Tuesday 2 December 2025
كتاب الرأي

عبدالفتاح الصادقي: الجزائر أمام تداعيات مؤتمر تجريم الاستعمار في إفريقيا..!

عبدالفتاح الصادقي: الجزائر أمام تداعيات مؤتمر تجريم الاستعمار في إفريقيا..! عبدالفتاح الصادقي
أسدل الستار على المؤتمر الدولي حول جرائم الاستعمار في إفريقيا الذي احتضنته العاصمة الجزائرية، خلال يومي 30 نوفمبر وفاتح دجنبر 2025 ، بإصدار إعلان حاول استعمال لهجة مهاجمة، من خلال تكرار شعارات ضرورة الاعتراف بجرائم الاستعمار و إلزام القوى الاستعمارية تقديم التعويضات، إلا أن النتائج النهائية تظل محدودة جدا، إذ لم يُسفر المؤتمر عن آليات مُلزمة ولا عن إجماع أفريقي قوي، مما يقلل من تأثيره الفعلي سواء على الصعيد القاري أو الدولي، وفي النهاية لم يُلبِّ كل توقعاته المعلنة..
والملاحظ أن تنظيم المؤتمر، يأتي في ظل حالة من عدم الاستقرار الإقليمي والدولي العميق. ويأتي أيضا بعد إخفاقات دبلوماسية ملحوظة للجزائر؛ أمام النجاحات الدبلوماسية المغربية في أفريقيا..
والواقع أن هذه التظاهرة أثارت منذ البداية، تساؤلات عديدة حول أهدافها الحقيقية، وتداعياتها الدبلوماسية والاقتصادية المحتملة، وخطورتها على الجزائر في ضوء الديناميكيات الداخلية والخارجية التي تواجهها البلاد.
لاشك أن للنظام العسكري في الجزائر دوافعه وأهدافه الخاصة وراء الانخراط القوي في هذه التظاهرة القارية التي اتخذت طابعا "احتفاليا" في وسائل الإعلام الجزائرية، هذه الأخيرة حاولت إضفاء الطابع الرمزي للدولة الجزائرية، الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، باعتبارها متزعمة قضايا الذاكرة الأفريقية، حيث روجت الجزائر لنفسها كواحدة من أكثر الدول التزامًا بإدانة الاستعمار والدفاع عن ذاكرة النضالات ضد الاستعمار. ويمكن تفسير تنظيم هذا المؤتمر في هذا الظرف بالذات، حسب الأهداف التي يحلم بها النظام العسكري الجزائري، انطلاقا من الاعتبارات التالية:
- أولا : تحقيق "تموضع أيديولوجي للجزائر الجديدة" بهدف تعزيز شرعية البلاد التاريخية في أفريقيا؛ في وقت ماتت فيه "الإيديولوجيات" أمام المصالح الاقتصادية والجيوسياسية..
- ثانيا: الرغبة في ترسيخ مكانتها كصوت قاري في مجال عدالة الذاكرة، وهو موضوع قد تهتم به مختلف الدول التي عانت من ويلات الاستعمار، ولكن ليس بالطريقة نفسها التي تعتمد عليها الجزائر لتصريف أحقادها وصرف النظر عن أزماتها الداخلية ..
ثالثا: السعي إلى إعادة تنشيط الشبكات التقليدية المنبثقة من حقبة حركات التحرير كأداة من أدوات "القوة الناعمة"، التي تتوافق مع استراتيجية التأثير على الصعيد الدولي، وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيل التحقيق في ظل المتغيرات والتحولات الدولية.
والحقيقة أن النظام العسكري الجزائري حاول توظيف هذا المؤتمر لمواجهة تآكل "نفوذه الإقليمي"، والتخفيف من العزلة الدولية التي تسبب فيها لنفسه منذ أوائل عشرينيات القرن الحالي، حيث واجهت الدولة الجزائرية، عدة انتكاسات دبلوماسية، تمثلت أولا في تراجع وتهافت موقفها تجاه النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وذلك في أعقاب تزايد الاعتراف الدولي بمبادرة الحكم الذاتي المغربية؛ وثانيا في تدهور وعدم استقرار العلاقات مع جيرانها في منطقة الساحل، خاصة مالي والنيجر؛ وثالثا استمرار توتر علاقاتها مع المملكة المغربية وفرنسا والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الدول..
