الاثنين 10 فبراير 2025
فن وثقافة

الفقيد بنيونس المرزوقي والإنشغال بالعمل البرلماني

الفقيد بنيونس المرزوقي والإنشغال بالعمل البرلماني المرحوم بنيونس المرزوقي( يمينا) وعبد الرزاق الحنوشي مع غلاف كتابه
برحيل الأستاذ بنيونس المرزوقي، يكون المغرب قد فقد أحد مؤسسي القانون البرلماني، كمجموعة من الممارسات والتصرفات والأنشطة، الناتجة عن أعمال الفاعلين السياسيين المتمثلين داخل الفرق البرلمانية وأجهزتها، كالجمعيات والمجالس، حيث وان كان الفقيد منشغلا بوظائف الفعل البرلماني المتمثلة في وظيفتي التشريع والمراقبة، فانه كان يتساءل  هل يتعين الاكتفاء بهاتين الوظيفتين أو تجاوزهما إلى وظائف أخرى؟
كثيرة هي المناسبات التي جمعتنى بالراحل الذي كان مستشارا للمرحوم محمد بوزوبع وزير العلاقات مع البرلمان خلال حكومة التناوب بقيادة  الراحل عبد الرحمان اليوسفي.  
لقد لمست في الاستاذ المرزوقى  الذي كان رجلا منفتحا يقبل الرأي والرأي الأخر. فكل من تعرف على الراحل  يجد فيه ذلك الجامعي المجد واليقظ المواكب لتطورات ومستجدات الشأن السياسي والبرلماني والحقوقي والعلمي والجمعوي.
وإذا كان يصعب علي هنا التوقف عند مختلف المحطات والمنعطفات التي جمعتنا بالفقيد أو تلك التى كانت في صلب نقاشاتنا، في مقدمتها تحليل الإطارات القانونية المنظمة للعمل البرلماني، على ضوء الممارسات الفضلى في التجارب المقارنة. 
وفي هذا الصدد أستحضر مساهمة الفقيد بنيونس المرزوقي، القيمة والتي شرفنى بها، وذلك باعتباره أستاذ القانون البرلماني بجامعة محمد الأول بوجدة، في قرائته للمؤلف الذي أصدرته مؤخرا حول «البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات»، الذى خصص له قراءة أكاديمية نقدية و تحليلية من خلال مقاربته له ضمن القانون البرلماني.
في ما يلى نص مساهمته:
 
"إن‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬لنا‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‭"‬البرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان:‭ ‬مرجعيات‭ ‬وممارسات"،‭ ‬يُعتبر‭ ‬أداة‭ ‬عمل‭ ‬ذات‭ ‬ميزات‭ ‬مُتعددة‭..‬
لقد‭ ‬تطورت‭ ‬الدراسات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقانون‭ ‬البرلماني،‭ ‬ومعه‭ ‬تطورت‭ ‬نوعين‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬أو‭ ‬التخصصات:
فمن‭ ‬جهة‭ ‬أولى،‭ ‬الدراسات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬العام،‭ ‬والتي‭ ‬تهتم‭ ‬بمواضيع‭ ‬تُعالج‭ ‬تاريخ‭ ‬القانون‭ ‬البرلماني،‭ ‬مصادره،‭ ‬خصائصه،‭ ‬مكانته‭ ‬داخل‭ ‬الدراسات‭ ‬الدستورية‭....‬؛
ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬هناك‭ ‬دراسات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الخاص،‭ ‬والتي‭ ‬تهتم‭ ‬بقضايا‭ ‬جزئية،‭ ‬قضايا‭ ‬أكثر‭ ‬تخصصا،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬البرلمان،‭ ‬المسطرة‭ ‬التشريعية،‭ ‬أشكال‭ ‬الرقابة‭ ‬البرلمانية‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الحكومي،‭ ‬صياغة‭ ‬النصوص‭ ‬التشريعية‭...‬؛
وبين‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬تتم‭ ‬معالجة‭ ‬مختلف‭ ‬المواضيع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أمثلة‭ ‬تطبيقية،‭ ‬متنوعة،‭ ‬حسب‭ ‬حاجيات‭ ‬الموضوع‭.‬
إلا‭ ‬أن‭ ‬الملاحظ،‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬تخصص‭ ‬يهم‭ ‬كيفية‭ ‬معالجة‭ ‬البرلمان‭ ‬لموضوع‭ ‬مُعين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مختلف‭ ‬الزوايا‭.‬
الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬يسمح‭ ‬لنا‭ ‬بذلك‭..‬
إنه‭ ‬يمنحنا‭ ‬إمكانية‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الزوايا:
-‭ ‬المجهود‭ ‬التشريعي‭ ‬للبرلمان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬النصوص‭ ‬التشريعية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬والتي‭ ‬وافق‭ ‬عليها‭ ‬البرلمان،‭ ‬وبما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تُبين‭ ‬لنا‭ ‬الممارسة‭ ‬البرلمانية،‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬الممارسة‭ ‬الحكومية،‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الالتزامات‭ ‬الدولية؛
-‭ ‬المجهود‭ ‬الرقابي‭ ‬للبرلمان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬أسئلة‭ ‬أعضاء‭ ‬البرلمان‭ ‬الموجهة‭ ‬للحكومة،‭ ‬وذلك‭ ‬بتمحيصها،‭ ‬وترتيبها،‭ ‬ودراستها‭.‬
ومن‭ ‬خلال‭ ‬هذين‭ ‬المحورين‭ ‬الرئيسيين،‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬الإدلاء‭ ‬بملاحظتين‭ ‬أساسيتين،‭ ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬يُمكن‭ ‬لأي‭ ‬باحث‭ ‬(ة)،‭ ‬أن‭ ‬يحكم‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان:
 
الملاحظة‭ ‬الأولى:‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي،‭ ‬يُمكننا‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬مع‭ ‬التحليل‭ ‬السياسي‭ ‬العام،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬التحليل‭ ‬"السياسوي"،‭ ‬المتميز‭ ‬بالذاتية‭ ‬التي‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أحكام‭ ‬عامة‭ ‬وجاهزة‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬سند‭ ‬توثيقي،‭ ‬ويتم‭ ‬ترويجها‭ ‬على‭ ‬أوسع‭ ‬نطاق‭.‬
إن‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬الأحكام،‭ ‬لا‭ ‬تُساهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬"تأليب"‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬ضد‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬مجالات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التشاركية،‭ ‬نظرا‭ ‬للقوة‭ ‬الاقتراحية‭ ‬الكبرى‭ ‬للجمعيات‭ ‬الحقوقية‭ ‬ببلادنا.
 
الملاحظة‭ ‬الثانية:‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬كتاب‭ ‬"البرلمان‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان:‭ ‬مرجعيات‭ ‬وممارسات"،‭ ‬سيُمكننا‭ ‬من‭ ‬اعتماد‭ ‬إطلاق‭ ‬الأحكام‭ ‬الدقيقة،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬فيها‭ ‬للمزايدات‭ ‬السياسية‭. ‬إن‭ ‬لغة‭ ‬الأرقام‭ ‬والإحصائيات‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والتوثيق‭ ‬والدراسة،‭ ‬ستجعل‭ ‬أحكامنا‭ ‬أكثر‭ ‬موضوعية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يهم،‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬ملاحظات‭ ‬إيجابية‭ ‬أو‭ ‬سلبية،‭ ‬لأن‭ ‬مسألة‭ ‬التقييم‭ ‬تختلف‭ ‬باختلاف‭ ‬المنطلقات‭ ‬والأسس‭. ‬فالأساسي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬هنا‭ ‬سيكون‭ ‬مبنيا‭ ‬على‭ ‬وقائع‭ ‬وحقائق،‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬أحكام‭ ‬عامة‭.‬
إن‭ ‬المنهجية‭ ‬التي‭ ‬اعتمدها‭ ‬صاحب‭ ‬الكتاب،‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭ ‬الحنوشي،‭ ‬فرضت‭ ‬عليه‭ ‬بدوره‭ ‬أن‭ ‬ينضبط‭ ‬للأسس‭ ‬التي‭ ‬انطلق‭ ‬منها،‭ ‬لذك،‭ ‬حدد‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أولى‭ ‬المرجعيات‭ ‬قبل‭ ‬الممارسات،‭ ‬كما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬العنوان‭ ‬نفسه،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬تبينت‭ ‬له‭ ‬أوجه‭ ‬النقص‭ ‬في‭ ‬الممارسة‭ ‬البرلمانية،‭ ‬اقترح‭ ‬اعتماد‭ ‬الممارسات‭ ‬الفضلى‭ ‬بخصوص‭ ‬تجارب‭ ‬مختلف‭ ‬البرلمانات،‭ ‬وأساسا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مرجعيات‭ ‬الاتحاد‭ ‬البرلماني‭ ‬الدولي‭.‬
 
وهكذا،‭ ‬كانت‭ ‬اقتراحاته‭ ‬وتوصياته،‭ ‬متكاملة:‭ ‬ممارسات‭ ‬فضلى‭ ‬وفق‭ ‬معايير‭ ‬دولية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ملاحظات‭ ‬دقيقة‭ ‬مستندة‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬وممارسات‭ ‬الكاتب‭ ‬نفسه‭. ‬لقد‭ ‬جعلنا‭ ‬نكتشف‭ ‬إيجابيات‭ ‬وسلبيات‭ ‬الحياة‭ ‬البرلمانية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وحدد‭ ‬لنا‭ ‬أوجه‭ ‬القصور‭ ‬والثغرات‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬معالجتها،‭ ‬وقدم‭ ‬لنا‭ ‬التوصيات‭ ‬والاقتراحات‭ ‬اللازمة،‭ ‬وأمدنا‭ ‬بالمعطيات‭ ‬اللازمة‭.‬
 
إن‭ ‬خلاصتي‭ ‬الرئيسية‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يُمكنني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أقترح‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إدراج‭ ‬مادة‭ ‬"الممارسة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان"‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دراسات‭ ‬الماستر‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬بالقانون‭ ‬البرلماني‭ ‬أو‭ ‬الدستوري،‭ ‬أو‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.‬
شكرا‭ ‬صديقي‭ ‬عبد‭ ‬الرزاق‭.. ‬مع‭ ‬متمنياتي‭ ‬بتحيين‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬كل سنة تشريعية".