الثلاثاء 23 إبريل 2024
سياسة

من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي: نصف قرن من إشهار جنيرالات مصر "الكراهية" تجاه المغرب

من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي: نصف قرن من إشهار جنيرالات مصر "الكراهية" تجاه المغرب

لنقلها بصراحة: متى كانت العلاقة بين المغرب ومصر علاقة مودة وألفة؟ فالأصل في العلاقة بين المغرب ومصر هو التنافر والتنافس والصراع، وليس التلاحم.

فإذا أسقطنا فترة البدايات الأولى للاستقلال التي كانت مصر تنتشي فيها بالود مع المغرب باعتبارها احتضنت مكتب المغرب العربي وآوت علال الفاسي وعبد الكريم الخطابي، وكانت أول دولة تعترف باستقلال المغرب عام 1956، فإن قراءة مسار 59 سنة من عمر العلاقة بين البلدين تبرز أنه مسار مليء بالنتوءات والتوترات. وإليكم الدليل:

1- في بداية حكم المرحوم الحسن الثاني سخرت مصر في عهد عبد الناصر مختلف أذرعها وآلياتها لزعزعة المغرب عبر تصدير "الثورة القومية العربية المباركة" لمحاربة "النظام الملكي الرجعي". التوتر بين البلدين كان على وشك القطيعة الديبلوماسية عام 1963 أثناء اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر التي سحق فيها الجيش المغربي نظيره الجزائري. وتم أسر مجموعة من الجنود المصريين الذين كانوا يشاركون في صفوف القوات الجزائرية في حرب الرمال من ضمنهم الضابط حسني مبارك (الذي سيصبح رئيسا لمصر فيما بعد).

ومع تصاعد الاستفزاز الإسرائيلي وتمطط الاحتلال، برزت دعوات لتصفية الأجواء العربية عام 1964 تمهيدا لعقد أول قمة عربية بالقاهرة آنذاك. وكعربون عن حسن نية المغرب تجاه مصر، سلم الحسن الثاني الجنود المصريين الأسرى لجمال عبد الناصر عشية انعقاد قمة القاهرة (من ضمنهم حسني مبارك)، بل وقرر الحسن الثاني الحضور شخصيا في القمة.

لكن ذلك لم يسقط الحذر كعنوان للعلاقة بين البلدين. خاصة وأن المرحوم الحسن الثاني رد على مناوشات جمال عبد الناصر في الاستمرار في تعبئة وتجييش القوميين واليساريين وأنصارهم بالمغرب، باعتماد خطة لتفريغ مصر من معارضي جمال عبد الناصر، وهو ما تأتى للحسن الثاني الذي نجح في استقطاب معظم معارضي الحسن الثاني في الستينات ومكنهم من مناصب في التعليم وباقي المرافق المدنية.

2- عقب حريق القدس عام 1969 تحرك المغرب الذي كان من مؤسسي القمة الإسلامية لعقد قمة الدار البيضاء، فتحركت الآلة الناصرية آنذاك للحيلولة دون بروز أسهم المغرب ديبلوماسيا، خاصة وأن جراح نكسة 1967 لم تكن قد اندملت بعد في مصر، إلا أن إصرار الحسن الثاني على أن يكون المغرب هو الحاضن لأول قمة إسلامية تغلب على مناوشات مصر.

3- بعد وفاة جمال عبد الناصر في شتنبر 1970، سيتولى الحكم في مصر أنور السادات. ويمكن القول إن فترة السادات كانت هي الفترة "الذهبية" في علاقة المغرب مع مصر. إذ تزامنت فترة حكمه بوقوع انقلابين ضد الحسن الثاني من جهة، وتصاعد استفزاز الجزائر بومدين وليبيا القذافي ضد المغرب من جهة أخرى. ولما وقعت حرب أكتوبر 1973 عرض المغرب خدماته على مصر وسوريا لقطع الطريق على الذين يزايدون على المغرب بكونه ليس "عروبيا"، ولكون الحسن الثاني شم بحدسه ما سيلي من تحولات بالمنطقة خاصة بعد أن قال السادات قولته الخالدة بأن حرب أكتوبر "هي آخر الحروب بالنسبة لنا".

