يعيش قطاع التخييم التربوي في المغرب اليوم واحدة من أعقد مراحله، حيث تتقاطع اختلالات تدبيرية وإدارية واضحة مع ضعف الإرادة السياسية في دعم الفاعل التربوي الحقيقي.
ويجد اتحاد المنظمات التربوية نفسه محاصراً بين سياسة تهميش مؤسسي ممنهج، وتحديات بنيوية داخلية تعوق تحوّله إلى قوة اقتراح وتأثير.
هذا المقال يروم تقديم قراءة تحليلية لواقع التهميش المؤسساتي، ويقترح خريطة عملية للتحوّل نحو نضال استراتيجي طويل النفس، يعيد الاعتبار للعمل التربوي الأصيل داخل فضاءات التخييم.
أولاً: مظاهر التهميش المؤسساتي للمنظمات التربوية
أ) تصنيف غير منصف وتمييز إداري مقنن
رغم امتلاك العديد من المنظمات التربوية لتاريخ مشرف وانتشار وطني واسع، إلا أن عملية التصنيف الإداري التي اعتمدتها الوزارة جعلها تعتبر منظمات تاريخية كـ"جمعيات متعددة الفروع" بدل تصنيفها كـ"منظمات وطنية"، وهنا نتذكر ما وقع لحركة الطفولة الشعبية صيف 2023 من منع غير مبرر طال أطفالها.
هذا القرار لم يكن تقنياً محضاً، بل كانت له انعكاسات استراتيجية خطيرة بحيث تتجلى في :
- تهميش هذه المنظمات داخل اللجان المركزية.
- غياب التواصل المباشر بين المكاتب التنفيذية والوزارة
- حرمان المنظمات التربوية التاريخية من فضاءات مناسبة
- إضعاف الشرعية التمثيلية لصالح مكتب جامعي للتخييم أصبح يمتلك سلطة التفاوض باسم الجميع.
- غياب التواصل المباشر بين المكاتب التنفيذية والوزارة
- حرمان المنظمات التربوية التاريخية من فضاءات مناسبة
- إضعاف الشرعية التمثيلية لصالح مكتب جامعي للتخييم أصبح يمتلك سلطة التفاوض باسم الجميع.
ب) التوطين والمنع وإقحام أطراف خارج المشروع التربوي.
إلى جانب سياسة التوطين غير العادلة والمنع الإداري في بعض الحالات، برزت في السنوات الأخيرة ظاهرة اعتماد متعهّدين خارجيين (traiteurs) لتدبير التغذية داخل المخيمات، مما أفرغ الجمعيات من أحد أهم أدوارها التربوية وهذا ما ساهم في تكاثر وظهور الجمعيات التي لا تاريخ لها داخل المخيم التربوي.
نسجل بامتعاض حرمان العديد من الجمعيات التي لها أدوار تاريخية في إنجاح مشروع عطلة للجميع من هذا الدور الحيوي الذي كان يُشكل مناسبة لتكوين الأطفال في التنظيم الغذائي واحترام الأدوار، ليتم تعويضه بـ"مقاولات غذائية" لا تربطها علاقة بالمنظومة التربوية.
ج) تغييب العمق التربوي لصالح المقاولة الجمعوية الموسمية، بحيث
برزت جمعيات تشتغل في مجالات بعيدة عن التربية (الرياضة، التنشيط السياحي، البيئة...) تملأ الفراغ ببرامج سطحية، مما أدى إلى تفريغ التخييم من مضمونه التربوي، وتحويله إلى نشاط موسمي بلا روح.
برزت جمعيات تشتغل في مجالات بعيدة عن التربية (الرياضة، التنشيط السياحي، البيئة...) تملأ الفراغ ببرامج سطحية، مما أدى إلى تفريغ التخييم من مضمونه التربوي، وتحويله إلى نشاط موسمي بلا روح.
ثانياً: أثر هذا التهميش على المشروع التربوي الوطني:
- تراجع الجودة التربوية داخل فضاءات التخييم.
- ضعف تكوين الأطر وتأطير الأطفال.
- ضياع ذاكرة بيداغوجية راكمتها منظمات كبرى لعقود.
- غياب التراكم العلمي والتربوي في السياسات العمومية المرتبطة بالطفولة.
- استنزاف الكفاءات البشرية التي أصبحت تتجه نحو "Camp Summer" تجارية لا تستند لأي مرجعية تربوية.
