Saturday 18 October 2025
Advertisement
مجتمع

جمال فكري: التنمية الحقيقية تبدأ بتعليم جيد ومنظومة صحية عادلة

جمال فكري: التنمية الحقيقية تبدأ بتعليم جيد ومنظومة صحية عادلة جمال فكري
 لقد‭ ‬فشلت‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتعليم‭ ‬والصحة‭ ‬في‭ ‬مجملها،‭ ‬وهناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭. ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التعليم‭ ‬فرصة‭ ‬لتقريب‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع،‭ ‬أصبح‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬إفراز‭ ‬فوارق‭ ‬اجتماعية‭ ‬وطبقية‭ ‬حقيقية،‭ ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مسار‭ ‬الإصلاحات‭ ‬لا‭ ‬يعطي‭ ‬الثمار‭ ‬المرجوة‭ ‬منه‭.‬
والإصلاح‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬سنة‭ ‬1957‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬التعليم،‭ ‬مروراً‭ ‬بعدة‭ ‬محطات‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬المخطط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬2015–2030،‭ ‬لم‭ ‬يتبلور‭ ‬بالشكل‭ ‬المقرر‭ ‬له‭ ‬سلفاً‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬ناتجاً‭ ‬عن‭ ‬تعاقب‭ ‬الحكومات،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬بعضها‭ ‬لم‭ ‬يستوعب‭ ‬جيداً‭ ‬هذا‭ ‬المعطى،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تنزيل‭ ‬جميع‭ ‬التصورات‭ ‬الموضوعة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.‬
كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مشكلاً‭ ‬يتعلق‭ ‬بغياب‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية،‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الكبرى‭ ‬لا‭ ‬يتوفر‭ ‬في‭ ‬القرى،‭ ‬مما‭ ‬يُنتج‭ ‬هوةً‭ ‬كبرى‭ ‬بين‭ ‬المجالين‭ ‬القروي‭ ‬والحضري،‭ ‬ويُعمق‭ ‬الفوارق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والهشاشة‭ ‬والفقر‭. ‬فغياب‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يُعتبر‭ ‬عثرة‭ ‬قوية‭ ‬تُكرّس‭ ‬الفوارق‭ ‬الطبقية‭ ‬في‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬تعليم‭ ‬جيد‭.‬
ومن‭ ‬بين‭ ‬الحلول‭ ‬الناجعة،‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬تكوين‭ ‬مستمر‭ ‬للمعلمين‭ ‬والأساتذة‭ ‬ورد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لهم،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬ربط‭ ‬التعليم‭ ‬بسوق‭ ‬الشغل،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسير‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬الصحيح‭ ‬والتعليم‭ ‬لا‭ ‬يُساهم‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شباب‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬ولوج‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭. ‬فالتنمية‭ ‬رهينة‭ ‬بتعليم‭ ‬مرتبط‭ ‬بحاجات‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭.‬
وربط‭ ‬التعليم‭ ‬بسوق‭ ‬الشغل‭ ‬يتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬الجهود‭ ‬بين‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعمومية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التعليمية،‭ ‬حتى‭ ‬تصبح‭ ‬فضاءات‭ ‬للتدريب‭ ‬تمكّن‭ ‬المتعلمين‭ ‬من‭ ‬الولوج‭ ‬إلى‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬دون‭ ‬معاناة‭ ‬أو‭ ‬عراقيل،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‭.‬
وإذا‭ ‬كنا‭ ‬نريد‭ ‬تنمية‭ ‬شاملة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬تعليم‭ ‬جيد‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬النائية،‭ ‬مع‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬تعليمية‭ ‬واعدة‭ ‬هناك،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬المدارس‭ ‬والبنيات‭ ‬التحتية‭ ‬الأساسية‭ ‬وشبكات‭ ‬الاتصال‭. ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬منح‭ ‬تحفيزات‭ ‬للمعلمين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬حتى‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬عملهم‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬جيدة‭.‬
ويجب‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬أن‭ ‬يستحضر‭ ‬المعطى‭ ‬المتعلق‭ ‬بالتكنولوجيا،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬مسألة‭ ‬بديهية،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إعطائها‭ ‬الأولوية‭ ‬حتى‭ ‬يرتفع‭ ‬الإيقاع‭ ‬وفق‭ ‬رؤية‭ ‬رقمية‭ ‬تفتح‭ ‬آفاقاً‭ ‬جديدة‭ ‬للمتعلمين‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الوطني‭ ‬والدولي‭. ‬فالتكنولوجيا‭ ‬الرقمية،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬لأي‭ ‬تقدم،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُلقَّن‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬على‭ ‬السواء‭.‬
