السبت 20 إبريل 2024
في الصميم

متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم؟!

متى كان الفوسفاط تركة للحزب الحاكم؟!

رغم أن الدستور حسم اختصاص كل سلطة وأطر العلاقة بين السلط بعضها ببعض، إلا أن ذلك لم يشف غليل المتسلطين الذين يريدون تحويل المغرب إلى ضيعة محفظة باسم الحزب الحاكم. فبعد التحرش ضد الولاة والعمال، وبعد "تقطير الشمع" ضد المؤسسات الأمنية، جاء الدور على المؤسسات الإستراتيجية التي صار عدد من قادة الحزب الحاكم يوجهون راجماتهم نحوها في أفق بسط نفوذهم عليها، خاصة صوب المجمع الشريف للفوسفاط، تارة باللمز وتارة بالغمز. وتناسوا أن قطاع الفوسفاط ملك للمغاربة ككل وليس تركة لحزب سياسي لتغذية أرصدته أو توسيع أنصاره أو تمويل حملاته وأنشطته.

فالمغرب الحديث (أي منذ فرض الحماية) تشكلت اقتصادياته كلها حول الفوسفاط، لدرجة أن مداخيل هذا القطاع تمثل ثلث عائدات البلاد من العملة الصعبة، هذا دون الحديث عن لعبه الدور المحوري في الدورة الاقتصادية ككل.

فحتى الخط السككي الأول بالمغرب لما وضع لنقل الفيالق العسكرية الفرنسية عام 1913-1912 لإخماد ثورات وادي زم، سرعان ما تحول إلى خط حصري للفوسفاط بعد اكتشاف الفوسفاط، وثم إكمال الطريق بين الدار البيضاء وقصبة تادلة على خاصرة جبال الأطلس.

وعمليا بدأنا نلاحظ تفكيكا منهجيا بطيئا للبنيات السوسسيو-مجالية التقليدية بالمغرب. إذ لتكوين حوض منجمي يتعين نسف الإطار القبلي الذي كان يمثل عرقلة كبرى في المجال العقاري. فالشروع في نزع ملكية الأراضي لاستغلالها في الفوسفاط دفع إلى إقرار شفافية عقارية، من هنا صار آنذاك لزاما خلق محافظة عقارية، وهو ما تم يوم 12 غشت 1913. فتم بفضل الفوسفاط التأريخ منذ ذاك اليوم لظهور الملكية الفردية. التسجيل في المحافظة العقارية انطلق في الأول ليشمل البنايات وما يحيط بها، مما استدعى تفكيك الملكيات العقارية فبدأت بوادر عمليات البيع والقروض.

لكن حل مشكل العقار لم ينه الأزمة، إذ كان لابد من حل مشكل الكهرباء، خاصة وأن مناجم الفوسفاط تحتاج لطاقة كبرى، فتم خلق شركة الطاقة الكهربائية بالمغرب التي أحدثت معملا حراريا بالبيضاء ومعملا كهرومائيا بأولاد معاشو لنقل الكهرباء إلى خريبكة.

مشكل ثالث برز، ألا وهو اليد العاملة اللازمة لاستغلال مناجم الفوسفاط. ففي البدء تم اللجوء للرحل للقيام بأعمال إزالة الردم، لكن ظهر أن البدو الرحل آنذاك غير متحمسين، فتم إحداث سجن بولعوان لاستقبال السجناء لتقليص كلفة الاستغلال والمردودية، قبل أن تلجأ الإدارة في ما بعد إلى التوظيف الذي سيأخذ بعدا وطنيا. فأخذت المجالات الحضرية المنجمية الفوسفاطية شكلا آخر واتخذت الحياة السوسيو-اقتصادية شكلا مغايرا. فالمكتب الشريف للفوسفاط منذ أن خلقته الحماية وهو قطاع تحتكره السلطة المركزية. صحيح أن الاستعمار كان يريد حماية فلاحته من مزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية، فاهتدى إلى حصر التنقيب والاستغلال بيد الدولة بدل تفويته للخواص وخلقت المكتب الشريف.

وبعد الاستقلال ظل قطاع الفوسفاط محوريا في إعداد التراب الوطني وفي تقوية القدرات الاقتصادية الوطنية وفي جر المقاولات الوطنية نحو الأعلى، بدليل الاستثمارات الضخمة التي ترأسها الملك مؤخرا التي سيوظفها المجمع الشريف للفوسفاط، سواء بالجديدة أو آسفي أو الدار البيضاء أو خريبكة أو العيون، مع ما يستتبع ذلك من تعزيز القدرة المينائية والطاقية والصناعية للمغرب، فضلا عن تأمين آلاف المناصب بالشركات والمقاولات المتعاملة مع المجمع الشريف.

وبالتالي، فاستهداف المجمع الشريف للفوسفاط هو ترجمة لأطماع الحزب الحاكم في التحكم في أحد أهم المنابع المالية الإستراتيجية بالبلاد لتوزيع "الفيء" (أو الغنيمة، لأن المعنى واحد بالنسبة له) على الأنصار والأتباع، وهي نفس الطريقة التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية في تركيا الذي وضع يده على الشركات الكبرى لتوزيع الصفقات على أتباعه الذين يوزعون بدورهم الغنائم على خزانات التجنيد الانتخابي في المدن والقرى، حتى إذا حلت الانتخابات يكون الحزب الحاكم هو الماسك برقاب الناس: إما أن تصوتوا على مرشحينا أو سنغلق "الروبيني"!