الخميس 13 مارس 2025
كتاب الرأي

سعيد العزوزي: مراكز الاستقبال المغلقة مرآة لسياسة تأجيل الزمن التنموي

سعيد العزوزي: مراكز الاستقبال المغلقة مرآة لسياسة تأجيل الزمن التنموي سعيد العزوزي
في زحمة الخطابات الرنانة حول الإستثمار في الإنسان، تظل مراكز الإستقبال ودور الشباب المغلقة شاهدة على تناقض صارخ بين الشعارات والواقع، ثلاث سنوات من الإغلاق بدعوى الإصلاح وسنة كاملة من الانتظار لتدشينها وكأن الزمن التكويني والتأهيلي للشباب يمكنه أن يتوقف، وكأن الطاقات والآمال قابلة للحفظ في رفوف الانتظار الإداري، إن أثر هذا الإغلاق لا يقتصر على تعطيل بنايات أو تأخير تدشين مرافق بل يمتد ليغلق أمام الجمعيات أبواب العمل والمبادرة ويشل دينامية شبابية تحتاج إلى فضاءات تحتضنها وتنقلها من الهامش إلى الفعل التنموي بكل تجلياته.
 
إن هذه المراكز على بساطتها وتواضعها لم تكن مجرد جدران وأسقف بقدر ما شكلت مختبرات حقيقية لإنتاج الفكر وورشات لتكوين القيادات ومنصات لصقل المواهب، واليوم تتحول إلى رموز للفراغ المؤسسي والتهميش الممنهج لكل ما يتصل بالطفولة والشباب. 

لقد فوت الإغلاق على الجمعيات فرصة تنظيم العشرات من البرامج التكوينية والأنشطة الثقافية والتربوية، وأربك مسارات كانت تسير بثبات نحو تأهيل الشباب ومواكبتهم في بناء مشاريعهم الشخصية والجماعية...
 
فكيف يمكن أن نحدث عن التنمية البشرية إذا كانت فضاءات التنشئة الإجتماعية والتكوين المستمر والإدماج الثقافي والاجتماعي تغلق بلا بدائل؟ وكيف نطالب الشباب بالمشاركة والمواطنة الفاعلة بينما نجرده من الأدوات الأساسية لذلك؟ وما الهدف من وراء إصلاحها بأموال طائلة دون أن تؤدي أدوارها الاجتماعية ؟
 
وما يزيد من قتامة هذا الواقع هو غياب أي حوار جاد ومسؤول مع الجمعيات العاملة في حقلي الطفولة والشباب، تلك الجمعيات التي كانت وما زالت الضامنة لاستمرار الفعل الثقافي والتربوي الجاد والهادف لخدمة قضايا و مؤسسات الطفولة والشباب، لأكثر من سبعين سنة عبر عقود من التضحية والتطوع والإيمان العميق بجدوى الفعل التربوي الحر، لقد شكلت هذه الجمعيات بديلا واقعيا عن التربية النمطية الرسمية، إذ خلقت فضاءات للحرية والإبداع وقدمت فرصا لا تعوض لاكتشاف الذات وصقل المهارات بعيدا عن قيود المناهج الجامدة والبرامج التقليدية...مساهمة في التربية على الحرية والإبداع والحق في الاختلاف وترسيخ قيم المواطنة وحقوق الإنسان...من داخل هذه المؤسسات وفي مقدمتها مراكز الاستقبال.
 
إن ما يحدث ليس مجرد تقاعس إداري بقد ما هو انعكاس واضح لرؤية محدودة تختزل التنمية في الإسمنت والإحصائيات الجوفاء وتتجاهل أن بناء الإنسان يسبق بناء الجدران، لقد كانت هذه المؤسسات عبر عقود صانعة للوعي ومدارس لقيادات مجتمعية مواطنة طبعت مسار المغرب الحديث بفيض عطائها و إسهامها في بناء وطن جدير بطفولته وشبابه وأي تعطيل لها هو تعطيل لرافعة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تساهم في تغيير الواقع وتنشد مستقبلا أكثر رحابة للطفولة والشباب.
 
وإذا أضفنا إلى ذلك المصير المجهول لمخيم الهرهورة ومخيمات الأطلس وغيرها من الفضاءات التربوية التي شكلت على مدى عقود رافدا أساسيا لتكوين الأجيال، فإننا نكون أمام مسلسل من التراجع لا يمس فقط الحجر بل يضرب في العمق مشروع الاستثمار في الرأسمال البشري الذي يفترض أن يكون قاطرة للتنمية وليس ضحية الحسابات السياسية الضيقة والرؤية القاصرة عن تمثل الرهانات الكبرى لمغرب المستقبل والمتنكرة لكل ما هو جميل في الهوية المغربية.
 
لذلك بات من الضروري أن يسرع وزير الشباب بفتح مراكز الاستقبال وأن يضع حدا لهذا التعطيل غير المبرر الذي لا يخدم سوى تكريس العزلة عن الشباب والجمعيات التي ظلت لعقود حاملة لمشروع تربوي وثقافي مستقل وفاعل، حيث ليس من غير المقبول أن يظل الآلاف من الشباب رهائن قرارات مؤجلة في وقت يتطلب فيه الوطن دينامية جديدة تعيد الاعتبار لهذه الفضاءات كحاضنات أساسية لصناعة المستقبل.
 
إن إعادة فتح مراكز الاستقبال في أسرع وقت ممكن، ليس مجرد قرار إداري بل هو استعادة لزمن ضائع من التأطير والتكوين واسترجاع لمساحات كان ينبغي أن تكون نابضة بالحياة، لا أن تتحول إلى رموز للصمت والإهمال، فالتنمية ليست شعارا للتباهي بقدر ما هي التزام مستمر...وأي تأخير في تفعيل هذه المؤسسات هو تأجيل مقصود للحلم الجماعي في مجتمع أكثر وعيا وإبداعا ومسؤولية.
 
سعيد العزوزي/ رئيس جمعية الشعلة للتربية والثقافة