الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: لبنان تحترق.. والعشاء والسهرة في شيراتون طهران!!

محمد عزيز الوكيلي: لبنان تحترق.. والعشاء والسهرة في شيراتون طهران!! محمد عزيز الوكيلي
ليس في العنوان أعلاه ما يُضحك او يُداعِب أو يُمازح... فالأمر فعلا على هذا النحو من التناقض والتعارض: مذبحة ومحرقة جديدة في جانب، مباشرة بعد مذبحة ومحرقة غزة، التي ذهب ضحيتها بين القتلى والجرحى والمعطوبين أكثر من مليون ونصف نسمة، وفي الجانب الآخر، الأشدّ قرباً إلى درجة الالتصاق، يسهر حكام إيران ناعمين مطمئنين، اللهم إلاّ من بعض ما يقومون به من مناوشات هزيلة ومثيرة للسخرية فيما يسمى عند إعلامهم المُستَلَب "صموداً" و"مقاومةً" و"ردّاً مُفحماً" على إسرائيل (!!!) فهل تستطيع هذه الحركات البطيئة والهزيلة والغبية ان تشكّل بالفعل رداً على ما أثخنَتْ فيه إسرائيل من القتل والحرق والإبادة؟.. لا وألْف لا، بكل معايير العقل والمنطق!!

لنقرأ هذا الذي وقع خلال الأيام القليلة الماضية بشيء من التأنّي والتمعُّن:

تبادلت إيران وإسرائيل ضربات محسوبة ومضبوطة لها علاقة بضرب القنصلية الملحقة بمبنى السفارة الإيرانية بدمشق، وهي الضربة التي حملتها قصاصات أخبار اليوم الأول من أبريل من هذا العام وكأنها مجرد كذبة أبريلية، إلا انها كانت ضربة موجعة بالفعل، ذهب ضحيتها نحو ستة عشر نفراً من الحرس الثوري الإيراني، كانوا في اجتماع بمقر القنصلية صحبة بعض المقاتلين الفلسطينيين، وكان جدول أعمال الاجتماع متعلقا بشكل حصري بمعارك غزة والقطاع، وكان في طليعة القتلى أحد القياديين الكبار في الحرس الثوري الإيراني، مما يدل بدءاً على اختراق لا يمكن ان يكون إلا اعتياديا لتحركات المخابرات الإيرانية وحوارييها الفلسطينيين، الذين جرت العادة بأن يتبادلوا فيما بينهم عبر وسائل التواصل وشبكات النت والهواتف الذكية كل ما كان يفترض ان يظل بينهم في طي السرية والكتمان!!

ولأن إيران لم يكن في وسعها أن تفعل أكثر مما اعتادت عليه من رفع منسوب التهديدات والتلويح بإقرار العزم على الانتقام، فإنها لم تتبع ذلك على سبيل الرد، سوى بما يمكن اعتباره تنظيما لسهرة حرائق وألعاب نارية باتجاه الأراضي الإسرائيلية، وليس أكثر، لعلمها بأن مصانعها وسدودها ومفاعلاتها النووية توجد دائما وأبدا على مرمى حجر من طائرات الإف 35 الإسرائيلية، التي لا تخطئ أهدافها أبداً ولا في الأحلام!!

في هذه الأثناء، وخلف كل هذه المظاهر الحربية الكاذبة، كانت المخابرات الإسرائيلية منشغلة بمشروع شيطاني جهنمي، أشك أن إبليس كان يعلم تفاصيله، يتمثل في اختراق خريطة تَزَوُّد حزب الله "اللبنانُوإيراني" بأجهزة للاتصال اللاسلكي تحمل اسم "بيجر". وقع عليها الاختيار من لدن قادة حزب الله وعرّافهم الأكبر حسن نصر الله، الذي يبدو انه إيراني الروح والمحتد، لكون هذا الجهاز تقليديا، ولا يوجد له أدنى اتصال بالأنترنت، ولا بأي تكنولوجيا اتصالية أخرى مثل "الويفي" وغيره، ولكونه بالتالي، أكثر اجهزة الاتصال والتواصل أمناً وتَخَفِّياً، فضلاً عن اختيار حزب الله طريقة الاقتناء عبر السوق السوداء حتى تتم عملية التزوّد بمنتهى السرية وبلا أدنى وثائق رسمية...

