تابعتُ باهتمام آخر خرجة إعلامية لعمدة الدارالبيضاء و وجدتها أكثر منها سردٌ لما اعتبرَتْهُ العمدة إيجابيات و إنجازات فيما كنا نريدها وقفةً للذات تجيب فيها عن أسئلة البيضاويين وتحمل في الكثير من طياتها انشغالات و حتى خيبات الساكنة.
و بصفتي أحد سكان العاصمة الإقتصادية أجدها فرصة لأذكر العمدة بما غاب عنها في الحوار إياه. و لأني أعرف أن صانع القرار الأساسي هو الوالي، أي وِصاية وزارة الداخلية، فإني أجد المسؤولية متقاسمة بين الوالي و العمدة حتى لا أظهر كمن يتسلق "الحيط القصير" كما يفعل الكثيرون للأسف، موجهين سهامهم للمنتَخَبين فقط، و خاصين السلطة التنفيذية بالمديح و الثناء.
إني أجد العمدة و الولاة المتعاقبين منذ قدوم مكتب مجلس المدينة سنة 2021 متواطئين لإفراغ العاصمة الإقتصادية و أكبر مدينة بالمغرب من الحياة. كما أن الوالي امهيدية الذي حلَّ بأكبر مدينة مغربية منذ أزيد من عام و نصف فيبدو أنه منشغل أكثر بتحرير المِلْكِ العام فيما لم يساهم بعد في البناء البشري و هو أهم الأوراش التي التي تُقاسُ بها النجاحات أو الإخفاقات.
في الأربع سنوات الأخيرة، على عُهدة تدبير المكتب الحالي بنفسِ تحالفه الحكومي، تحولت الدارالبيضاء إلى غول بلا روح تسكنه كائنات مضغوطة بين مخالب متطلبات الحياة، و تكاد لا تجد أين تصرف هذه الضغوطات بفعل غياب شبه كلي للحياة الثقافية و الأنشطة الرياضية عالية المستوى، و هنا أسرد ثلاثة نماذج فقط من إخفاقات المسؤولين عن العاصمة الإقتصادية :
أولاً، تتوفر الدارالبيضاء على مسرح كلف الساكنة 140 مليار سنتيم و صار جاهزاً منذ أربع سنوات دون أن تُزرع فيه الحياة في مدينة "ميتروبولية" تفتقد كلياً لنشاط مسرحي في فضاء يحترم راحة المتلقي و ظروف عمل الفنان. العمدة تجاوزت هذا الموضوع الذي صار لُغزاً محيراً بالنسبة للبيضاويين و آثرت عدم إشعارهم بالسبب الحقيقي وراء فشل مشروع مسرح فخم كلف ميزانية ضخمة و تُرِك لمصير مجهول حتى أن بعض مرافِقِه بدأت تتآكل و تسكنها الجِرذان!
فهل لا يحق لسكان الدارالبيضاء أن يتمتعوا بمسرح يمنح فرجة في المستوى؟ و بما أن العمدة تحلم بمدينة "ميتروبولية" فلا شك أنها اطلعت على البرامج الثقافية اليومية التي يستفيد منها ساكنة المدن العالمية. سؤال قد يطرحه كل بيضاوي عن نفسه : ماهي آخر مسرحية عُرضت في الدارالبيضاء و ماهي آخر مسرحية شاهدتها؟ و تضم العاصمة الإقتصادية أكبر تجمع لمُبدعي المسرح أغلبهم يقضون معظم أوقاتهم بين المقاهي في غياب برامج ثقافية و ظروف عمل. و هو الوضع الذي جعل حتى القطاع الخاص يمتنع عن احتضان عروض مسرحية و فنية كما كان ذلك قبل ثلاثين سنة و حتى العشرين سنة الأخيرة. و مادام المسرح الكبير مغلقاً فسيظل العار يلاحق مجلس مدينة الدارالبيضاء.
فهل لا يحق لسكان الدارالبيضاء أن يتمتعوا بمسرح يمنح فرجة في المستوى؟ و بما أن العمدة تحلم بمدينة "ميتروبولية" فلا شك أنها اطلعت على البرامج الثقافية اليومية التي يستفيد منها ساكنة المدن العالمية. سؤال قد يطرحه كل بيضاوي عن نفسه : ماهي آخر مسرحية عُرضت في الدارالبيضاء و ماهي آخر مسرحية شاهدتها؟ و تضم العاصمة الإقتصادية أكبر تجمع لمُبدعي المسرح أغلبهم يقضون معظم أوقاتهم بين المقاهي في غياب برامج ثقافية و ظروف عمل. و هو الوضع الذي جعل حتى القطاع الخاص يمتنع عن احتضان عروض مسرحية و فنية كما كان ذلك قبل ثلاثين سنة و حتى العشرين سنة الأخيرة. و مادام المسرح الكبير مغلقاً فسيظل العار يلاحق مجلس مدينة الدارالبيضاء.
ثانياً، تم نقل معرض الكتاب من الدارالبيضاء للرباط بشكل مؤقت سنة 2020 بسبب جائحة كورونا لأن المعرض الدولي للدارالبيضاء كان مخصصاً بالكامل لاستقبال مرضى الجائحة. و على عهد هذه العمدة و الوالي السابق تم التساهل في التنازل للرباط عن هذه التظاهرة الكبيرة التي بدأت الدارالبيضاء في احتضانها قبل ربع قرن. و هو تنازل بحسابات سياسوية و حزبية على حساب البيضاويين منحت خلالها العمدة المنتمية للأحرار للوزير "البامي" ما لا تملكه. فمعرض الكتاب أُطلِقَ قبل ربع قرن و اقترن إسمه بالدارالبيضاء و حقق نجاحات تاريخية و يكفي أن نذكر أن آخر نسخة في الدارالبيضاء سنة 2019 بلغ عدد زوارها نصف مليون زائر فيما لم تحقق الرباط سوى نصف هذا العدد و هذا لوحده كافي لاستنتاج فشل ذريع لوزير الثقافة في تهريب هذا المعرض و تنظيمه في "خيمة" كبيرة و منح صفقة تسييره لشركة "إيفنت" نعرفها جميعاً. وسأظل أناضل من أجل إعادة معرض الكتاب لقاعدته بالعاصمة الإقتصادية و أنادي بمحاسبة مجلس المدينة هذا في ارتكابه هذا الجُرم "الثقافي".
ثالثاً، الغائب الآخر عن تصريحات العمدة هو مصير مركب الأمل. و لا بأس أن أذكرها أن مركب التنس هذا كان بمواصفات عالمية و كان يضم جائزة الحسن الثاني الدولية إحدى أكبر التظاهرات الرياضية بأفريقيا بالنظر للأسماء الوازنة التي كانت تشارك فيه إضافة إلى تألق التنس المغربي مع الثلاثي الذهبي العيناوي-أرازي-العلمي. اليوم تم تهريب هذا الدولي الدولي لمدينة مراكش و صار دوري صغير لا يكاد يتحدث عنه أحد رغم رمزية الإسم الذي يحمل، فيما تُرِك مركب الأمل للإهمال و نُزِعت روحه و رُحِّلَ عنه مقر الجامعة الملكية المغربية للتنس و تم إغلاقه وِفقاً لصياغة كم حاجة قضيناها بتركها ! فهل تعلم العمدة أن الدارالبيضاء لم تكن فقط قُطباً إفريقياً و دولياً لهذه الرياضة بل مدرسة لتكوين الأجيال و هي تساهم اليوم في قتل هذا الشغف بالإِجهاز على مركب الأمل.
في رسالة المواطن البيضاوي، الذي يسكنني، للعمدة و الوالي، أريد التذكير على أن الأولوية هي التركيز على تنمية البشر و منحه وسائل الإبداع و التفتح الفكري و تحصين قِيَمِه قبل البنى التحتية و التجهيزات. للأسف تم قَلْبُ الأولويات و النتيجة أننا بصدد خسران أجيال تفتقد لحس المواطنة و القُدرة على الإِبداع و نلمس ذلك من خلال أعمال الشغب و التخريب التي تجسد الواقع المخيب ل "سيكولوجية الجماهير". فلا حاجة للتذكير بالدور التأطيري و التوجيهي للمسرح، و الدور التوعوي للكتاب، و الدور التنشيطي للرياضة.
لذلك يلاحقكم اليوم عار تهميش البشر لاكتفائكم بمساحيق الحجر