الخميس 13 مارس 2025
كتاب الرأي

محمد امباركي : بصوت مرتفع.. أزمة النقل لحضري بوجدة وسيادة الوعي الكئيب

محمد امباركي : بصوت مرتفع.. أزمة النقل لحضري بوجدة وسيادة الوعي الكئيب محمد امباركي
في تقديري الشخصي، إن أزمة النقل الحضري بوجدة لا تعكس فقط عجز السلطات المنتخبة والوصية أمام شركة وضعت نفسها فوق القانون والمؤسسات، بل إنها تعبر أيضا عن عجز مركب للمجتمع المحلي. كيف ذلك؟
في الواقع إن أزمة النقل الحضري تعني تعطيل خدمة اجتماعية حيوية، أي  توقف خطوط النقل بين أحياء وشوارع المدينة نتيجة إضراب مفتوح لعمال حافلات شركة موبليس بوجدة دفاعا عن حقوقهم في الأجر، التغطية الصحية، استقرار الشغل واحترام الحريات النقابية، وبالتالي كان من المفروض انخراط فئات اجتماعية متعددة في إنتاج فعل احتجاجي وتضامني واسع دفاعا عن الحق في النقل على علته من حيث تغطية الخطوط وحالة الأسطور المهترئة، وخاصة الطلبة، التلاميذ، ومختلف شرائح الساكنة التي يفرض عليها وضعها السوسيو-اقتصادي استعمال حافلات النقل االحضري.
باستثناء احتجاجات خجولة ميزت الفترة الأولى لأندلاع هذه الأزمة، وجد العمال أنفسهم، يخوضون معركة الحق في تنقل لائق لوحدهم، اللهم  بعض المبادرات التضامنية من مواقع نقابية وسياسية معزولة، في وقت كان من المفروض ان تتحول مدينة وجدة إلى قبلة لحراك اجتماعي متصاعد تلعب فيه المدرسة العمومية دورا مركزيا إلى جانب مكونات الحقل المدني والسياسي. لكن ما الذي حدث؟
دون ادعاء تحليل شامل لتجليات هذه المعضلة، من الممكن تفسير هذا "الصمت" أو "التململ الخجول"، من خلال الفرضيات التالية :
 
أولا، تراجع صورة المدرسة العمومية ونجاح الاستراتيجية الرسمية في  تسويق سلبي لقيمتها، والتي تتمظهر في تمثل فئات تلامذة مؤسسات التعليم خاصة الإعدادي والثانوي، لهذه الوضعية المختلة باعتبارها فترة راحة سيما وأنها تتزامن مع شهر رمضان، ولا شك أن هذا الوعي الكئيب هو نتيجة تراجع منسوب وقيم التأطير داخل المؤسسات التعليمية، بمعنى آخر حدوث انقلاب في وظيفة الجسم التربوي والبيداغوجي الذي يتجه نحو نوع من التمركز على الذات، أي الانشغال بقضاياه الفئوية بالدرجة الأولى…ومن الراجح أن تجربة الحراك التعليمي الذي ميز السنة الدراسية 2024، ترك آثاره لدى الشباب المتعلم من حيث ربطه بطول "العطلة المدرسية"، استدراك ناقص للزمن المدرسي المهدور، لكن  نسبة النجاح مرتفعة!!!!
 
ثانيا، الدور غير المنتج لساكنة المؤسسات الجامعية أي الطلبة، وهي مؤسسات  تجمع بين المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح من قبيل جامعة محمد الأول بمختلف كلياتها، ومعاهد ومدارس ذات استقطاب محدود ككلية الطب والصيدلة، المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية، المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، ... ثم معاهد ومراكز التكوين المهني التي يصل عددها بوجدة إلى حوالي 15 مؤسسة تغطي مختلف أحياء المدينة. فاللهم بعض الاحتجاجات في بداية الأزمة، عاد الصمت المريب ليسود بين جدران هاته المؤسسات في وقت شكلت فيه الشبيبة التعليمية في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، القاعدة السوسيولوجية الأساسية للفعل الجماعي الاحتجاجي وفي مقدمة جبهاته المتعددة، طيلة مراحل الحركات الاحتجاجية في المغرب، بل جزء كبير من هاته الفئات التعليمية وجد في هذه الوضعية مشروعية الارتياح "المؤقت" من تعب المدرسة!
 
ثالثا،  على خلاف منطق الوضعية الذي يستدعي الاحتجاح، لجأت معظم مكونات هذه الشرائح المتضررة من أزمة النقل الحضري، الى البحث عن بدائل  أخرى للتنقل ( هوندات، triporteur،  الحافلات السياحية المتوسطة...الخ) بالنسبة للفئات الفقيرة، والطاكسي الصغيرة بالنسبة لشرائح الطبقة المتوسطة، بمعنى آخر سيادة سلوكات مفرطة في الفردانية والانعزالية وبعيدة كل البعد عن قيم المواطنة والمشاركة، وعن ثقافة الدفاع عن المرفق العمومي.
 
إجمالا، إن هذا الوضع يترجم وعيا كئيبا مركبا يعبر عن نفسه من خلال خطاب الشكوى والاستياء وخاصة على الصعيد الافتراضي، وفي ذات الوقت ممارسة خيارات "التفافية" لا تؤهل ذلك الخطاب كي يتحول الى فعل ترافعي نوعي وناجع. لكنه وضع يسائل جميع الفاعلين الاجتماعيين، من أحزاب سياسية، نقابات، المجتمع المدني والمثقفين الديمقراطيين...إننا أمام سؤال عريض حول فقدان الثقة في المؤسسات، في السياسة، في الفعل المدني المستقل، وهيمنة منطق "أنا ومن بعدي الطوفان"...، بلغة أخرى، إننا بصدد معاينة ملموسة لثمار برامج واستراتجيات "اللاتسييس" التي لا تخدم في نهاية المطاف غير مصالح قوى الريع مركزيا ومحليا.
محمد امباركي، باحث في علم الاجتماع.