تأسيسا على ذلك سيصبح المغرب ملاذا لكل اللقاءات السرية بين مصر وإسرائيل والتي جمعت بين موشي دايان، وزير الدفاع في حكومة غولدامايير وحسن التهامي مستشار الرئيس السادات. هذه اللقاءات امتدت طوال النصف الثاني من سبعينات القرن 20 إلى أن أثمرت اتفاقية كامب ديفيد (17 شتنبر 1978 بين أنوار السادات ومناحيم بيغن بإشراف جيمي كارتر).

لكن بعد هذه الاتفاقية، سيجد المغرب نفسه مضطرا إلى قطع العلاقة الديبلوماسية مع مصر امتثالا للقمة العربية المنعقدة في بغداد عام 1978 (والتي تقرر فيها أيضا نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة لتونس)، خاصة وأن مواقف العرب بدأت تساوم المغرب في صحرائه إن لم يقطع العلاقة مع مصر.

4- بعد اغتيال أنوار السادات يوم 6 أكتوبر 1981 سيتولى الحكم نائبه حسني مبارك، ونسجت علاقات محتشمة مع المغرب. إذ كانت العلاقات الديبلوماسية مقطوعة. ومع ذلك حافظ الحسن الثاني على شعرة معاوية مع مصر، بالنظر إلى أن حسني مبارك لما كان نائبا لرئيس جمهورية مصر كان يقوم بزيارات مكوكية كثير للمغرب على واجهتين: الواجهة الأولى للعب دور الوساطة لفك ملف سرى الجنود الجزائريين الذين خسروا معركة أمغالا مع الجيش المغربي عام 1976، والواجهة الثانية كانت لها علاقة بترتيبات المفاوضات السرية بين مصر وإسرائيل. وتأسيسا على ذلك سهل على حسني مبارك التعامل مع الحسن الثاني لما أصبح رئيسا لمصر. ورغم عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والعالم العربي عام 1987، فإن ذلك لم يشفع في نزع فتيل التنافر بين المغرب ومصر. فعقب غزو العراق للكويت في غشت 1990 ستصطدم القاهرة والرباط مجددا بسبب نظام الأمن الجماعي العربي لحماية دول الخليج من أي أخطار بعد انتهاء حرب الخليج الأولى. فالمغرب رفض الدخول إلى إعلان دمشق في مارس 1991 فيما مصر كانت تصر على أن تكون قواتها ضمن القوات الحامية للخليج (مع جيوش سوريا) طمعا في مساعدات بقيمة 16 مليار دولار مناصفة بينها وبين سوريا. إلا أن دول الخليج لم تسلم أي دولار لمصر وسوريا فنادتا على جيشهما للانسحاب من الخليج بشكل جعل المصريين يعتقدون أن المغرب "خدمهم" في الخليج. علما أن الحسن الثاني لما رفض نظام الأمن الجماعي كما ورد في إعلان دمشق، فلأنه كان يرفض سياسة المحاور، على اعتبار أن "خندقة" المغرب في محور ما سيكون في مصلحة الجزائر التي تصطف مباشرة في المحور المناوئ، مما سيعزز أنصارهما في الطرح المناوئ للمغرب في الصحراء. ودول الخليج بنفسها "ضربت الحساب" ووجدت أن الأموال التي قد تشتري بها الأمن بمقتضى إعلان دمشق من الأحسن إضافة بعض الاعتمادات عليها وشراء الأمن من الدول الكبيرة (أمريكا وبريطانيا) لحماية أمن الخليج.

5- رغم قيام الحسن الثاني بمحاولة لرأب الصدع بين العرب عقب فشل إعلان دمشق وجولاته للدول العربية عام 1992 (زار السعودية والإمارات وسوريا والأردن ومصر)، فإن ذلك لم يشفع للمصريين في طي الصفحة لأنهم كانوا يعتقدون أن المغرب هو السبب في حرمانهم من 8 مليار دولار كمعونة من الخليج مقابل ضمان أمنهم.

وظل التشنج سيد الموقف إلى أن برزت بوادر مصالحة بين الدول العربية في أواسط السبعينات من القرن العشرين.