ولأن إبليس وقَبيله يكمنون عادة خلف هذه الأنواع والطرق من التعامل غير النظامي، والهامشي والموازي، فقد استطاعت مجموعة من الأبالسة الإسرائيليين أن تتسلل إلى نقطة من نقط الخريطة السرية التي تحركت عبرها شحنة أجهزة "البيجر"، موضوع الصفقة، واشتغلت عليها في خفاء تام، فألحقتها بخدمة "الويفي" بطريقة او بأخرى ليتيسّر الاتصال بها عن بعد، ثم حشرت بداخلها شحنات متفجرة لا يزيد وزن الواحدة منها على 20 إلى 30 غراماً، ولكنها كافية لإحداث ثقب كبير في أقرب الأشياء والأجسام إليها، وبذلك تمكنت الموساد ووصيفاتها الأخرى من تفجير كل الأجهزة التي تضمنتها عملية الاقتناء، من مُنَبِّهات البيجر، وكذلك من أجهزة "الطالكي وًالْكي" التي اتضح أنها كانت ضمن نفس الصفقة، ثم اتضح بعد ذلك، "ولات حين مناص" كما قال تعالى، أي بعد فوات الأوان، أن الشركة التي عقد حزب الله صفقته معها، لاستجلاب هذين النوعين من أجهزة الاتصال، وهي شركة مجرية في الظاهر، كانت صورية وليس أكثر، بدليل عجز الاستخبارات الإيرانية واللبنانية عن العثور على أيّ اثر لها، لأنها حلّت نفسَها وصفّت وجودَها بين يوم وليلة فلم يعد لها في الساحة أي أثر... ليتجه التفكير على أكثر من صعيد إلى أن الصفقة كانت بين حزب الله وشركة إسرائيلية منتحلة لصفة مؤسسة وِساطية وتجارية مجرية كانت موجودةً بالكاد فوق حزمة من الأوراق وليس أكثر!!

النتيجة في نهاية المطاف؟ أنه اتضح أن ضربة المعلم هذه كان الهدف منها زعزعة قيادات حزب الله وإبعاد نحو خمسة آلاف نفر منها عن الساحة بين قتيل وحريح ومصاب بعاهات مستديمة، ما دامت تفجيرات اجزة الاتصال قد طالت الأوجه والأعين والرؤوس والآذان والأيدي، لأن هذه هي الأعضاء التي تكون أكثر احتكاكا واقترابا من أجهزة الاتصال لحظة وقوع الانفجارات، المتزامنة والمتناسقة فيما بينها إلى أقصى درجات التنسيق المخابراتي، المذهل بكل المقاييس!!

والنتيجة ايضاً، أن الجميع صار موقنا بأن ضربة المعلم تلك، لم تكن سوى مرحلة تمهيدية كان الهدف منها إرباك قيادات حزب الله وإخراجها من المعركة قبل بدايتها الحقيقية، التي لم تتضح للعيان إلا قبل ساعات معدودة من ساعة الله هذه، عندما نقلت إسرائيل جيوشها المدرعة وأسلحتها الميدانية الثقيلة التي كانت مرابطة بغزة باتجاه حدودها الشمالية مع جنوب لبنان، الواقع بكليته تحت السيطرة الكاملة لقوات حزب الله، وخاصةً وحداته النخبوية الشهيرة باسم "الرضوان"، لتبدأ بعد ذلك مباشرة المعركة الحقيقية التي مهدت لها ضربة أجهزة "البيجر" والاتصال اللاسلكي، وليقع جنوب لبنان، كما وقعت قبله غزةُ والقطاع ورفح، تحت رحمة صواريخ الطيران الإسرائيلي، الذي شن في ساعاته الأولى أكثر من مائتي طلعة صب خلالها عشرات الآلاف من المتفجرات من صواريخ وقنابل من كل الأشكال والأحجام... والآتي أفظع!!

والنتيجة أيضاً، أن الطيران الإسرائيلي استطاع في إحدى ضرباته لجنوب العاصمة بيروت أن يقتل قائد كتائب الرضوان، ومعه نحو العشرين من قيادة الكتائب ذاتها، مما يؤكد ويُعيد التأكيد على أن الاختراق الإسرائيلي لقوات حزب الله، وللبنان برمتها، وكذلك الأمر بالنسبة للمخابرات والقيادات الإيرانية، يمكن اعتباره بحق، قمةً في الحذاقة وغير مسبوقٍ بكل المعايير، والتيقن بتحصيل الحاصل من وجود العشرات من العملاء والخونة وبائعي الذمم والضمائر في إيران ولبنان وسوريا وفي صفوف حزب الله وحماس والنصرة وفي كل الجماعات الشبيهة والتي لم تبق فيها غير الأسماء!!

أما الأغرب والأعجب في كل ما سلف ذكره، فهو الموقف الإيراني، الذي يمكن القول إنه تعمّد التخلي عن أذرعه التي يُشَكّلها مجاهدو "حماس" و"القسّام" في التراب الفلسطيني، وتحديدا في غزة والقطاع، وقوات حزب الله في جنوب لبنان وفي سوريا... فيما يشبه صفقة إيرانية خسيسة تكرّس بها إيران خاميناي خيانتها لعهود جهادية في كل من سوريا والجنوب اللبناني وقطاع غزة، وكذلك في العراق، يتضح الآن أنها عهودٌ أكثر من كاذبة!!

إنّ أحوال القيادات الإيرانية، المنغمسة في مَعايِشِها اليومية الاعتيادية، تؤكد ذلك بالمحسوس والملموس... والعبرة بما سيأتي به قريبُ الأيام!!!

 
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي