الاثنين 17 مارس 2025
منبر أنفاس

موسى مريد: المغرب.. من شعارات التنمية إلى واقع الفقر والفساد

موسى مريد: المغرب.. من شعارات التنمية إلى واقع الفقر والفساد موسى مريد
بداية أود أن أشير الى مسألة مهمة، وهي أننا في المغرب للأسف نعاني من إشكالية كبيرة منذ الاستقلال وحتى اليوم، ويتعلق الأمر بمسألة رفع الدولة أو الفاعلين السياسيين الاخرين لشعارات وبرامج وسياسات وتوجهات رسمية دون التقيد بمضمونها أو دون تطبيق ما يقتضيه هذا الشعار من التزامات.. فجل الشعارات التي تم رفعها منذ الاستقلال والى اليوم، هي في ظاهرها براقة وحداثية ولا تنازع حول صوابها وأهميتها، لكن المشكلة تكمن في إخراجها للوجود وتطبيقها عمليا وفي التقيد بالمتعارف عليه كونيا في مضمونها. وفي هذا الصدد يمكن أن نتحدث عن رفع شعارات الديمقراطية والتنمية وربط المسؤولية بالمحاسبة واحترام الحقوق والحريات والتوزيع العادل للثروات والعدالة الاجتماعية.. هذه كلها شعارات رفعتها الدولة والفاعلون الاخرون لكنها في النهاية لم تحقق الاهداف المرجوة منها، ولم يتم تفعيل الاجراءات والالتزامات التي يفرضها رفع هكذا شعارات .. ولازلنا كدولة ومجتمع نعاني من آفات الفساد والفقر والبطالة والامية ولازلنا لم نحقق حلم الانتقال الحقيقي الى دولة ديمقراطية حقة ودولة الحق والقانون والدولة الاجتماعية.. ونتيجة لذلك، ليس غريبا اليوم أن نجد فئات عريضة في المجتمع فقدت الثقة في الحكومة والاحزاب ولم تعد تشارك في الانتخابات ..
فعلا لقد رفع عزيز اخنوش شعار الدولة الاجتماعية، لكن سياسة الحكومة في دعم لوبيات المصالح وسقوطه شخصيا في تنازع المصالح، ومحاولات وزير العدل فرملة محاكمة المنتخبين الفاسدين عبر تعديل القانون الجنائي لمنع حماة المال العام من القيام بدورهم في التبليغ والتقدم بشكايات للنيابة العامة.. أضف الى ذلك استمرار الحكومة في دعم كبار الملاكين ولوبيات اقتصادية مصالحية ريعية اخرى، وغض الطرف عن كبار المضاربين ولوبيات المحروقات وغيرها.. هذا يؤكد أولا عدم التزام الحكومة بنهج الدولة الاجتماعية، ويوحي بأنه تم تسويق الشعار دون التقيد بما يفرضه من التزامات.. فاستمرار الحكومة في دعم من لا يستحق، وتهميش فئات واسعة من الفقراء وترك فئات كثيرة تواجه توحش السوق وارتفاع نسب الفقر والغلاء والبطالة، كلها مؤشرات توضح بجلاء تنصل الحكومة من التزاماتها بدعم الفئات الهشة
هل تبخر حلم الدولة الاجتماعية؟ نعم أمام ارتفاع موجة البطالة والفقر والغلاء، لا يمكن الا ان نعترف للأسف بأن هذا الشعار/ الحلم قد تبخر وانتهى به المطاف كما غيره من الشعارات الاخرى الى الفشل..الاحصائيات مثلا تشير الى وجود حوالي مليون ونصف شاب بدون دراسة وتكوين او عمل، وتشير الى ارتفاع نسبة البطالة، والى ارتفاع أسعار المواد الأساسية .. هذه مؤشرات فشل حكومة السيد اخنوش في المجال الاجتماعي.
