ليست الرياضة في جوهرها مجرّد سباقٍ نحو الميداليات، بل انعكاسٌ لروحٍ جماعية تبحث عن ذاتها في الجهد والانضباط والتحدّي. غير أن خطأً شائعاً يتسلّل إلى الخطاب العام حين تتحوّل الانتصارات الرياضية إلى غطاءٍ يُخفي تعثّر التنمية. فالملاعب المليئة بالتصفيق لا تعني بالضرورة مجتمعاتٍ ممتلئة بالعدالة والفرص. التنمية ليست لوحة تُزيَّن بلحظات النصر، بل مشروعٌ ممتدّ في التعليم، والصحة، والكرامة، والعدالة الاجتماعية.
الركض لا يكفي
حين تتقدّم الرياضة بينما تتأخر التنمية، يصبح الجسد أسرع من العقل، والحلم أوسع من الواقع. النجاح في الملعب جميل، لكنه ناقص إن لم ينعكس على باقي ميادين الحياة. كيف نفرح بفريقٍ يفوز، بينما شبابٌ آخرون يعجزون عن الظفر بفرصة عملٍ أو تكوينٍ كريم؟ إن الرياضة لا يمكن أن تكون بديلاً عن التنمية، بل امتداداً طبيعياً لها. الجسد المتوازن لا يعيش في بيئةٍ مختلّة، والمجتمع الذي يُهمل إنسانه لا تصنع انتصاراته مجداً مستداماً.
توازن القوة والمعنى
التنمية ليست رقماً في ميزانية، بل فلسفة حياةٍ تُعيد توزيع الجهد والكرامة على الجميع. حين يتفوّق الرياضي في ميدانه، يجب أن يجد الفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، والطالب في قسمه، الظروف نفسها التي تسمح له بالتألّق. فالتفوق الحقيقي لا يُقاس بعدد الأهداف، بل بعدد الأيدي التي تمتدّ نحو الأمل. العدالة في الفرص هي الروح التي تجعل من الفوز الرياضي شهادةً على وعي المجتمع، لا استثناءً عابراً.
حين تصير الرياضة ضميراً وطنياً
الرياضة تُعلّم الانضباط، والإصرار، والعمل الجماعي، وهذه القيم هي لبّ التنمية ذاتها. لكن الخطر يكمن حين تتحوّل إلى مسرحٍ لتخدير الجماهير بدل تحفيزها. المطلوب أن نستثمر روح الانتصار لا في الاحتفال، بل في الإصلاح. أن نترجم الدروس التي تُقدّمها الرياضة في الميدان إلى سلوكٍ اقتصادي وتربوي وإداري. الرياضي الذي يتدرّب يومياً للوصول إلى هدفه هو النموذج الذي يجب أن تلهم به الدولة مؤسساتها ومواطنيها.
التنمية أولاً
الرياضة سنة مؤكدة في مسيرة الأمم، لكنها تظلّ تابعةً لما هو أعمق: التنمية التي تُعيد للإنسان كرامته، وتوفّر له حقّ التعلم، والعمل، والصحة، والعيش الكريم. حين يكون الجسد في أوج عطائه والعقل في سباته، تختلّ المعادلة. التنمية فرض عينٍ على الدولة والمجتمع معاً، لأنها الضمانة الوحيدة لاستمرار الفوز في كل الميادين، لا في الملاعب وحدها.
أفق مفتوح
هل يمكن أن يتحوّل النصر الرياضي إلى بداية وعيٍ تنموي لا إلى نهاية احتفال؟
هل نستطيع أن نبني مدرسةً واقتصاداً وإدارةً توازي في احترافيتها ما نراه على المستطيل الأخضر؟
إن الجسد الذي يركض في الملعب يحتاج إلى عقلٍ يخطّط خارجَه، وإرادةٍ تُدرك أن المجد لا يُبنى بالتصفيق، بل بالعمل.
حين تتساوى سرعة التنمية مع سرعة الرياضة، حينها فقط يمكن للأمة أن تقول إنها ربحت المباراة الكبرى: مباراة الوعي.