الثلاثاء 11 مارس 2025
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: الوعود القاتلة

إدريس المغلشي: الوعود القاتلة إدريس المغلشي
التعاقد بين السياسي والمواطن يتأسس بشكل صريح  على الثقة والالتزام وهو عامل لأهميته يعزز من مقومات دولة الحقوق والمؤسسات وتصبح ملاذه الأخير  بعد تضيق به السبل. لكن مانعيشه في الفترة الأخيرة المتسمة بالانحطاط في أغلب المناحي وفضاءات التجاوب مع مصلحة المواطنين جعلت أغلبهم يلجأون للاحتجاج ورفض سياسة صم الآذان.
 
في غياب معارضة حقيقية قوية بعدما تمت هندسة السياسة على المقاس بين أغلبية متواطئة تخلت عن أخلاق الفعل السياسي في مساندة عمياء ولو على حساب هموم ومآسي المواطنين وتخلت عن التزاماتها في تحدي سافر ومعارضة ضعيفة لاتهش ولاتنش أصبح الموان ضحية فراغ قاتل لم يعد يملك معه سوى احتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي ونقل معاناته اليومية مع تدبير حكومي متخلف اختلطت عليه الأوراق وانقلب فيه معادلة الأولويات. وصرنا في زمن يطبع فيه الجميع مع الإهمال والتسيب.
 
 ليس غريبا أن مع مرور الزمن تنكشف اكاذيب المسؤولين بل في غياب الرقابة أصبحت العوامل الطبيعية من جفاف وفيضان الوحيدة التي تقوم بدور الرقابة والمعارضة بل أصبحت الصور القادمة من الحوز على سبيل المثال لا الحصر وغيرها من مناطق الأزمة أدانة صريحة للجميع. وعوض محاسبة المسؤولين الذين فشلوا في تدبير الأزمة صرنا نشهد محاكمة المتضررين والزج بهم في السجون. 
 
في زمن غابت فيه الكلمة الموجهة وضاعت فيه الحقيقة لم تعد تستفزنا تلك الصور التي تنقل معاناة ضحايا الزلزال مع ظروف طبيعية قاسية وحاطة من قيمة البشر. لم نشهد زيارة مسؤول .ونتساءل أين غابت الوزيرة وأين اختفت وعودها اتجاه ساكنة تنتمي للجهة التي تشرف عليها كعمدة ياحسرة  ؟ إن أقسى مايمكن أن يعيشه المواطن القهور أساسا هو غياب المؤسسات. أين اختفى صندوق دعم ضحايا الزلزال ؟ فعلا مأساة ما أصبح نعيشه غياب فظيع على ميع المستويات بعدما أصبحت وعود  الأمس في خبر كان وظلالها بلا أثر قاتلة لكل شيء.
 
الصورة التي بين أيدينا تشبه إلى حد بعيد ماتحكيه الجدات للصبايا من أجل دفعهم للنوم. لكنها في الواقع مستفزة تدفع للسهاد والأرق وكثير من القلق . فكيف سننعم بالنوم في ظل هذه الكوارث. يحكى والعهدة على الراوي، أن مسؤولا كبيرا وهو راجع ﺇﻟﻰ ﻗﺼﺮﻩ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﺒﺮﻭﺩﺓ، ﺭﺃﻯ ﺣﺎﺭﺳًﺎ ﻋﺠﻮﺯًﺍ ﻭﺍﻗﻔًﺎ ﺑﻤﻼﺑﺲ ﺭﻗﻴﻘﺔ، ﺎﻗﺘﺮﺏ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻤسؤول الكبير ﻭﺳﺄﻟﻪ : ﺃﻻ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺒﺮﺩ؟.
رﺩّ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ : بلى ﺃﺷﻌﺮ به كثيراً، ﻟﻜﻨّﻲ ﻻ ﺃﻣﺘﻠﻚ ﻟﺒﺎسا ﺩﺍفئا ﻓﻼ ﻣﻨﺎﺹ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺤﻤّﻞ.

ﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﻤسؤول الكبير: ﺳﺄﺩﺧﻞ ﺍﻟﻘﺼﺮ ﺍﻵﻥ ﻭﺃﻃﻠﺐ ﻣﻦ ﺃﺣﺪ ﺧﺪﻣﻲ ﺃﻥ ﻳﺄﺗﻴﻚ ﺑﻠﺒﺎﺱ دافئ. ﻓﺮﺡ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﺑﻮﻋﺪ ﺍﻟﻤسؤول الكبير  ﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺃﻥ ﺩﺧﻞ ﻗﺼﺮﻩ ﺣﺘﻰ ﻧﺴﻲ ﻭﻋﺪﻩ للحارس. ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ الباكر ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ ﺍﻟﻌﺠﻮﺯ ﻗﺪ ﻓﺎﺭﻕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ ﻭﺭﻗﺔ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﺨﻂ ﻣﺮﺗﺠﻒ: "ﺃﻳّﻬﺎ ﺍﻟﻤسؤول ﻛﻨﺖ ﺃﺗﺤﻤّﻞ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺻﺎﻣﺪًﺍ، ﻟﻜﻦ ﻭﻋﺪﻙ ﻟﻲ ﺑﺎﻟﻤﻼﺑﺲ ﺍﻟﺪﺍﻓﺌﺔ ﺳﻠﺐ ﻣﻨّﻲ ﻗﻮّﺗﻲ ﻭﻗﺘﻠﻨﻲ".
 
كثير من الوعود ﻟﻶﺧﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﺗﻌﻨﻲ ﻟﻬﻢ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺗﺘﺼوﺭ .ﻓﻼ يجب أن نخلف ﻭﻋﺪًﺍ، .لأننا ﻻندري ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ نهدمه ﺑﺬﻟﻚ...!.