مفهوم الدولة الاجتماعية في عمقه وجوهره هو ذاك الذي يهدف الى تحقيق طفرة نوعية في حياة الافراد والاسر، فينقلهم من حالة العوز والفقر والتهميش الى حالة أخرى حيث ضمان الرعاية الصحية والشغل الكريم والسكن اللائق والتمدرس المجاني الجيد.. الدولة الاجتماعية اذن هي المكلفة بمد يد المساعدة للفئات المعوزة، من أجل نقلها من حالة الهشاشة الى حالة أفضل، عبر تدابير دعم اجتماعي حقيقي مندمج، يأخذ بعين الاعتبار أولوية قطاعات التعليم والصحة والسكن والتشغيل.. وهناك تجارب ناجحة في امريكا اللاتينية واوروبا وافريقيا..
لكن الخطير في الأمر، أن سياسة حكومة اخنوش سقطت في امتحان تضارب المصالح ودعم كبار الملاك وانتصرت لتوحش لوبيات المحروقات والتجأت الى الاستثمار في مشاريع وبنى تحتية بتكلفة باهضة لن يستفيد من ثمراتها على المدى القريب او المتوسط المواطن الذي يكتوي بنار الفقر والغلاء.. ولذلك كله، لم تستطع تحقيق هذا التحول، فالمؤشرات الاقتصادية أظهرت انكماش الطبقة المتوسطة وارتفاع مديونية الاسر وتفشي البطالة وارتفاع عدد الفقراء، وفشلت حكومة أخنوش في حل مأساة ضحايا زلزال الحوز وفي توزيع الدعم على الفلاحين الصغار وفي دعم المقاولين الشباب.. لقد كنا ننتظر أن تصنع هذه السياسة الاجتماعية أغنياء جدد، لكنها في النهاية صنعت متسولين كثر! وهو ما يحيل عمليا الى الاستنتاج بأن شعار الدولة الاجتماعية لم يحقق المطلوب منه وانتهى الى فشل مبين.
في البحث عن الحلول، يمكن التأكيد هنا على أمرين أساسيين:
أولا، لابد من إصلاح سياسي ودستوري وانتقال فعلي الى دولة ديمقراطية حقيقية ووجود ارادة حقيقية للإصلاح وفاعلين قادرين على توحيد جهودهم والقيام بالتوافقات التاريخية اللازمة للانتقال الديمقراطي.. اذ لا يمكن إنجاح أي إصلاح دون البدء بإصلاح الدولة/ الإدارة أي ماكينة/ أداة الإصلاح و في هذا الصدد، علينا أن نعيد النظر في البناء المؤسساتي والحزبي وفي علاقة الدولة بالمجتمع.. لا بد من فصل حقيقي للسلط، وتحقيق دولة القانون الاقتصادي ومحاربة آفة الفساد وإنهاء سيطرة كبار رجال الاعمال على المؤسسات التنفيذية والتشريعية، ومحاربة التهرب الضريبي والمضاربين ومستغلي النفوذ الذين تسربوا الى مؤسسات الدولة وكونوا طبقة طفيلية مناهضة لكل اصلاح، وفي المقابل لا بد من تشجيع بورجوازية وطنية قادرة على انتاج الثروات وتنمية الوطن
المسألة الثانية تتعلق بوجود ارادة حقيقية للإصلاح، وهنا نؤكد أن أي إصلاح له ثمن، وعلى الدولة أن تكون مستعدة لدفع ثمن هذا الإصلاح، عبر التخلي عن فائض السلطة لصالح المنتخبين الذين تأتي بهم انتخابات شفافة ونزيهة، وعبر برنامج حقيقي فعال لا رجعة فيه لمحاربة الفساد والمفسدين، وعبر رفع يد الدولة عن الشأن الحزبي والانتخابي وعبر رفع الغطاء عن لوبيات الفساد التي تغولت داخل مؤسسات الدولة، ومحاربة كل اشكال الريع والفساد، وسيطرة لوبيات المصالح على الشأن السياسي، واعادة هيكلة الشأن الحزبي، واحترام حرية الصحافة واستقلالية القضاء ...
 
موسى مريد
فاعل حقوقي وسياسي