إن الانخراط الحماسي للنظام العسكري الجزائري في هذه التظاهرة تبدو ظاهريا عادلة ومشروعة، لكنها تأتي في سياق وطني ودولي معقد جدا، يتسم بتوتر هيكلي داخليا وخارجيا، فدولة الجزائر، الموروثة عن الاستعمار الفرنسي، تواجه أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، من مظاهرها البارزة: الاعتماد الكبير على موارد المحروقات، واستفحال التضخم، وارتفاع معدلات البطالة وخاصة وسط الشباب، وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وعدم الاستقرار السياسي الذي يتجلى في تحكم المؤسسة العسكرية في دواليب السلطة السياسية وفي شرايين المجتمع ككل. كما أن تنظيم هذا المؤتمر جاء في سياق دولي من سماته الأساس استمرار الحرب الروسية الأوكرانية؛ وإعادة ترتيب المواقف الاستراتيجية في منطقة الساحل؛ واحتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين؛ واستمرار أزمات الطاقة والغذاء.
وفي هذا الإطار، يُمثل تنظيم مؤتمر دولي بالنسبة للجزائر، وسيلة لإعادة تموضعها الإقليمي الدولي الذي تقهقر بسبب ردود الأفعال المتهورة لمسؤوليها، وفرصة لجذب اهتمام وسائل الإعلام وتلميع صورتها المخدوشة، وتعزيز الشرعية السياسية المفقودة، ومحاولة إعادة الثقة بين المحكومين والحاكمين التي تلاشت منذ تم التحايل على مطالب حراك عام 2019؛ وهو أداة رمزية أيضا لإعادة تأكيد دورها المتردي في أفريقيا.
من هذا المنظور، فإن مؤتمرًا دوليًا حول تجريم الاستعمار، من شأنه تعزيز السردية الوطنية للنظام العسكري، القائمة على الثورة؛ والمساهمة في حشد التوافق الداخلي؛ وصرف الانتباه عن الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية الهيكلية التي تواجها البلاد..
إن طرح مسألة "تجريم الاستعمار" في هذا الظرف تواجهه عدة تحديات ومخاطر بالنسبة للنظام العسكري للجزائر، أهمها رفض القوى الاستعمارية لهذه التظاهرة ولمخرجاتها؛ وحرص هذه القوى على تجنب حصول أي سابقة قانونية دولية في هذا المجال؛ إلى جانب غياب إجماع حول عملية التجريم مع وجود بعض الدول الأفريقية التي ترغب في الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية الاستراتيجية مع أوروبا.
وهناك عدة مؤشرات تشير إلى أن هذه التظاهرة تنطوي على مخاطر كبيرة تُفاقم العزلة التي تعيشها الجزائر على المستوى العربي والإفريقي والدولي.
وبشكل عام يظهر أن تنظيم مؤتمر دولي حول تجريم الاستعمار، يتخذ طابعا هجوميا على المستوى الرمزي، ولكنه يبقى هشا في مراميه وأهدافه على المستوى الاستراتيجي، لا سيما في سياق مأزوم تواجه فيه الجزائر صعوبات مقلقة على الصعيد الداخلي، وتوترات قاتلة في علاقاتها الإقليمية والدولية، حيث من المتوقع جدا، أن تتسبب هذه التظاهرة في مزيد من تدهور علاقات الجزائر مع القوى الأوروبية؛ وزيادة عزلتها الخارجية.
 
عبدالفتاح الصادقي، باحث وإعلامي