Thursday 26 June 2025
سياسة

العلوي: من عمق الجغرافيا السياسية للمواجهة المفتوحة.. ماذا يعني استهداف الحموشي.. الرمز الأكثر كفاءة للدولة

العلوي: من عمق الجغرافيا السياسية للمواجهة المفتوحة.. ماذا يعني استهداف الحموشي.. الرمز الأكثر كفاءة للدولة عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني (DGST)
في عالم ملتهب تتداخل فيه المصالح الأمنية بالرهانات الجيوسياسية، لا يثير الاستغراب أن يتحول الرجل الذي يقود واحدة من أنجح التجارب الأمنية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط إلى هدف متكرر لحملات التشويه والتأليب. عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني (DGST)، لم يعد مجرد مسؤول أمني، لقد أصبح رمزاً مؤسسياً للدولة المغربية الحديثة، وتجسيداً لما يمكن تسميته بـ"السيادة الأمنية الذكية"، كما وضع أسسها الملك محمد السادس ضمن خياراته الاستراتيجية في نقل المغرب على ما اصبح عليه اليوم.

 نجاحات ميدانية تثير الغيرة وتزعج الخصوم
 
في حدود سنة 2000، كانت الأجهزة الأمنية المغربية تمرّ بمرحلة انتقالية شائكة، في ظل تغيرات داخلية كبرى وتهديدات خارجية متزايدة. ومع دخول الحموشي إلى المشهد، أولاً من بوابة "الديستي"، ثم لاحقاً بترأسه إدارة الأمن الوطني، بدأت ملامح تحول استراتيجي تتشكل وفق استراتيجية ملكية ذكية: ضربات استباقية للإرهاب، تفكيك الخلايا المتطرفة، مراقبة ذكية لشبكات التجنيد العابرة للحدود وبناء تعاون استخباراتي دولي غير مسبوق، بحيث تحول الأمن المغربي إلى قوة ناعمة ضاربة.

هذا النجاح لم يُترجم فقط في التصنيفات الدولية أو التنويه الأوروبي والأمريكي المتكرر، بل في صمت مريب لأولئك الذين كانوا يراهنون على اختراق أمن المغرب من الداخل. ولأن نجاح الأمن المغربي بقيادة عبد اللطيف الحموشي، يعني فشل أجندات زعزعة استقرار الدولة ومؤسساتها التي تؤمن الاستقرار خاصة؛ فإن استهدافه يصبح، بشكل لا واعٍ، استهدافاً لهيبة الدولة نفسها.

 الرجل الذي يعيد تعريف مفهوم "الأمن "
 
عبد اللطيف الحموشي ليس رجل أمن تقليدياً. بل هو خريج متخصص في علم الاجتماع تدرج في أعتق مسالك التكوين الأمني، حتى أصبح يرأس اليوم جهازين حساسَين، أعاد بناء مفهوم الأمن كأداة وقائية، استباقية، عقلانية، تستند إلى الذكاء، لا فقط إلى الرد. قراراته طالت أعماق الجهاز: تحديث البنية التقنية، ترشيد التدخلات، ضبط العلاقة مع المواطن، وحفظ حقوق الإنسان في سياق أمني معقد.

هنا تحديداً، يبدأ بعض مناوئي المغرب، وخصوصاً التيارات الراديكالية والإعلام المعادي في دول الجوار أو داخل أوروبا، بتوجيه اتهامات فضفاضة، مبنية على روايات متهافتة، تم تضخيمها في بعض التقارير المشبوهة التي تتجاهل الوقائع وتتغذى على أهواء سياسية واضحة. لكنها لم تنل من ثقة المغاربة بمؤسستهم الأمنية أبدا.
 
البعد الإقليمي: حين تصبح الكفاءة الأمنية تهديداً للأجندات
 
يكمن جزء كبير من استهداف عبد اللطيف الحموشي ليس بما يتعلق بشخصه، بل بما يمثله. فالرجل يمثل مؤسسة خرساء، يفترض فيها دوما السرية، وهو في سلوكه اليوم يبتعد عن أضواء الكاميرا ويشهد جيرانه سواء في سكنه السابق أنه يقوم بواجباته الدينية في ذات المسجد، ويشهدون له بالتواضع بين جماعة الحي القديم والجديد، لذلك لا يجد المنتقدون ملفات شخصية ولا حوادث مرتبطة بالمعيش اليومي في حياة الرجل مما يمكن أن يشوش على مساره المهني. لذلك يختلقون التشويش بلا علة ولا معلومة ولا حدث.. على شاكلة خيارات المنهزمين دوما.

 في بيئة إقليمية يتراجع فيها منسوب الكفاءة، ويترنح فيها التنسيق الأمني بين بعض الدول، يظهر المغرب، بفضل قيادته الاستخباراتية، كقوة استقرار وتوازن. هذا الدور لا يُرضي بعض الأنظمة التي ترى في نفوذ الحموشي عربياً وإفريقياً تحدياً غير مباشر لنفوذها، خاصة في ملفات مثل دول الساحل، ليبيا، الهجرة، ومكافحة التطرف والجريمة المنظمة.
وقد وصل الأمر إلى حد إصدار مذكرات اعتقال كيدية أو إثارة "ملفات حقوقية" أمام محاكم أجنبية، في محاولات لا تستهدف العدالة بقدر ما تحاول تلطيخ سمعة من بات ركناً أساسياً في أمن الدولة المغربية.
 
استهداف استباقي لرجل الغد؟
 
لعل ما يخشاه خصوم المغرب في عبد اللطيف الحموشي هو ما يراه كثير من المراقبين بوصفه "رجل دولة" قوي. فبجانب عمله الأمني، بدأ الرجل يُعرف بقدرته على العمل بصمت، بحرفية، وبتوازن دقيق بين ما هو أمني وما هو سياسي. لذلك، فإن ضرب صورته اليوم قد يكون أيضاً محاولة لمنع صعوده في هرم الدولة غداً.
 
 المعركة الرمزية: التشكيك في الجهاز عبر رمزه الأبرز
 
منذ سنوات، أصبح واضحاً أن الهجوم على عبد اللطيف الحموشي هو تكتيك قديم جديد لإضعاف رمزية الدولة. فكما يُستهدف الجيش في بعض الدول لإسقاط هيبة النظام، فإن استهداف الحموشي هو محاولة لخلخلة الثقة في المؤسسة الأمنية، لزرع الشك في قدرة المغرب على حماية حدوده، ومكافحة الإرهاب، وضبط الداخل. لكن المفارقة أن هذا الاستهداف لا يزيد صورته إلا قوة. فكل حملة جديدة تفتح المجال لتأكيد ما يعرفه الداخل والخارج: أن الحموشي ليس مجرد اسم، بل مؤسسة بأكملها تشتغل بصمت، بفعالية، وبعقل بارد في زمن الانفعالات.

عبد اللطيف الحموشي لا يتحدث كثيراً. صمته يزعج أعداءه أكثر من أي رد. وهو يدرك، كما تدرك الدولة التي يشتغل داخلها، أن معركة الأمن لا تُكسب في الصحف أو في تغريدات الحاقدين، بل في الشوارع الآمنة، في المطارات التي لم تُضرب، وفي الخلايا التي تم تفكيكها قبل أن تحصد الأرواح، وفوق هذا في الثقة الملكية المبنية على المنجر لا على الحقد الأعمى.

وحين يُستهدف مناوئو المغرب الحموشي، فهم في الواقع يستهدفون المغرب ككل: نموذجاً، ومؤسسة، ورؤية سيادية مستقلة.