القرن العشرين. إذ في تلك الفترة كانت مديرية الطرق على الأقل تخصص نصف ميزانيتها لصيانة البنية التحتية.

على المستوى الإحصائي نجد أن ثلث القناطر بالمغرب توجد، من ناحية حالة الحفظ (état de conservation) دون المستوى، وأن أكثر من 885 قنطرة متدهورة للغاية.

كما يضم المغرب 2614 منشأة فنية (قنطرة) من نوع الغاطسة (submersible)، أغلبها بالجنوب الشرقي للمملكة، بحيث ما أن تتهاطل الأمطار وترتفع حمولة الأودية حتى تعزل مناطق بأكملها عن باقي التراب الوطني، لكون القنطرة تكون واطئة ومبنية في نفس مستوى سرير الواد !( وهذا ما حصل سابقا في تاونات وتازة وكلميم وخنيفرة، وحصل مؤخرا بالراشيدية وتنغير وزاكورة وطاطا وتارودانت).

أما على مستوى القناطر التي لا تقوى على الصمود امام حمولة كبيرة، فعددها يصل إلى 110 منشأة فنية محدودة الحمولة، أي لا تتحمل مرور بعض الشاحنات والقافلات ومنها على الخصوص القافلات العسكرية. تضاف لها نحو 3037 قنطرة ضيقة لا تتسع لمرور السيارات والشاحنات بأمان.

ولمعالجة هذا الوضع، سبق لوزير التجهيز في الحكومة الأصولية أن صرح بأن هناك حاجة إلى غلاف مالي إجمالي يناهز 12 مليار درهم من أجل إعادة تأهيل هذه القناطر وصيانتها، منها ملياري درهم خاصة بالقناطر الآيلة للسقوط و10 ملايير درهم ، لإعادة بناء القناطر الغاطسة والقناطر الضيقة والقناطر ضعيفة الحمولة.

ورغم تنصيب حكومة أرباب المصالح ( حكومة أخنوش) وتعيين زعيم حزب الاستقلال على رأس وزارة التجهيز، فالملاحظ أن حالة البنية التحتية (من طرق وقناطر)، زادت في التدهور والتآكل، ولم تتم برمجة الاعتمادات المطلوبة فقط، بل وتقلصت الصيانة وتضاعفت الكلفة الخاصة لإصلاحها وصيانتها مرتين بسبب ارتفاع الأثمنة.

والمقرف أن الفيضانات الأخيرة التي عرفها الجنوب الشرقي للمغرب عرت عن نفاق المسؤولين، إذ عقب انهيار قناطر و تآكل العديد من المحاور الطرقية ( مثلما حدث بأقاليم تنغير والراشيدية وزاكورة وطاطا في شتنبر 2024)، سارعت السلطة العمومية كالعادة، إلى "مسح السما بليغا"، وبادرت إلى تحميل الحوادث لمستعملي الطريق وللسائقين أو للتقلبات المناخية أو "للمكتوب" و"القدر"، بينما السبب الرئيسي لانهيار هاته الطرق والقناطر هو إهمال صيانتها من طرف وزارة التجهيز، وكذا تقاعس المجالس الترابية في الضغط على المصالح المعنية لمباشرة التدخلات التقنية اللازمة من قبل.

ومما يؤلم أكثر أن صيانة قنطرة ما، قد لا يتجاوز 100 أو200 ألف درهم. لكن، عند إهمال الصيانة، فإن الإصلاح أو إعادة البناء يكون باهظا ويكلف ما بين 8 و20 مليون درهم، والأمثلة على ما نقول كثيرة.

رحم الله العهد الذي كان فيه المهندس محمد القباج وزيرا للتجهيز في الثمانينات من القرن الماضي. إذ رغم الأزمات المالية الخانقة التي عرفها المغرب آنذاك، ورغم التقشف بسبب مخطط التقويم الهيكلي، فقد كان الوزير محمد القباج يتشبت بضرورة عدم تقليص الميزانيات المخصصة لصيانة البنية التحتية ولصيانة ممتلكات المملكة الطرقية ومنشآتها الفنية، بحكم معرفته بخطورة وعواقب تقليص ميزانيات الصيانة، ورفض القباج آنذاك الرضوخ لتوصيات صندوق النقد الدولي، وأفلح في إلزام الدولة المغربية بتخصيص الميزانيات الضرورية للحفاظ على ممتلكات المملكة حين كان وزيرا.

فيا وزراء حكومة أخنوش، ويامهندسي وزارة التجهيز..اتقوا الله في طرقات المغرب وفي قناطر المغرب، وبرمجوا الاعتمادات اللازمة لبناء وصيانة القناطر والطرق وفق المواصفات العالمية، ووفق خصوصيات كل مجال ترابي بالمغرب. وتوقفوا عن استبلاد ذكاء المغاربة عبر التذرع بالأمطار والرعد والبرق لإخفاء فشلكم وعجزكم وإخفاقاتكم!!