الجمعة 8 نوفمبر 2024
في الصميم

أريري: من الاستعمار الفرنسي إلى الاستعمار العمراني.. شارع أنس الصفريوي نموذجا !

أريري: من الاستعمار الفرنسي إلى الاستعمار العمراني.. شارع أنس الصفريوي نموذجا ! عبد الرحيم أريري
أخطأت الدولة حين أطلقت اسم المرحوم أبوبكر القادري على أحد أهم شوارع حي سيدي معروف بالدار البيضاء.

أجرمت الدولة حين وظفت اسم الوطني الفاضل أبوبكر القادري لتبييض إحدى أبشع العمليات العمرانية بالمغرب.

أذنبت الدولة حين لوثت موروثا مغربيا طاهرا من حجم أبي بكر القادري ووضعت رخامة تحمل اسمه على الشارع الرابط بين مرجان كاليفورنيا ومقر عمالة عين الشق.

كان على الدولة أن تطلق على هذا الشارع اسم المنعش العقاري «أنس الصفريوي»، ليس تكريما لهذا الشخص أو احتفاء بمنجزاته لصالح البلاد والعباد، بل كي يقف كل مسؤول مغربي مر من هذا الشارع على جرائم التعمير المقترفة في حق الدار البيضاء وفي حق الشعب المغربي. ونقصد بذلك المشروع السكني "المستقبل"، الذي بنته شركة «الضحى» لصاحبها أنس الصفريوي.

مشروع "المستقبل" بني في إطار الاستثناء Derogation الممنوح من طرف الدولة للمقاولين والمنعشين، وهو من المشاريع السكنية التي لم تحترم فيها السلطات مجموعة من الشروط لإنجاح عملية "المستقبل" السكنية بحي سيدي معروف، مثلما تم في عمليات تعميرية ناجحة بمناطق أخرى.

فالمساحة المخصصة لمشروع المستقبل تصل بالكاد إلى 33 هكتار، وهو ما يعادل مساحة المركب الرياضي محمد الخامس وملحقاته. ورغم صغر المساحة، لم تتردد الدولة في الترخيص لشركة الضحى بإنجاز حوالي 9000 شقة في مشروع "المستقبل" أي ما يعادل 45.000 نسمة. وهنا مربط الفرس، لأن مشروع "المستقبل" يعادل سكان مدينة من حجم قصبة تادلة، أو مدينة من حجم شفشاون أو حجم جرادة. لكن مع فارق أن مساحة قصبة تادلة تمتد على 1900 هكتار، وشفشاون تمتد على مساحة 1500 هكتار، ومدينة جرادة تمتد على 1700 هكتار. بينما مدينة «المستقبل» شيدت في 33 هكتارا. والأفظع رخصت وسط حوض «مدكوك» بالبشر!

ليس هذا فحسب، بل تم زرع مشروع "المستقبل" لشركة الضحى، بدون تمكينه من المرافق الضرورية اللازمة لحياة مدينة من حجم جرادة وشفشاون وقصبة تادلة. أقصد: الثانويات والأسواق والقيساريات والحمامات والمدارس والساحات العمومية والملاعب، ثم وهذا هو المهم تمكين مشروع "المستقبل" من منافد طرقية تؤمن انسياب حركة السير.

الدولة رخصت لشركة "الضحى" لإنجاز المشروع، ومالك الضحى جمع «الفلوس»، بينما السكان والأحياء المجاورة يعيشون في جحيم يومي بسبب مشروع "المستقبل" : اختناق مهول وتكديس وكثافة رهيبة وجودة عيش كئيبة.

فشارع أبي بكر القادري هو المعبر الوحيد الرابط بين الأحياء العديدة لسيدي معروف (البام - أمين - شيماء - سيدي معروف القديم - الباطيمات - لينا - عمارات باشكو- الحي الصناعي...إلخ...) وباقي أحياء الدار البيضاء. فضلا عن كونه المنفذ الرابط بين عمالة عين الشق والحي الصناعي ليساسفة ومدينة النسيم.

ونظرا للضغط الذي يشهده هذه المحيط كان لزاما التفاوض مع شركة "الضحى" حول سيناريوهين: إما أن تساهم شركة "الضحى"، في تمويل البنية التحتية الضرورية والملائمة لزرع 45.000 نسمة بمساحة ضيقة (قناطر، أنفاق، مدارات طرقية Rocade)، أو الترخيص للضحى بإنجاز المشروع السكني المذكور، لكن بعتبة أقل لا تتعدى 50 أو 60 وحدة سكنية في الهكتار، خاصة وأن شركة "الضحى" تستفيد من العديد من الامتيازات الممنوحة لها من طرف الدولة.

نعم، لا رجعية في القوانين ولا يمكن مسطريا هدم المشروع أو إجبار "أنس الصفريوي" على تخصيص جزء من ثروته لإصلاح جرائم التعمير المرتكبة بحي سيدي معروف.

ولكن جبر الضرر الجماعي للسكان يفترض على أصحاب القرار تغيير اسم شارع أبي بكر القادري، وتعويضه باسم «أنس الصفريوي»، حتى يتسنى لكل مواطن استعمل هذا الشارع أن يلعن اليوم والساعة التي رخصت فيها الدولة لإنجاز إقامات "المستقبل". وحتى نسمح للصفريوي بتسديد جزء من ديونه نحو المجتمع، ليردد الجميع وهو يعبر الشارع: «هنا ارتكبت مجزرة التعمير على يد أنس الصفريوي.» !

رحم الله أبا بكر القادري الذي لم يكن يدري أن مقاومته للاستعمار الفرنسي ستقود إلى «استعمار عمراني» بشع بمنطقة كانت هي مهد المواجهة مع الفرنسيين!

ملحوظة:
هذا المقال نشر بموقع "أنفاس بريس" يوم 4 أكتوبر 2017، ونعيد نشره نظرا عسى أن تتدخل الدولة لجبر الضرر بسيدي معروف، وإيجاد حلول للجحيم الذي يكتوي بلهيبه المواطنون كل يوم بهذا الحوض الأكثر دينامية بالبيضاء.