في وقت يتجه فيه العالم نحو تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، يبدو أن بعض القضايا القديمة ما زالت تلقي بظلالها على العلاقات بين الدول، ومنها العلاقة بين الجزائر والمغرب. منذ عقود، توترت العلاقات بين البلدين الشقيقين بسبب قضية الصحراء، مما أثر على استقرار المنطقة بأكملها. ومع ذلك، في هذا الوقت الذي تتسارع فيه التحديات الجيوسياسية في المنطقة، وحيث يصبح التعاون الإقليمي أكثر أهمية من أي وقت مضى، أصبح من الضروري أن يعيد النظام الجزائري النظر في موقفه ويحاول تغيير هذا المسار نحو آفاق جديدة من التعاون والتفاهم.
عداء طويل لا يخدم المصالح الوطنية
على الرغم من تاريخ طويل من التوترات بين الجزائر والمغرب، تبقى حقيقة لا يمكن تجاهلها أن هذا العداء لم يساهم في تحقيق أي مكاسب ملموسة للبلدين. بل على العكس، أدت هذه التوترات إلى تقسيم المنطقة وجعلها أكثر هشاشة في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. قضية الصحراء، التي كانت السبب الرئيسي في توتر العلاقات، يجب أن تُعامل بحكمة ورؤية بعيدة المدى، بعيدًا عن المواقف العدائية التي قد تعرقل حل هذه القضية بطريقة سلمية، لا سيما مع الروح الإيجابية التي تعاملت بها الرباط مع الملف، وقدرتها على إقناع غالبية دول العالم بخيار الحكم الذاتي الأقرب إلى التحقق على الأرض.
الجزائر، التي لطالما تبنت موقفًا داعمًا لحق تقرير المصير لشعب الصحراء، كان من الممكن أن تلعب دورًا أكبر وأكثر تأثيرًا في السعي لإيجاد حل شامل ومستدام إذا اعتمدت على استراتيجية تساهم في تعزيز التعاون الإقليمي مع المغرب، ودعم خيار الحكم الذاتي باعتبارها مقترحا واقعيا ومن شأنه أن يعزز قوة ومناعة المغرب والمنطقة. في النهاية، النتيجة ستكون لمصلحة الشعبين والشعوب الإفريقية بشكل عام، والتي عانت من هذه الصراعات المستمرة.
فرصة للسلام والتعاون
لقد أثبتت العديد من التجارب العالمية أن السلام والتعاون بين الجيران قد يحقق مكاسب اقتصادية وسياسية هائلة. في ظل الظروف الراهنة، حيث يشهد العالم تحولًا كبيرًا في الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية، أصبح من الضروري أن يتعامل قادة الجزائر مع هذا التحدي من خلال تغيير العقليات وتبني مواقف أكثر انفتاحًا. فإن التعامل مع المغرب بيد ممدودة بدلاً من التصعيد والمزيد من العداء سيحقق فوائد اقتصادية وأمنية للبلدين على حد سواء.
يمكن للجزائر والمغرب معًا تحقيق الكثير إذا قررا المضي قدمًا نحو علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والالتزام بالحلول السلمية. هناك الكثير من المجالات التي يمكن أن يعملا فيها معًا، مثل الأمن الإقليمي، والتعاون الاقتصادي، ومكافحة الإرهاب، خاصة في منطقة الساحل التي تعد أكثر المناطق تأثرًا بالتحديات الأمنية والاقتصادية في الوقت الراهن، وهذه ملفات الرباط أعلنت استعدادها للتعاون بشأنها.
مقابلة اليد الممدودة بيد مماثلة
السلطات الجزائرية يجب أن تدرك أن العالم قد تغير وأن سياسة العداء لم تعد مجدية في العصر الحديث. فحتى في ظل الصعوبات والتوترات، هناك دائمًا فرصة لتجاوز الخلافات والعمل من أجل مصلحة الشعبين. مصلحة الجزائر والمغرب تتطلب السير نحو بناء علاقات صداقة وتعاون، وهي الطريق الأكثر استدامة للسلام والازدهار المشترك.
من الضروري أن تستجيب الجزائر للرسائل الداعية للسلام التي تأتي من المغرب، وأن تقابل اليد الممدودة بيد مماثلة. فالاستمرار في مواقف العداء لا يخدم المصالح الوطنية لأي من البلدين. بل على العكس، فإن بناء علاقة تعاون إستراتيجية بين الجزائر والمغرب سيكون له آثار إيجابية بعيدة المدى، ليس فقط على المستوى السياسي بل أيضًا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
إن الجزائر، باعتبارها دولة ذات ثقل في القارة الإفريقية، يجب أن تكون رائدة في تعزيز التعاون والتفاهم بين الشعوب. حان الوقت لوقف سياسة العداء تجاه المغرب، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات تقوم على التعاون والتكامل. إن قوة الجزائر تكمن في قدرتها على بناء الجسور بدلاً من الجدران، وفي استثمار الفرص السلمية التي قد تفتح أمامها آفاقًا جديدة من التنمية والازدهار.
بديل هذه السياسات لن يكون إلا الدفع بالمنطقة إلى مزيد من التوتر وربما قبل المنطقة، فإن النظام الجزائري يمارس عملية انتحار ذاتي حقيقي.. اللهم قد نصحت اللهم فاشهد.
كريم مولاي، خبير أمني جزائري- لندن