شخصياً،‭ ‬لا‭ ‬أحبذ‭ ‬مسألة‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬تنزيل‭ ‬إصلاح‭ ‬التعليم‭ ‬على‭ ‬التلاميذ‭ ‬الجدد‭ ‬الذين‭ ‬سيلتحقون‭ ‬بالمدرسة،‭ ‬لأن‭ ‬قضية‭ ‬التعليم‭ ‬مسألة‭ ‬جوهرية‭ ‬ومرتبطة‭ ‬بقطاعات‭ ‬أخرى‭. ‬والحل‭ ‬الأشمل‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬تنمية‭ ‬شاملة‭ ‬يكون‭ ‬التعليم‭ ‬قاطرتها‭. ‬لذلك،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التريث‭ ‬نظراً‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬المحددات،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬العدالة‭ ‬المجالية‭ ‬والاجتماعية‭.‬
ويبقى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالوضعية‭ ‬المادية‭ ‬لنساء‭ ‬ورجال‭ ‬التعليم‭ ‬مسألة‭ ‬لا‭ ‬محيد‭ ‬عنها،‭ ‬لأن‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمناطق‭ ‬النائية‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬المعلم‭ ‬في‭ ‬المدن،‭ ‬ومن‭ ‬ثَمَّ،‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬تنزيل‭ ‬الجهوية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭.‬
وفيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمنظومة‭ ‬الصحية،‭ ‬فإن‭ ‬الواقع‭ ‬يُثبت‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬وضعاً‭ ‬صعباً،‭ ‬كما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬بمستشفى‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني‭ ‬بأكادير،‭ ‬خصوصاً‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬صعوبة‭ ‬الولادات،‭ ‬وهو‭ ‬إشكال‭ ‬يعرفه‭ ‬الجميع‭.‬
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬إرادة‭ ‬للإصلاح،‭ ‬فيجب‭ ‬إعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للعنصر‭ ‬البشري،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬خصاصاً‭ ‬كبيراً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭. ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬توسيع‭ ‬قاعدة‭ ‬التوظيف،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بالوضعية‭ ‬المادية‭ ‬للأطباء‭ ‬والممرضين‭ ‬وباقي‭ ‬المهنيين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي،‭ ‬وتوفير‭ ‬ظروف‭ ‬جيدة‭ ‬للاشتغال،‭ ‬لأن‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬عنصر‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬إصلاح‭. ‬فلا‭ ‬يُعقل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬عدد‭ ‬الأطر‭ ‬الطبية‭ ‬والتمريضية‭ ‬قليلاً‭ ‬جداً‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬نية‭ ‬واضحة‭ ‬لإصلاح‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭.‬
وما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬الحكومة‭ ‬بخصوص‭ ‬المجموعات‭ ‬الصحية‭ ‬الترابية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬التجربة‭ ‬الأولى‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬طنجة‭ ‬وتطوان‭ ‬والحسيمة،‭ ‬يجب‭ ‬تعميمه،‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬الجوانب‭ ‬التقنية‭ ‬المرتبطة‭ ‬به،‭ ‬وتوفير‭ ‬الأطقم‭ ‬الطبية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتنزيل‭ ‬الإصلاحات‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬الدولة‭ ‬تحقيقها‭.‬
وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬ظل‭ ‬رهيناً‭ ‬بتطاحنات‭ ‬سياسية‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬المنتخبين‭ ‬والوزراء‭ ‬الذين‭ ‬تعاقبوا‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُدرج‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬دولة‭ ‬تعلو‭ ‬على‭ ‬الحسابات‭ ‬السياسوية‭ ‬والحكومات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬لأن‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بصحة‭ ‬المواطنين‭.‬
إن‭ ‬الواقع‭ ‬يستدعي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الانتباه،‭ ‬لأن‭ ‬الصحة‭ ‬تمس‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬صميم‭ ‬حياتهم‭. ‬لذلك،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬التطاحنات‭ ‬السياسية‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬إذ‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تم‭ ‬صرف‭ ‬ميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬كافية‭ ‬دون‭ ‬توفر‭ ‬تركيبة‭ ‬بشرية‭ ‬تشتغل‭ ‬وفق‭ ‬قيم‭ ‬الطب‭ ‬وبنوايا‭ ‬صادقة‭. ‬فالمنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬قضية‭ ‬استراتيجية‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬بيد‭ ‬الدولة،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬نسبة‭ ‬7%‭ ‬من‭ ‬الميزانية‭ ‬المخصصة‭ ‬للقطاع‭ ‬تبقى‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬النسبة‭ ‬التي‭ ‬تحددها‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬والتي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬10‭ ‬و12%.
وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬الحسم‭ ‬فيه‭ ‬بسرعة،‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬المورد‭ ‬البشري‭ ‬حتى‭ ‬نضمن‭ ‬منظومة‭ ‬صحية‭ ‬واعدة‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الكرامة‭ ‬الصحية‭ ‬لكل‭ ‬المواطنين‭.‬
جمال فكري، الكاتب العام لمركز المنارة للدراسات والأبحاث