هذا النزيف البشري، الناتج عن غياب التتبع والتكوين، خلق سوقاً موازية تستغل كفاءات الجمعيات دون أن تساهم في المشروع الوطني للتخييم، مع خطر حقيقي يتمثل في المسّ بحقوق الأطفال وكرامة الأطر داخل فضاءات لا تخضع لأي رقابة تربوية فعلية.
ثالثاً: من رد الفعل إلى النضال الاستراتيجي
أ) التشخيص الذاتي وبناء خطاب موحّد
الاتحاد مطالب بـ:
- إجراء مراجعة داخلية جريئة تحدد مكامن القوة والخلل.
- صياغة رؤية موحّدة بين المكوّنات، تؤطَر بوثيقة مطلبية ذات بعد قانوني وتربوي.
ب) أدوات الفعل الاستراتيجي
الترافع المؤسساتي: توجيه مذكرات رسمية، تنظيم جلسات استماع، التعاون مع محامين في حالات المنع.
الإعلام التربوي الرقمي:
إنشاء منصة رسمية، إنتاج محتوى موثق (مقالات، فيديو، تقارير).
إنشاء منصة رسمية، إنتاج محتوى موثق (مقالات، فيديو، تقارير).
التحالفات والتنسيق:
تأسيس ائتلاف وطني مستقل، التعاون مع باحثين ونقابات، والانفتاح على المجتمع المدني الدولي.
تأسيس ائتلاف وطني مستقل، التعاون مع باحثين ونقابات، والانفتاح على المجتمع المدني الدولي.
ج) المبادرة الرمزية والميدانية
- تنظيم مخيمات نموذجية خارج البرنامج الوطني.
- عقد مناظرات وطنية وأيام دراسية حول التخييم والتربية.
- تنظيم معارض توثيقية لذاكرة العمل التربوي.
رابعاً: نحو ذاكرة نضالية منتجة.
على اتحاد المنظمات التربوية أن ينخرط في :
- توثيق كل أشكال التهميش والممارسات الإقصائية.
- إعداد تقارير سنوية حول واقع التخييم بالمغرب.
- نشر كتاب مرجعي بعنوان: "حصيلة المخيمات... بين السياسة والتربية"، يوثق الإنجازات والاختلالات معاً.
خامساً: سبل تقوية الجبهة الداخلية للمنظمات التربوية
لا يمكن لأي نضال استراتيجي أن ينجح دون جبهة داخلية قوية ومتماسكة. وتقوية هذه الجبهة تمر عبر:
*) ترسيخ الممارسة الديمقراطية: من خلال التداول الحقيقي داخل الأجهزة وضمان التمثيلية العادلة.
*) بناء نظام تواصلي فعال: يضمن الشفافية ويستثمر الرقمنة لتقوية الروابط التنظيمية والتربوية.
*) تأهيل العنصر البشري: بتنظيم تكوينات في القيادة والترافع والتسيير.
*) تحقيق الاستقلالية المالية والتنظيمية: بتنوع مصادر التمويل وتطوير آليات المحاسبة.
*) ترسيخ القيم التربوية في الفعل التنظيمي: مثل التضامن، الاحترام، والالتزام الجماعي.
الجبهة الداخلية القوية ليست ترفاً تنظيمياً، بل شرط أساس للنجاح في مواجهة التحديات الخارجية، وبناء اتحاد قادر على انتزاع موقعه في المشهد التربوي.
في الاخير فالمعركة اليوم ليست حول عدد المقاعد أو موقع التوطين، بل هي معركة هوية ومشروعية تربوية.
إن استمرار التهميش المؤسساتي للمنظمات التربوية، مقابل تساهل مع جمعيات مناسباتية أو مقاولات خدماتية، يشكل تهديداً حقيقياً للحق في تربية غير نظامية ذات جودة وعدالة مجالية.
اتحاد المنظمات التربوية أمام منعطف تاريخي:
إما أن يتحوّل إلى قوة اقتراح وفعل استراتيجي مستقل وموحد، أو يواصل استهلاك رصيده في ردود أفعال موسمية لا تغيّر شيئاً من موازين القوى.
إما أن يتحوّل إلى قوة اقتراح وفعل استراتيجي مستقل وموحد، أو يواصل استهلاك رصيده في ردود أفعال موسمية لا تغيّر شيئاً من موازين القوى.
إن المستقبل لن يُمنح، بل يُنتزع... بالرؤية، والتنظيم، والترافع المستدام، وتقوية الديمقراطية والجبهة الداخلية.