وعلى اعتبار أن مجلس الجامعة العربية يجتمع مرتين في السنة (شتنبر ومارس على مستوى وزراء الخارجية) تزامنت تلك الأجواء مع ترأس المغرب للدورة واقترحت الرباط بأن ينعقد مجلس الجامعة بالمغرب بدل القاهرة، فاغتاظت مصر لأنها كانت تعيش آنذاك سلسلة من الهجمات الإرهابية توجت حينها بمذبحة في الأقصر في خريف 1997 نتج عنها هجرة جماعية للسياح وانهيار شامل للاقتصاد المصري المعتمد بالأساس على القطاع السياحي. واعتبرت القاهرة مبادرة المغرب وكأنها "دق آخر مسمار في نعش مصر" بقولها: "إذا هرب العرب من الاجتماع بمصر فما الذي سيغري باقي دول العالم للمجيء إليها". فتنازل المغرب عن مطلبه وأوفد المرحوم عبد اللطيف الفيلالي ليترأس الوفد المغربي في اجتماع مجلس الجامعة بالقاهرة.

6- موازاة مع تلك الحرب الباردة بين البلدين، دب الشلل في اللجنة الثنائية المغربية المصرية التي لم تعقد أي اجتماع لها طوال الفترة الممتدة من 1989 إلى 1996، أي منذ "عودة" مصر إلى "الصف العربي" عقب قمة عمان (1987).

لماذا؟

لأنه في أواخر الثمانينات بدأت إرهاصات "إحلال السلام" في الشرق الأوسط تتبلور، وكان الإسرائيليون يثقون في وساطة المغرب أكثر من وساطة مصر (ربما لأن إسحاق شامير ورابين وقتها كانا يظنان أن المغرب بعيد عن دول الجوار وليست له حسابات سياسية مباشرة مع أطراف الصراع المحلي). هذه الإرهاصات ستثمر مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 لعملية السلام، وهي عملية توزعت على شقين: شق المفاوضات الثنائية بين لبنان وسوريا وفلسطين والأردن مع إسرائيل (كل دولة على حدة) وشق المفاوضات المتعددة الأطراف على مستوى مجموعات العمل (مجموعة الحد من التسلح، مجموعة التنمية الاقتصادية، مجموعة مشكل اللاجئين إلخ...).

ونظرا لكون إسرائيل إسحاق شامير ورابين كانت تنسق أكثر مع المغرب مقارنة مع مصر (على هامش مسلسل مدريد) لم تتحمس مصر لإحياء اللجنة الثنائية بين الرباط والقاهرة وظلت مجمدة لمدة سبعة أعوام.

7- بعد وقوع مجزرة قانا على يد الإسرائيليين في أبريل 1996 وما تلا ذلك من تغيير الخريطة السياسية بإسرائيل ومجيء نتانياهو، سيعود الدفء إلى دول العالم العربي، ولإحياء اللجنة الثنائية "الميتة" بين البلدين، سيخلق الحسن الثاني سابقة دبلوماسية عبر ترأسه شخصيا مع الرئيس حسني مبارك اللجنة الثنائية مرتين: الأولى في القاهرة في 1998 والثانية بالمغرب عام 1999.

وهذه التخريجة الدبلوماسية ساعدت على تجاوز الاصطدام بين دولتين إقليميتين قويتين لهما جذور في التاريخ، بالنظر إلى أن المغرب ليس من مصلحته فتح جبهة عدائية إضافية (فيكفيه أن له عدوا تاريخيا وهو الجزائر الذي يسخر كل موارد الجزائريين لمحاربة المغرب). ومصر وعت بدورها أنه ليس من مصلحتها المواجهة مع المغرب خاصة وأنها عانت من عزلة دولية شديدة.

8- اليوم، وقد تجدد التنافر بين الدولتين عبر توالي استفزازات الإعلام المصري (التابع عمليا للمخابرات في معظمه) ضد المغرب والمغاربة، وأعقبه رد الإعلام العمومي المغربي بشكل قاس. فالأمل هو أن ترقى حكمة العقلاء في البلدين لرد الأمور إلى نصابها.

(تفاصيل أخرى في غلاف "الوطن الآن" الجديد:

"من جمال عبد الناصر إلى عبد الفتاح السيسي: نصف قرن من إشهار جنيرالات مصر "الكراهية" تجاه المغرب")

cov